عاد الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، إلى "عرينه" في قصر الدكتور سعدان، في وقت تستعد فيه البلاد لدخول اجتماعي محفوف بالمطبّات، فالدخول المدرسي على الأبواب، ولقاء الثلاثية ينتظر تحضير ملفاته على نار هادئة، يضاف إلى ذلك الانتخابات المحلية التي تنطوي على أهمية بالغة بالنظر لعلاقتها الحساسة بالانتخابات الرئاسية بعد أقل من سنتين، فضلا عن ملفات أخرى طرحها في حملة التشريعيات.. كل هذه الملفات تتطلب شخصية بمواصفات يعتقد أنها تتوفر في أويحيى.. فالرجل قضى أزيد من عشر سنوات في رئاسة الحكومة وبعدها الوزارة الأولى على فترات متقطعة، وقد تراكم لديه خلال هذه الفترة كم من الخبرة سيمكنه من التعامل مع هذه الملفات بأريحية. غير أن ظروف البلاد الصعبة تضغط عليه، فهل سيفي الرجل بوعوده؟ وهل سينجح في حلحلة الملفات التي تركها سلفه تبون عالقة؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول الملف السياسي لهذا العدد الإجابة عليها؟
صديق لسيدي السعيد وقريب من حداد عودة أويحيى.. عنوان وفاق جديد للعقد الاقتصادي والاجتماعي شاءت الأقدار ألا يفتح الوزير الأول السابق، عبد المجيد تبون، ملفات الدخول الاجتماعي، وقد فضل من اتخذ هذا القرار أن يمنح شارة المسؤولية لشخصية أنجزت هذه المهمة لسنوات عديدة، ممثلة في شخص الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى. الرئاسة وبقرارها إعفاء تبون من هذه المهمة، تكون قد أخذت في حسبانها تداعيات العلاقة الفاترة بين رأس الحكومة السابقة وشريكيه في الثلاثية، منتدى رؤساء المؤسسات الذي يقوده علي حداد، وسيدي السعيد، الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين، وهي بذلك تكون قد أتت على بوادر أزمة كان يمكن أن تضع لقاء الثلاثية المقبل على المحك. بوادر هذا الانفراج يمكن رصدها من خلال التهنئة التي وجهها علي حداد، للوزير الأول الجديد، بعد ساعات قليلة من تكليفه، عبر صفحته الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي "فيبسبوك"، أما سيدي السعيد فعلاقته بأحمد أويحيى وثيقة جدا وقد تعززت خلال السنوات التي قضاها الرجلان كل في منصبه، في لقاءات الثلاثية العشر التي التقوا فيها. ومن هنا يمكن القول وفي ظل المعطيات الجديدة، إن موعد 23 سبتمبر المقبل سيمر في هدوء تام، وستمرر الملفات العالقة في سلاسة، وهو ما تريده السلطة في الظرف الراهن، بالنظر للتحديات الكثيرة التي تواجهها، وخاصة ما تعلق منها بالشق الاجتماعي، مثل حماية الفئات الهشة ودعم قطاع السكن، الذي يعتبر من الملفات. فالوزير الأول الجديد معروف بتوجهاته غير الاجتماعية، غير أنه وخلال الحملة الانتخابية للتشريعيات الأخيرة، بلور خطابا غير معهود بالنسبة إليه، فمن بين المقترحات التي سوقها، رفع سقف الاستفادة من السكن الاجتماعي إلى ما يقارب السبعين ألف دينار بدل ال24 ألف المعمول به حاليا، وهو ما يعني أن أويحيى سيجد نفسه محرجا أمام الرأي العام، لأن طرح هذا الأمر كان في ظرف مشابه لذلك الذي تعيشه البلاد اليوم، وهو شح الموارد المالية جراء تراجع أسعار المحروقات. ويبقى مصير الملفات التي فتحها سلفه في الحكومة محل تساؤلات، ولعل أولى هذه الملفات ملف فصل المال عن السياسة. فقد تبين أن هذا المحور ينطوي على محاذير كثيرة، لأنه أودى بمصير تبون، كما أن الانخراط في هذا المسعى من شأنه أن يعيد التوتر للعلاقة بين الحكومة وشريكيها في الثلاثية، فهل سيتجاهل أويحيى هذا الملف الذي نال تزكية أعضاء البرلمان بغرفتيه في مخطط عمل الحكومة، أم أنه سيستمر فيه بعد أن يدخل عليه بعض التحسينات لتفادي الإزعاج؟ الملف الآخر الذي سيفرض نفسه على أجندة الوزير الأول في بداية مشواره، هو هل سيستطيع إقناع شركائه في "المال السياسي"، بحتمية المساهمة بقوة في النهوض بالاقتصاد الوطني المتعثر بسبب الأزمة المالية، وذلك من خلال توظيف ملايير الدينارات النائمة في المشاريع الاستثمارية المعطلة أو المراد إطلاقها لاحقا. أما ملف خوصصة المؤسسات العمومية المفلسة، فيتوقع أن تكون أولوية أويحيى، فالرجل كان قد خصخص المئات من المؤسسات العمومية وباعها بالدينار الرمزي، خلال مسيرته في منصبه الجديد، كما طالب قبل أسابيع قليلة سلفه بهذا الأمر، غير أن تبون رفض هذا التوجه. وبالإضافة إلى ذلك، هناك ملفات يمكن أن يفتحها العائد إلى قصر الدكتور سعدان، وهي التي كانت قد صرح بها قبل تكليفه بخلافة تبون، مثل موقفه من المهاجرين غير الشرعيين من الأفارقة، الذين اعتبرهم تهديد لأمن واستقرار البلاد ومصدر لبعض الأمراض الفتاكة.. بمعنى هل سيستغل أويحيى موقعه الجديد على رأس الجهاز التنفيذي، في وضع هذا الموقف قيد التجسيد، إلى جانب ملفات أخرى مثل العودة للعمل بحكم الإعدام في بعض الجرائم مثل اختطاف الأطفال وبعض الجرائم الاقتصادية، مثل تزوير العملة.
رئيس المجموعة البرلمانية السابق ل "الأرندي" محمد قيجي تعيين أويحيى سيبدد مخاوف شركائه في الثلاثية تم تعين أحمد أويحيى على رأس الحكومة الجديدة، خلفا لعبد المجيد تبون، هل سيغير هذا الأمر شيئا في أجندة الجهاز التنفيذي عشية الدخول الاجتماعي؟ لا شك أن أشياء كثيرة ستتغير بتعيين الوزير الأول الجديد أحمد أويحيى، الذي يبقى قرار تعينه خلفا لعبد المجيد تبون من صلاحيات الرئيس بوتفليقة التي خوله إياها الدستور، والمعروف عن أحمد أويحيى، أنه رجل سياسي متمرس، ودبلوماسي محنك وسبق له وأن سير الحكومة لأكثر من 3 مرات وفي مراحل صعبة جدا، كانت تواجه فيها الجزائر أوضاعا اقتصادية غير مسبوقة، حيث انهارت أسعار إلى ما دون 10 دولارات، كما أن الظروف السياسية كانت غير مستقرة، بالإضافة إلى الحصار العالمي الرهيب الذي كان مفروضا على بلادنا، وأعتقد أن اختيار أويحيى، من قبل الرئيس لم يكن اعتباطيا فهو أحسن خيار، لأنه رجل المرحلة وله تجربة كبيرة في تسير الحكومة.
في اعتقادكم هل سنشهد تغييرا في أولويات الحكومة الجديدة مقارنة بالسابقة، وماهي الملفات التي تفرض نفسها في الدخول الاجتماعي المقبل ؟ الشيء المتعارف عليه أن الحكومات المعينة تقوم بتطبيق برنامج الرئيس الذي انتخب من أجله في الرئاسيات، والأكيد أن أويحيى سيعرض مخطط عمل حكومته على البرلمان، وسوف نرى "خطة إقتصادية استعجالية" للنهوض بالاقتصاد الوطني خاصة وأن الجزائر فقدت نصف عائداتها من العملة العصبة نتيجة تراجع أسعار البترول، وبالتالي فأولوية الأوليات هي إيجاد حلول لتعويض تلك الأموال "الضائعة"، والدفع بعجلة الاستثمار، بالإضافة إلى كبح التآكل السريع لاحتياطات الجزائر، التي أضحت اليوم في حدود 100 مليار دولار. المرحلة اقتصادية بامتياز والتحديات كبيرة، وهنا الحكومة ستضع الملفات الاقتصادية على رأس أولوياتها. أما عن الدخول الاجتماعي، فهناك عدة ملفات ثقيلة تنتظر الوافد الجديد على قصر الدكتور سعدان، فالبرغم من أن الوضع الاجتماعي مستقر، لكن تسيير هذه الملفات صعبة على كل مسؤول، فهناك اجتماع الثلاثية الذي يرتقب انعقاده يوم 23 سبتمبر والذي سيناقش مع الشركاء عدة ملفات اقتصادية واجتماعية، بالإضافة إلى التحضير لقانون المالية لسنة 2018، الذي هو الأخر لن يكون سهلا، خاصة وأن المعطيات الأولية، تشير إلى أنه سيحمل إجراءات أكثر صرامة للخروج مع الأزمة الاقتصادية، حيث سبق للأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، وأن حذر بأن الجزائر في ظل الظروف الحالية مقبلة على سنوات عجاف، ودعت الجزائريين للتجند لمجابهتها والانخراط في مساعي الحكومة.
