اختلفت الآراء والمواقف حول إمكانية إيجاد الوزير الأول الحالي أحمد أويحيى الحلول اللازمة لأهم الملفات الحساسة التي ما تزال عالقة لحد الساعة، فهناك من يرى إمكانية تجاوز أويحيى للظرف الراهن بالنظر إلى خبرته وحنكته كونه تقلد المنصب في العديد من المرات وفي مراحل صعبة جدا، والبعض الآخر يرى العكس كون المسألة تتعدى وتتجاوز الوزير الأول لأنها مرتبطة بالوضع العام –بحسبهم-. في السياق هناك ملفات عديدة على طاولة مكتب الوزير الأول في انتظار أحمد أويحيى الذي عينه رئيس الجمهورية، أول أمس، على رأس الجهاز التنفيذي خلفا لعبد المجيد تبون الذي لم يمكث سوى 80 يوما بمبنى الدكتور سعدان قبل أن يقرر رئيس الجمهورية إنهاء مهامه بعد اتخاذه لجملة من القرارات أزعجت الرئيس، وينتظر أويحيى الذي تولي زمام رئاسة الحكومة للمرة الرابعة ملفات ثقيلة وعلى رأسها ملف "عدل" و "التقاعد" و "التربية" وغيرها من الملفات الثقيلة التي أثارت غضب الجبهة الاجتماعية، ناهيك عن قانون المالية لسنة 2016 الذي أخرج الجزائريين إلى الشارع وأحدث ثورة بقبة البرلمان، وما سيحمله قانون المالية 2017 قد يكون أعظم من خلال الإجراءات التقشفية والزيادات المرتقبة فيه، ويضاف إليها من الجانب الاقتصادي اجتماع الثلاثية المقرر شهر سبتمبر القادم وكذلك محليات الخريف المقبل وكل ملف لا يقل أهمية وخطورة عن الآخر، إذن ماذا بحوزة أويحيى لمواجهة التحديات التي تنتظره؟ وكيف سيكون ترتيب الأولويات في حكومة أويحيى؟. بعد أن أنهى بوتفليقة الجدل الذي صنعته قرارات تبون تتجه الأنظار نحو قائد الجهاز التنفيذي الجديد أحمد أويحيى ومعه تبرز الملفات التي سيجدها على طاولة مكتبه الذي دخله أمس. وسيرث أويحيى الكثير من الملفات العالقة والمعلّقة من حكومات الوزير الأول السابق عبد المالك سلال بعضها يمكن أن يرقى وصفه إلى درجة "القنبلة الموقوتة"، على غرار ملف السكن الذي عاد للواجهة بقوة، و،جود عراقيل وعقبات تعترض طريق الوفاء بالوعود التي أطلقتها الحكومات السابقة وفي مقدمتها شح السيولة المالية ومن هذا المنطلق، تبدو حكومة أويحيى ملزمة بتبني رؤية جديدة في التعاطي مع هذا القطاع الحساس بشكل يطمئن مئات الآلاف من الجزائريين الذين بنوا أحلاما وردية على الوعود التي أطلقت في السنوات الأخيرة، وبين واقع البلاد الصعب ماليا، وهو أمر يبدو من الصعوبة بمكان تجسيده، إلا من خلال الصراحة والشفافية، القنبلة الأخرى التي تعترض طريق أويحيى هي الجبهة الاجتماعية وما تشهده من إضرابات واحتجاجات والتي من المحتمل أن تزداد حدتها في حال بقاء الأوضاع على حالها الحالي مع الدخول الاجتماعي المقبل الملغم. قنابل الجبهة الاجتماعية كثيرة ومتنوعة بشكل يضعها في مقدمة التحديات التي تهدد استقرار البلاد، ومن ثم فحكومة أويحيى مطالبة بإيلاء هذا البعد اهتماما في مستوى تحدياته، وفي مقدمة ذلك مسألة التشغيل التي أصيبت في مقتل، بعد القرار الذي اتخذ بوقف التوظيف جراء الأزمة المالية وفق ما أشارت إليه تدابير قانون المالية للسنة المقبلة، ما يعني أن مئات الآلاف من طالبي العمل وبالخصوص الإطارات المتخرجين من الجامعة الذين سينضمون إلى مئات الآلاف من العاطلين. ما يستدعى من أويحيى إيجاد الحلول الكفيلة خلال اجتماع الثلاثية المرتقبة شهر سبتمبر القادم. أما الملف الآخر فهو سياسي ويتعلق الأمر بالانتخابات المحلية والولائية المقبلة المرتبطة بالرئاسيات 2019 بحسب تخمينات بعض الأوساط السياسية، و هو تحدٍ كبير للوزير الأول الحالي الذي تقع على عاتقه مسؤولية إعادة ثقة الجزائريين للانخراط في الفعل الانتخابي والعملية السياسية عموما بعد أن أثبتت نتائج الانتخابات التشريعية الفارطة مدى الشرخ الحاصل في المشهد السياسي الوطني نتيجة عزوف المواطن الجزائري عن العملية السياسية والفعل الانتخابي بسبب عدة عوامل.
