تصدر خلال الأسبوع المقبل رواية جمال ناجي "عندما تشيخ الذئاب" في الطبعة الثانية منها عن الدار العربية للعلوم في بيروت بالتعاون مع دار الاختلاف في الجزائر وبدعم من وزارة الثقافة الأردنية. ويشكّل أحد الأحياء الفقيرة في مدينة عمان منطلقا لشخصيات الرواية، بعد أن يشهد الكثير من الأحداث الطاردة التي تضطر الشخوص إلى البحث عن بدائل تؤدي إلى تغيير مسارات حياتها وسواها في سياق فهم يقوم على استثمار الدين لغايات شخصية، كذلك فعل الجسد ممثلا بشخصية إمرأة شهوانية تتحوّل إلى عاشقة لإبن زوجها، فيما يسطع نجم شخصية أخرى وترتقي لتتبوأ منصبا سياديا مهما في الدولة، بمساعدة زوجته والشيخ الباطني الذي يدّعي التديّن لكنه في أعماقه يبحث عن النفوذ السياسي والاجتماعي. تتواجه شخصيات الرواية في أكثر من واقعة، لكن تلك المواجهات تتّخذ في معظمها أشكال الصراع العقلي المستند إلى الذكاء المتوقّد، حيث ترى كلّ شخصية نفسها في مرايا بعضها بعضا، لتلتقي في نهاية المطاف في مرآة الشخصية الرئيسة (عزمي الوجيه) الذي يبدو غامضا مثيرا للتساؤل وقادرا على جذب الآخرين، غير أنّه يخضع إلى مجموعة من المؤثّرات التي تبعده عن النهج الذي اتّبعه في بداية حياته. وعلى الرغم من أنّ شخصيات الرواية تتفاجأ في نهايتها بما تنطوي عليه حياة عزمي الوجيه من خفايا وأسرار، إلاّ أنّ عزمي ذاته، يكتشف أسرارا كبرى لا يعرفها إلاّ في نهاية الرواية، على الرغم من علاقتها اللصيقة بشخصه وتاريخه وانتمائه. واختار الروائي جمال ناجي تقنية تعدّد الوجوه والأصوات، فينسحب الراوي العليم ليفسح المجال أمام شخصيات متعاقبة، تروي أحداثا ومشاهد تتكرّر وتختلف وتتنامى من شخصية إلى أخرى، رواية تصوّر الهشاشة البشرية والتعالق المعقّد بين الجنس والدين والسياسة، وتقدّم لوحة حيّة عن عوالم الوعاظ والجمعيات الخيرية والساسة، وأسرار الارتقاء الاجتماعي من الحارات الفقيرة إلى مراكز السلطة والثراء في عمان، والشخصية الرئيسية في الرواية لا تتكلّم وتبقى لغزا رغم انكشافها الجزئي: عزمي الوجيه. فهل هو الذئب الوحيد الذي لا يشيخ؟.