تشاؤم عدد كبير من الجزائريين من تعيين أويحيى وزيرا أولَّ خاصة وأن اسمه ارتبط بسنوات العجاف والتقشف وشد الحزام، ما تعليقكم؟ هذه الضجة المثارة على مواقع التواصل الاجتماعي، مغرضة وليست بريئة، لأن أويحيى اتخذ إجراءات قيل إنها "قاسية" لكنها جاءت تماشيا مع الوضعية الاقتصادية التي كانت تعاني منها البلاد، وأعتقد أن كل القرارات والإجراءات التي اتخذتها حكومته كانت في صالح الشعب الجزائري وليس من أجل شخصه، فالتسيير صعب والموارد المالية ضئيلة جدا، وهذا ما جعل الرأي العام يعتقد بأن أويحيى "رجل قاس" وينظر لتعيينه وكأنه جاء "لخنق" المجتمع، لكن الوضع مغاير تماما، فالمشهود له أنه صريح في تشخيصه للواقع، وأنا أستبعد أن يسن إجراءات تقشفية على المواطن فقط بل سيعطي تعليمات صارمة لمحاربة البذخ في الإدارات والمؤسسات لأنه من غير الطبيعي أن يشد الشعب الحزام ولا ترشد الإدارات نفقاتها العمومية.
فترة تسيير تبون للحكومة شهدت توترا مع الشركاء الاجتماعين والاقتصاديين هل سيعيد أويحيى الاستقرار إلى العلاقة بين الحكومة وشركائها؟ أويحيى رجل دبلوماسي، برغماتي، ومحاور أيضا، وكأمين عام للأرندي، أشهد أنه إنسان محاور وليس له حرج في محاورة الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين وحتى الطبقة السياسية، وعندما تكون الخزينة فارغة سيقولها وعندما ستكون الأوضاع الاقتصادية سيقولها دون عقدة أيضا.
رئيس الكتلة البرلمانية لحركة "حمس" عبد الناصر حمدادوش: ليس للحكومة ملفات والفئات الهشة آخر اهتماماتها ذهاب الوزير الأول السابق، عبد المجيد تبون، ومجيء أحمد أويحيى على رأس الحكومة الجديدة، هل سيغير شيئا في أجندة الحكومة عشية الدخول الاجتماعي؟ مرحلة الغموض التي يمر بها النظام السياسي الحالي هي التي سرعت من اتخاذ قرار إقالة الوزير الأول عبد المجيد تبون واستخلافه بأحمد أويحيى، وأعتقد أن تشكيل الحكومة بهذه الطريقة المثيرة للجدل، يمكن اعتباره غير مبال بالإرادة الشعبية، ولا يعكس نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة. والمعلوم أن "تبون" كان يحظى بثقة "الرئيس"، كما أن "مخطط عمل" حكومته حظي بتزكية الأغلبية البرلمانية، بما فيها حزب الأرندي وأمينه العام، وهو ما جعل إقالته المفاجئة تصدم الرأي العام، ولا أعتقد أن هذا التغيير له علاقة بالبرامج والأفكار والأجندات التنموية، بقدر ما هو تصفيةٌ للحسابات، وفقدٌ للتوازنات بما يؤكد حالة الترهّل والتحلّل لبعض المؤسسات، ولا ننتظر وفقا لهذه المعطيات أي تغيير في الملفات أو في أجندة الحكومة عشية الدخول الاجتماعي، أو حتى تغيير في مخطط العمل والرؤية المستقبلية لحل الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
هل سنشهد تغييرا في أولويات الحكومة الجديدة مقارنة بالحكومة السابقة؟ من الملاحظات التي سجلناها على مخطط عمل الحكومة أنه مخططٌ هلامي جاء بتعابير إنشائية فضفاضة، وبوعودٍ عامة، يفتقد الإحصاء والتخطيط وضبط الأهداف والأولويات، وأعتقد أنه غير قابل للمتابعة والتقييم والمحاسبة، لأن السلطات الحالية تسيّر أزمةً، دون رؤيةٍ سياسية واقتصادية واضحة، ودون برنامجٍ علمي وعملي ناجع، والأصل أنها تنفّذ برنامج رئيس الجمهورية، إلا أنّ هذا البرنامج بقي غامضا لدى الرأي العام، وهو بنصّ دستور 2016 وبإجراءات قانوني المالية لسنة: 2016، 2017م تمّ التخلّي عنه، بسبب الأزمة المالية والقرارات التقشفية القاسية، التي تكبدت الفئات الهشة أعباءها.
