خالفت الأرقام الأخيرة التي كشفت عنها الحكومة، جميع توقعات البنك العالمي والخبراء الاقتصاديين الذين رسموا واقعا اسود عن الاقتصاد الوطني خلال السنتين الماضيتين، بتوقعاتهم التي تؤكد نفاذ احتياطي الصرف من العملة الصعبة والعودة الى الاستدانة الخارجية خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية على أقصى تقدير، بالاضافة الى تراجع النمو الاقتصادي إلى 2.08 بالمائة في حال استمرت الحكومة في اعتمادها على صندوق ضبط الإيرادات وألغت بعض المشاريع في إطار سياسة ترشيد النفقات المنتهجة منذ بداية الأزمة النفطية. وأثبتت الحكومة للبنك العالمي، حسب الأرقام الأخيرة التي كشف عنها الوزير الاول عبد المالك سلال في افتتاحه لاجتماع الثلاثية، بأن توقعاته "السوداوية" لمستقبل اقتصاد الجزائر لا تعدو ان تكون مجرد سياسات تخويفية لا غير، على اعتبار انها قد توصلت الى "تثبيت استقرار إطار الاقتصاد الكلي دون ممارسة سياسة التقشف وتفضيل البحث الدائم عن النمو وإنشاء ثروة ذات تسيير محاسبي قاس وجاف" حسب تصريحات الوزير الأول. ورغم تواصل نزيف احتياطي الصرف من العملة الصعبة وما تعرفه العملة الوطنية من تراجع في قيمتها ومشاكل المنظومة البنكية، إلا أن كبح فرامل الاستيراد العشوائي لبعض السلع كالسيارات، الاسمنت والحديد اضافة الى بعض الفواكه الموسمية التي تثقل كاهل الخزينة العمومية، قد استطاع تخفيض سرعة تأكل احتياطي الصرف بنسبة كبيرة، وهذا رغم تذبذبات اسعار النفط التي لم تعرف ارتفاعا كبيرا في اسعارها رغم نجاح الاوبك في الاجماع على قرار خفض الانتاج، حيث لا يزال سعر برميل النفط لا يتخطى عتبة 60 دولارا بسبب مخاوف من حفر مزيد من آبار النفط الصخري الامريكي وارتفاع المخزونات. وتبين ميزانيات الدولة في قوانين المالية لسنوات 2015، 2016، و2017 تقليص الحكومة لنفقات التسيير والتجهيز بما يعادل 382.030.944.310 دج، مقابل زيادتها في الضرائب والرسوم في المواد الطاقوية كالغاز والكهرباء والوقود ورفع تسعيرة قسيمة السيارات والرسم على القيمة المضافة الى 19 بالمائة، وبذلك استطاعت الحكومة تحقيق استقرار في ميزانية التسيير، وتقليص ملحوظ لميزانية التجهيز، وهذا بعيدا عن المساس بالتحويلات الاجتماعية التي تمثل مبلغ يزيد عن 1.630 مليار دينار، وتشكل ما نسبته 23،7% في ميزانية الدولة، حيث رفضت الحكومة الانصياع لاقتراحات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وكذا بعض الخبراء، برفع الدعم عن المواد الواسعة الاستهلاك وتوجيهه لمحتاجيه فقط. هذا وينتظر ان يبلغ عجز ميزان المدفوعات حسب توقعات خبراء الحكومة، في 2017 حدود 11.2 مليار دولار، وفي 2018 مستوى 5.4 مليار دولار، متوقعين ان يحقق فائضا سنة 2019، بقيمة 2.2 مليار دولار لأول مرة منذ منتصف 2014، ما سيساهم في ارتفاع قيمة احتياطي الصرف المنتظر في 2019، ضاربين بذلك توقعات البنك العالمي، الذي اكد سنة 2015 ارتفاع العجز في ميزان المدفوعات الجزائري بعد 19 شهرا اي سنة 2016، ب 15 بالمائة وتجاوز عجز الميزانية 11.5 بالمائة. هذا وتراهن الحكومة على ما سمته ببرنامج النمو الاقتصادي الجديد الذي جددت الالتزام به مع شركائها الاجتماعيين وأرباب العمل خلال الثلاثية الماضية، وهذا لتحقيق تحول اقتصادي من الريع الى الانتاج مطلع سنة 2019، من خلال التوجه بقوة نحو التصدير وتنظيم سوق الاستيراد وتشجيع الانتاج المحلي، كما تراهن الحكومة على استقرار اسعار النفط وثبات مناقصاتها الغازية مع دول العالم، كما تعمل على تحسين نوعية الخدمات الادارية ورقمنتها، مما سيساهم في تسريع اجراءات المستثمرين، بالإضافة الى دراسة البنوك لإمكانية اطلاق قروض سندية بدون فوائد توجه كالقرض السندي الاول لتمويل الاستثمارات العمومية التي رفعت يدها الدولة عنها، وقروض بدون فوائد لتشجيع الجزائريين للاقراض من البنوك والتعامل ضمن الاطر الرسمية لتوفير السيولة. ليلى عمران