–غياب الثقافة عن "الإعلاميين الجدد" حوّل الإعلام العربي إلى مهنة مراهقين – الإعلام الجزائري الوحيد الذي لايزال يهتم بالقضايا القومية العربية – الجزائر بقعة الضوء الأخيرة في الوطن العربي
تحدث الإعلامي اللبناني الكبير توفيق شومان عن سقوط الإعلام في بلادنا العربية من عليائه وتحوله إلى قوة خشنة، أضاع طريقه وخرج من جلده وانتقل من الإعلام الى الإعلان، مؤكدا أن رجوع القاطرة إلى سكتها يحتاج الى إعادة الإعلام إلى أثوابه المدنية بعيدا عن كل أشكال التجنيد والتبعية، واعتبر توفيق شومان أن الإعلام الذي لا يملك مهنية عالية وحرفية كافية وموضوعية لم ولن يسمى إعلاما.
* كيف يقدم الإعلامي توفيق شومان نفسه للقارئ الجزائري ؟ – أنا خليط من السياسة والتاريخ والفلسفة والأدب، هذا هو الإعلامي والصحافي، خليط من كل شيء ليصل إلى شيء وقد لا يصله، وقد أكون من جيل اعتبر الصحافة رسالة، رسالة تنوير بما للكلمة من معنى ودلالات، ولذلك عملت في مختلف الأجناس والوسائل الإعلامية، من الصحف اليومية إلى المجلات الأسبوعية، ومن الدوريات الإستراتيجية إلى الإذاعة والتلفزيون، فعرفت الإعلام في عمقه وتفاصيله، وها انا أقول اليوم للأسف .. إعلامنا لم يعد إعلاما ..
* بداية كيف يصبح الإعلام قوة هادفة وناعمة ؟ – بالأصل، الإعلام قوة ناعمة، من خلال الكلمة والنص، ومن خلال الجدية بالتعاطي مع الخبر والواقعة، هذا بالأصل والمبدأ والجذور، لكن ما نراه اليوم أن الإعلام تحول إلى قوة خشنة وغليظة، أصبح فرقة او فيلقا في جيش فأضاع أصله وخرج من جلده حين ألبسوه بزة عسكرية أو بزة مرقطة.
* كيف يمكن توظيف القوة الإعلامية الناعمة التوظيف الصحيح في الوطن العربي ؟ – أظن بأن أولى أولويات الإعلام العربي أن ينزع الثياب المرقطة عنه، ويعود إلى أثوابه المدنية، لا يمكن أن يكون الإعلام مجندا ولا يمكن ان يكون تابعا، نعم للإعلام أهداف سامية، إنسانية أولا، تنويرية ثانيا، وهذا يقع في قلب السياسة، ومن دون شك، لا يوجد إعلام غير منحاز، فأهداف الإعلام صياغة الرأي العام او التأثير في الرأي العام، ولكن ذلك يتطلب مهنية عالية وحرفية ذات جودة وموضوعية مطلوبة، وإذا تم التخلي عن هذه المعايير يتحول الإعلام إلى إعلان، وللأسف هذا ما يحدث.
* هل يعيش الإعلام العربي فوضى إعلامية ؟ – نعم الإعلام العربي يعيش فوضى ومتاهة وضياعا، والسبب في ذلك انتقاله من الإعلام إلى الإعلان، كما أن بحث وسائل الإعلام عن مجندين بدلا أن تبحث عن إعلاميين أفضى إلى مزيد من الخراب الإعلامي، وبإمكاني ان أزيد قائلا إن غياب العنصر الثقافي في ما يُعرف ب "الإعلاميين الجدد" أنزل الإعلام العربي من عليائه وحوله إلى مهنة مراهقين ومبتدئين، آسف لهذا القول ولكنها الحقيقة.
* هل من وصف لحال الحريات وحقوق الإنسان في الوطن العربي ؟ لنتفق بداية على التمييز بين الفوضى والحرية، كثيرون يخلطون بين الإثنين ولا يعرفون حدود كل منهما، وأعتقد ان حدود الحرية تنتهي حين تلامس الفوضى، هذه مسألة لا بد من إدراكها، وأما لناحية الحرية في الوطن العربي، فأعتقد أننا ما زلنا دون الوعي بها، أنظمة وشعوبا، ولذلك بالإمكان القول إن هناك الكثير من الاستبداد في الوطن العربي والكثير من الفوضى والقليل من الحرية.
* في ظل الفضائيات الكثيرة المنتشرة كيف ترى المنافسة في الوقت الحالي ؟ ربما تمر الفضائيات العربية في نوع من السباق مع الزمن والاستمرار، وليس كل ما هو موجود في الفضاء الإعلامي، مقدر له أن يستمر، وعلى ما أظن أن قنوات كثيرة قد تغيب في المراحل المقبلة، لكونها اعتمدت منطق التجريب وامتحان البقاء، كما ان هناك قوى سياسية عابرة اعتمدت قنوات عابرة بمعنى ان استمرار هذه القنوات رهن استمرار القوى السياسية الممولة لها وبصورة عامة البقاء للأقوى مهنيا.