الثلاثية ستكون ذات طابع "سياسي" أكثر منه "اقتصادي" في السياق اعتبر الأستاذ بكلية العلوم السياسية بوهران عبد العزيز طرمان أن أويحيى يمتلك من الخبرة والتجربة السياسية التي تمكنه من مسايرة الوضع "المتأزم" في مختلف المجالات، معتبرا أن الأمين العام للأرندي سيطرح تكتيكا خاصا يخلق من خلاله كل الضمانات والتوجيهات اللازمة التي تمكنه من النجاح في المعركة الكبيرة فيما يخص الانتخابات المحلية التي تعتبر الرهان الأكبر له، كونه المنعرج الذي سيمكنه من الوصول إلى رئاسيات 2019، مردفا بالقول أنه قد يقوم بتغيير يمس سلك الولاة من أجل إنجاح هذا الموعد الانتخابي المهم، حيث قال: "مهما قلنا عليه بكل موضوعية صاحب تجربة ولديه تطلع كبير وعلاقته مع الرئيس حميمية وبالتالي نراهن عليه خاصة مع القفزة النوعية التي حققها في الانتخابات التشريعية الفارطة". وأكد المتحدث في حديثه مع "الحوار"، أن أويحيى سيجتهد لإعادة الهدوء في ما يخص البناء الفوقي للدولة الذي ساده بعض التذبذب بعد القرارات الأخيرة التي اتخذها تبون التي مست رجال الأعمال. وأبرز المحلل المهمة الصعبة التي أوكلت إليه بالنظر إلى الملفات الكثيرة الشائكة على غرار الصحة والسكن ومختلف المشاريع الكبرى التي أطلقتها حكومة سلال لا بد من إنهائها، مؤكدا أنه سيعمل على إعادة الهدوء للبناء الفوقي للدولة. وحول قانون المالية رجح الأستاذ عبد العزيز أن الوزير الأول الحالي سيتخذ إجراءات واضحة وصريحة، يحتاج إلى طاقم وزاري شجاع يقدم برنامجا اقتصاديا يؤسس من خلاله لمرحلة جديدة، وخلق ديناميكية جديدة فيما يخص الإصلاح المالي من خلال البنوك ما يسهل عمل المستثمرين الذين يعانون من كيفية تسيير الرصيد المالي لهم والقضاء على الأسواق المالية الموازية. في سياق متصل، أوضح ذات المتحدث أن اجتماع الثلاثية الذي سيكون ذا طابع سياسي أكثر منه اقتصادي يدعم الحكومة الجديدة والمستثمرين ويعطي لهم ضمانات إضافية، كما سيعمل على استرداد مصداقيتها التي فقدت منذ زمن، لافتا إلى ملف قانون العمل الذي سيطرح على طاولة النقاش وتحاول الثلاثية من خلاله إعطاء فرصة للنقابات المستقلة لتمثيل العمال في تقرير مصيرهم خاصة مع الاقتصاد الجديد في استثمارات خارجية التي لا يضبطها القانون 1990، محذرا من التحركات المضادة لسياسات الحكومة من خلال طرح مطالب غير منطقية ودستورية لا تساعد الدولة على التحكم في مقاليد الأمور. في ذات الصدد، ثمن البرلماني عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي بلعباس بلعباس التعيين الجديد، معتبرا أنه سيعطي دفعا قويا لمواصلة الإنجازات التي قدمها برنامج رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لإخراج الجزائر من الأزمة التي دخلت فيها، حيث قال: "الأزمة صعبة والسيد معروف لديه نظرة ثاقبة ودراية ولا نشك في كفاءته للتخفيف من أعباء الأزمة". في سياق آخر، شكك القيادي البارز في حزب العدالة لخضر بن خلاف في قدرة أويحيى على إخراج الجزائر إلى بر الأمان، وهو الذي فشل في مهامه التي أوكلت له في المرات الأربعة السابقة على رأس الحكومة التنفيذية، معتبرا أن هذا التغيير يدخل في إطار التدوير لنفس الأشخاص على مناصب السلطة المختلفة. واعتبر أن الوقت غير كاف لإنجاح أويحيى للانتخابات المحلية المرتبطة مباشرة بالرئاسيات المقبلة، مضيفا أن الوزير الجديد يواجه حلقة الثقة التي فقدت من طرف الشعب يصعب عليه إعادة بنائها. ودعا النائب بن خلاف إلى ضرورة القضاء على الأسباب التي أدت إلى المقاطعة الكبيرة المسجلة في مختلف المحطات الانتخابية السابقة التي لازالت قائمة على حد تعبيره، حيث لاتحترم الإرادة الشعبية والتغيير المنشود الذي يختاره الشعب خاصة مع القوانين المسيرة لها التي أظهرت محدوديتها في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة بشهادة رئيس الهيئة ووزير الداخلية والناخبين والأحزاب، قائلا "لا نعتقد أنها ستتغير، لا بد أن يبدي ضمانات حقيقية في الميدان من خلال تنظيم انتخابات نزيهة واحترام إرادة الشعب والمبادرة الوحيدة التي يمكن أن تطلق هي الإعلان عن التزوير في الانتخابات ويكون التزاما أخلاقيا من كل مسؤولي الدولة بأن تكون نزيهة". من جهة أخرى وصفت النائب عن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية فطة سادات في تصريح خصت به "الحوار" تعيين أويحيى كوزير أول خلفا لعبد المجيد تبون "باللاحدث " بالنسبة للحزب، معتبرة أن التغيير لا يتم في الأشخاص بقدر ماهو تغيير جوهري داخل دواليب السلطة والتحول نحو مرحلة انتقالية، مردفة بالقول أن ما يحدث هو صراعات حاصلة في أعلى هرم الدولة من أجل رئاسيات 2019، وشككت القيادية في حزب التجمع الديمقراطي في قدرة أويحيى ونجاحه في المهمة الجديدة التي أوكلت له مع التحديات الكبيرة التي ستواجهه نتيجة الظروف الصعبة التي ستجبر السلطات على العودة إلى الأساليب القمعية لإجهاض أي محاولات للتغيير في حال الاحتجاجات وغلق فضاءات التعبير عن الحريات العامة والفردية. مناس جمال – أم الخير حميدي