لا يزال مسلسل تآكل احتياطي الصرف متواصلا بصفة جنونية، حيث تشير آخر أرقام البنك المركزي الأخيرة إلى وصوله آخر السنة الماضية 114,1 مليار، بعدما استنزف البنك المركزي 7.8 مليار دولار من مخزونه خلال ثلاثة أشهر، وهو ما دفع بالخبراء والمتابعين للشأن الاقتصادي بالتنبؤ بنفاذ هذا الاحتياطي في غضون أربع سنوات على أقصى تقدير في حال ما لم تتغير المعطيات الموجودة حاليا. وتؤكد جميع الأرقام التي قدّمها محافظ بنك الجزائر، محمد لوكال، خلال جلسة علنية بالمجلس الشعبي الوطني، الأسبوع الماضي، أن نزيف احتياطي الصرف متواصل بوتيرة سريعة جدا وبمبالغ كبيرة، حيث تراجع ب44 مليار دولار في سنة 2016 ليصل المخزون نهاية ديسمبر 2016 إلى 114.1 مليار دولار مقابل 1ر144 مليار دولار بنهاية 2015، وهو ما يشير إلى إمكانية نفاذ هذا الاحتياطي خلال سنوات قليلة مقبلة، ويدفع الجزائر إلى العودة إلى بوابة الاستدانة الخارجية التي اختارت الحكومة أن تبدأها من البنك الإفريقي للتنمية "ADB"، بعدما اقترضت 900 مليون يورو، لتنفيذ برنامج دعم التنافسية الصناعية الذي تعول عليه البلاد في تنويع اقتصادها، ويعتبر القرض الأول من نوعه منذ تسديد الجزائر لديونها الخارجية عام 2008، حيث يأتي القرض تزامنا مع الأزمة الاقتصادية الصعبة، بالإضافة إلى عدم استقرار أسعار البترول منذ بداية سنة 2014. ونظرا لارتباط احتياطي الصرف من العملة الصعبة بالميزان التجاري، الذي يعرف خللا بعدما بلغ مستوى الإيرادات الكلية، خلال التسعة أشهر الأولى من 2016، 38ر20 مليار دولار، في حين بلغ مستوى الواردات 20ر37 مليار دولار، فإن العجز المسجل في الميزان التجاري الذي وصل إلى 82ر16 مليار، والعجز في الحساب الجاري الذي بلغ 24ر22 مليار دولار، مقابل عجز بقيمة 42ر21 مليار دولار بالنسبة لميزان المدفوعات، دفعوا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات استعجالية للتقليل من فواتير الاستيراد ودعوة المستثمرين والمنتجين إلى النهوض بقطاعات الصناعة والتجارة والسياحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الكثير من المنتجات، والاتجاه إلى التصدير آفاق سنة 2019 ضمن برنامج سطرته تحت مسمى النموذج الاقتصادي للنمو. ويشار إلى أن المحروقات تمثل المورد الرئيسي للاقتصاد الوطني من العملة الصعبة، إذ تمثل حسب تقديرات غير رسمية، حوالي 98 بالمائة، وأدى تراجع سعر برميل النفط في الأسواق العالمية منذ سنة 2013 إلى تراجع احتياطات الصرف، ابتداء من سنة 2014 حينما كانت تقدر ب195 مليار دولار (نهاية مارس 2014) لتأخذ بعدها منحنى هبوطيا بالغة 27ر193 مليار دولار في جانفي 2014، ثم 27ر185 مليار دولار في سبتمبر من العام نفسه. وحسب تقديرات المراقبين للسوق النفطية، فإن سعر برميل النفط حاليا، ما يزال بعيدا جدا عن مقاربات ضبط الميزانية للحكومة بعد عامين من شح الموارد وانكماشها إلى أقل من النصف، حيث تشير المعطيات الموجودة إلى انخفاض مرتقب في أسعار النفط مع ارتفاع منصات الحفر الأمريكية لثالث أسبوع على التوالى، ويبلغ حاليًا إجمالى المنصات نحو 566 منصة، وهو الأعلى منذ شهر نوفمبر عام 2015، حيث يشكل الارتفاع المستمر لمنصات الحفر ضغطًا سلبيًا على أسواق النفط لأن ذلك سيؤدى إلى زيادة إنتاج النفط الصخري الذي كان سببًا رئيسيًا فى انهيار أسواق النفط خلال عام 2014، ولا تزال المخاوف تتصاعد بين مستثمري أسواق النفط خاصة بعد تأكيد وكالة الطاقة الأمريكية على زيادة إنتاج النفط الصخري خلال الشهر الحالي، خاصة في ظل ارتفاع أسعار النفط. ليلى عمران