يستكمل الروائي جمال ناجي في روايته الجديدة «عندما تشيخ الذئاب» الصادر عن (وزارة الثقافة الاردنية 2009) ما بدأه في روايته الثانية «وقت» وتابعه في رواياته اللاحقة «الحياة على ذمة الموت» و«مخلفات الزوابع الأخيرة» و«ليلة الريش»، وهو مشروعه الذي يتلخص في كتابة التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية الأردنية، منذ أواسط القرن المنصرم. وقد لاحت ملامح هذا المشروع في روايته الأولى «الطريق إلى بلحارث» التي عدّها الكثيرون تجربة ذاتية - وقد تكون كذلك -، لكنها في الوقت نفسه تستنطق الواقع الاجتماعي الأردني في تلك المرحلة، حيث الهجرة المحمومة إلى الشرق، في ظل النهضة الاقتصادية التي أصابت منطقة الخليج بعد حرب تشرين. وإذ يصر جمال ناجي على استكمال مشروعه الروائي هذا، ويكتب حتى اليوم خمس روايات تتحرك في عمان فقط، فإنه يرتكب مغامرة كبيرة لم يجرؤ على ارتكابها سوى مؤنس الرزاز وزياد القاسم. وفي كل تجربة من هذه التجارب، نلحظ بعض الخفوت أحياناً، وهو أمر طبيعي طالما كان المكان واحداً، كما حدث مع الروائي الكبير نجيب محفوظ. فلا أحد يستطيع وضع روايات محفوظ القاهرية كلها في مرتبة واحدة. ونستطيع أن نسجل لجمال ناجي إشراقتين في هذا السياق، هما «مخلفات الزوابع الأخيرة» و «عندما تشيخ الذئاب». ويبدو الأمر مقبولاً تماماً عندما نستحضر عامل الزمن، حيث يفصل بين الروايتين عقدان مكتملان من السنين. وهو وقت يبدو كفيلاً بمراكمة تحولات كبيرة ملموسة، أكثر مما يمكن ملاحظته في ثلاث سنوات مثلاً. والغريب هو أن هاتين الروايتين هما أكثر روايات ناجي تخمة في الشخوص والحكايات والوقائع، على عكس رواياته الأخرى. وقد تمكن في هاتين الروايتين من إدارة شؤونهما الداخلية في روية وأناة، ما يجعلنا نعد هذه الرواية الجديدة «عندما تشيخ الذئاب» نقطة مضيئة في مسيرة الرواية الأردنية. ويتناول ناجي في هذه الرواية مسيرة الحياة الأردنية في العقدين الأخيرين، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي حتى الآن، لكنه تناول بعيد عن التأريخ والتوثيق. بل يمكن القول في ثقة، إن هذه الرواية واقع مستقل تماماً عن الواقع الموضوعي، وإن كانت تربطهما وشائج معروفة في نقطة ما. لكنّ اللافت في هذه الرواية، هو تمكن الروائي من السيطرة على حكاياته وشخوصه وأحداثه، على رغم تمددها واتساعها وانفتاح مداها. كما أن اللافت أيضاً هو أن الروائي لا يسرد التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية في سياق توثيقي، بمقدار اعتماده العلاقات الإنسانية المتنوعة بمفرداتها اليومية المألوفة. فالحياة السياسية هنا لا تنفصل عن الهموم الفردية والهواجس الإنسانية اليومية للناس في مستوى مواقعهم. وقد غاب الهجاء الطبقي الذي ألفناه في روايات عدة من قبل. ويبدو أن بروز الإسلام السياسي والاجتماعي والثقافي في العقدين الأخيرين، كان وراء اختفاء هذا الهجاء كما نلاحظ.