ما هي الملفات التي تفرض نفسها في الدخول الاجتماعي المقبل، بغض النظر عن الشخص الذي يقود الحكومة الجديدة؟ هناك رتابةٌ قاتلةٌ في أداء الحكومات المتعاقبة، ولن يُنتظر من "أويحيى" ولا من حكومته الجديدة الكثير، والعبرة ليست في تدوير "الأشخاص" على هذه المناصب، ويبقى هذا التغيير الحكومي ما هو إلا تغيير عارض لا يمكنه أن يعالج المشاكل الراهنة التي تمر بها البلاد وخاصة مع الدخول الاجتماعي المفتوح على كل الاحتمالات هذه السنة، بما يحمله من ملفات مصيرية تتعلق بحياة ومستوى معيشة المواطن الجزائري لا سيما الفئات الهشة العريضة، وبالتالي فإنّ الأجندات الحقيقية للحكومة الجديدة هي ترتيبات المرحلة القادمة، ولعل في مقدمتها المحليات المرتقبة الخريف الداخل، التي تحدّد بوصلة الرئاسيات القادمة. أنا لا أعتقد أن الحكومة الجديدة لها ملفات بعينها ستضعها على طاولة النقاش مع الثلاثية قبل وضعها على قاطرة التجسيد، فتسيير دواليب الجهاز التنفيذي عندنا، عادة ما يكون رهن استعدادات وتوجهات الشخص الذي يقود الحكومة، حتى ولو أعلن أمام الملإ أنه يعكف على تطبيق برنامج الرئيس، وهو الشعار الذي رفعه كل من مر على مبنى الحكومة خلال السنوات الأخيرة.
عودة أويحيى إلى رأس الجهاز التنفيذي، هل ستعيد الاستقرار إلى العلاقة بين الحكومة وشركائها الاجتماعيين والاقتصاديين؟ أثبتت الأحداث أنّ لبعض الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين- الذين أقحموا أنفسهم بشكلٍ مباشر في صراعٍ وجودي مع مؤسسات الدولة ومنها الحكومة- ارتباطاتٌ وأجنداتٌ غامضة، وهي توجّهات غير وطنية لا تخدم العلاقة الدستورية والقانونية الطبيعة بين الحكومة، وهؤلاء الذين نصّبوا أنفسهم "شركاء"، وهم في الواقع لا يمثّلون إلا أنفسهم ومصالحهم الضيّقة، على حساب الاقتصاد الوطني وعلى حساب الشعب الجزائري، بدليل أنها لم تقدّم أيّ قيمةٍ مضافةٍ حقيقية للبلاد. أما بخصوص فصل السياسة عن المال فهو متضمّنٌ في مخطط عمل الحكومة المصادق عليه، وهو ما أزعج الكثير من الأطراف، ولعل ذلك هو الذي كان وراء مسارعتها إلى وضع العصا في عجلة الوزير الأول السابق، الذي أخرج من الباب الضيق. وعلى كل سننتظر ما سيقوم به الوزير الأول، هل سينظر إلى الفئات المحرومة، وهل سينخرط في مسعى فصل المال السياسي عن السلطة، كما جاء في مخطط عمل الحكومة.