* كيف تقيمون التجربة الإعلامية في الجزائر ؟ – ما يلفت في الإعلام الجزائري وخصوصا المكتوب، قدرته على إيجاد لغة مشتركة مع القارئ لذلك فمعاناة الصحافة الورقية في الجزائر أقل من مثيلتها في الأقطار الأخرى، وهذه علامة إيجابية للإعلام الجزائري، وأما الجانب الآخر الذي يلفت في الإعلام الجزائري ذاك الاهتمام بالقضايا القومية العربية، فعلى الرغم من مصائبنا وكوارثنا، ما زال الإعلام الجزائري يولي الاهتمام للقضايا العربية المشتركة، فالإعلام الجزائري يكاد ينفرد بالقول ما زالت الأمة العربية تحت الشمس.
* هل لكم برسالة لطلبة الإعلام المقبلين على دخول مجال الإعلام مستقبلا ؟ أقول لطلبة الإعلام، إن الإعلام مهنة الصبر والجدية عنوان الإعلام، والثقافة مضمون الإعلام، والدقة تفاصيل الإعلام، وعدم التسرع وعدم التعجل طريق النجاح، واختم في هذا الجانب وأقول: الإعلامي مثقف موسوعي ولا إعلام من دون ثقافة عالية ورفيعة.
* كيف ترى واقع الصحافة الإلكترونية في الوطن العربي ؟ لغاية الآن، لم تستطع الصحافة الإلكترونية التحول إلى مرجعية موثوقة للخبر الموثوق، فهي غالبا ما تستند إلى المصدر الورقي او إلى وكالات الأنباء المعروفة أو إلى المصادر الرسمية، هذه الصحافة ، أو لنقل غالبيتها لم تجد ذاتها بعد، ما فتئت هاوية، وأغلب العاملين بها يفتقدون إلى الخبرة المطلوبة، والملاحظ أن هذه الصحافة تعاني من كوارث لغوية، ومن مصائب في تحرير الخبر، ومن متاعب في بناء النص، والمعلومة المنشورة في الصحافة الإلكترونية بحاجة إلى تدقيق وتوثيق وتوكيد، بما يعني ان المنشور في هذه الصحافة قائم على الاستعجال وعدم التدقيق، وهذا يناقض مضمون الصحافة الذي يقوم على الصبر والتدقيق والتثبت من كل مادة منشورة.
* ما تقييمك لجريدة "الحوار" الجزائرية وما تقدمه للقارىء الجزائري ؟ يشد انتباهي إلى صحيفة "الحوار"، تنوع موادها، هي تحاول الوصول إلى شرائح عدة من القراء من صانع القرار السياسي إلى المثقف، وإلى القارئ العادي، وهذه معادلة ذكية، واللافت أن صحيفة "الحوار" تعطي الخبر غير السياسي موقعه المتقدم إذا كان حدثا، وهذا أمر مطلوب وضروري، فالحدث لا يقتصر على السياسي او الأمني فحسب، الحدث هو كل جديد وطارئ، وهذا هو الإعلام ،أي تغطية كل جديد وتحليله والإحاطة به.
* كلمة أخيرة للشعب الجزائري ؟ أقول للأشقاء في الجزائر أنتم بقعة الضوء الأخيرة في الوطن العربي، لم يعد المشارقة نجوم العروبة فقد انطفأت تلك النجوم، غدوتم النجمة الأخيرة، لعل الضوء يأتي هذه المرة من المغرب الكبير، وكل عام وأنتم بخير. حاورته: سناء بلال
—————————————- * توفيق شومان في سطور: توفيق شومان صحافي وباحث سياسي لبناني معروف ومقدم برامج تلفزيونية وإذاعية عمل في العديد من الصحف والأسبوعيات والدوريات الإستراتيجية اللبنانية والعربية. بدأ عمله الصحافي في الثمانينيات من القرن العشرين في أسبوعية "الأفكار" ثم انتقل للعمل في أسبوعية "الوحدة الإسلامية". شغل منصب مدير تحرير أسبوعية"البلاد" اللبنانية المعروفة في التسعينيات ثم مدير تحرير صحيفة "العهد" الأسبوعية". قدم العديد من البرامج التلفزيونية على قناة "المنار" ثم انتقل إلى قناة "العالم" في العام 2002مقدما للبرامج ومديرا للبرامج السياسية، في العام 2011 انتقل إلى قناة "الاتجاه" العراقية مقدما للبرامج ومديرا للبرامج السياسية في مكتبها في بيروت. كتب ونشر مئات المقالات والدراسات في الصحف اللبنانية من مثل " السفير " و"النهار "والأخبار" "والمستقبل " و "الديار"، وله العديد من المقالات المنشورة في الصحف العربية من مثل "الحياة" و"الشرق الأوسط" "والغد الأردنية" "وعكاظ"السعودية و "الوطن" الكويتية " والشاهد "الليبية" و"النور" في لندن والشعب" و"العربي" الصادرتان في القاهرة. عمل باحثا في شهرية "شؤون الأوسط " الإستراتيجية " الصادرة في بيروت ومديرا للتحرير لفصلية "حمورابي" الإستراتيجية الصادرة في بغداد ومديرا للتحرير لدورية "اتجاهات استراتيجية " المعنية بالسياسات الإستراتجية. وهو محاضر في مجالات الإعلام وسياسات الشرق الأوسط في العديد من الجامعات العربية، وشارك في العديد من المؤتمرات العربية والدولية المرتبطة بشؤون الشرق الأوسط والشؤون الإيرانية والتركية. أصدر وأشرف على إصدار كتب عدة منها: "الإسلاميون والإسلام المدني" و"تاريخ الدولة من مصر القديمة إلى إيران الحديثة" والثورات العربية: البنى والهياكل والمنطلقات" و "مصر إيران: مقاربات مستقبلية".