لا يكاد الداخل الليبي يعرف تطورات ملموسة نحو بناء ملامح الاستقرار بالرغم من تسارع وتيرة تطور الأحداث بها سواء التي تخدم البناء أو تقوضه، ومن أهم التطورات بروز ردود أفعال واضحة اتجاه المبعوث الأممي الجديد غسان سلامة، وبالرغم من القبول المبدئي والترحيب به للخوض في الملف الليبي نظرا للخبرة الدبلوماسية في الأزمتين اللبنانية والعراقية. من جانب آخر، اكتسب الليبيون "خبرة" من واقع تعاملهم الميداني مع البعثات الأممية المتعددة، إذ يُعتبر غسان سلامة سادس مبعوث بين الممثلين الخاصين للأمم المتحدة لدى ليبيا، وذلك بعد الأردني عبد الإله الخطيب، والبريطاني إيان مارتن، واللبناني طارق متري، والإسباني برناردينو ليون، والألماني كوبلر. ما جعل ليبيا البلد "الأكثر استهلاكا للبعثات الأممية"، وكذا وقوف الليبيين على تفاصيل أدوار، الإنجازات والإخفاقات التي صاحبت كل واحد منهم. كما توجد نقطة التناقض الواضح في أدوارهم، فالدبلوماسي اللبناني طارق متري الذي ترأس البعثة في أكثر المراحل حساسية اشتكى من انعدام الدعم الدولي لمهمته، بينما برناردينو ليون الإسباني كان له دور سلبي في إدارة الصراع إذ انحاز لصالح معسكر حفتر والبرلمان على حساب المعسكر الآخر. أما مارتن كوبلر المبعوث الألماني عمل على تصحيح المسار بعض الشيء بمساهمته الكبيرة في اختراق الأزمة والمساهمة في الخروج باتفاق الصخيرات، أي أن فشل الأممالمتحدة في ليبيا مرتبط أكثر باختلاف رؤى الأطراف الدولية النافذة في كيفية إنهاء الحرب وشكل العملية السياسية المنشودة. وهو ما يكشف نقطتين مهمتين، حجم الحضور الأممي في الشأن الليبي دون تحقيق مكاسب كبيرة ومضمونة لليبيين، والنقطة الثانية والأكثر أهمية أن الليبيين أنفسهم أدرى بما فعلته وما لم تفعله مختلف الأسماء الأممية السابقة. إضافة إلى استمرار حالة التكلس بين التيارات المختلفة مع تقدم حثيث ومحتشم جدا لتيار بناء العملية السياسية، يُركز الليبيون على تحركات وخرجات المبعوث الأممي الحالي، إذ بدأ الشارع الليبي يتلقى رسائل سلامة وبكل وضوح وهو الذي أكد انفتاحه على الحوار والتشاور مع كل ليبيا من أطراف الصراع وحتى المواطنين العاديين، وقد بدأ جولاته مع مختلف الفواعل الليبية، وقد تفاءل بإمكانية حلحلة الأزمة في وقت قريب والدفع بالعملية السياسية إلى الأمام والذهاب نحو توافق وطني موسع. بالمقابل، انتقده العديد من المراقبين مثل جمال الحاجي قائلا: إنه سيفشل مثلما فشل سابقوه"، لأنه حسبه لم ينطلق في عمله من إخفاقات المبعوث السابق برنارد ليون، إذ وضع الليبيون تقارير وشكاوى رسمية قدمت حول اختراقات "جرائم" البعثة الأممية وتقارير مزورة بحوزتها كان قد قدمها برنارد ليون، وبعدها يتم التعامل معه، بعد النظر في ذلك فقط يتم التعامل معه. كما تحفظ الليبيون على طاقم البعثة الأممية المرافقة له والتي غادرت ليبيا منذ 2014 وهي بصدد الرجوع التدريجي، إذ اعتبروا الاحتفاظ بنفس فريق العمل الاممي ما هو إلا مجازفة، لأن نفس الفريق كان قد فشل مع البعثات السابقة. وقد زادت حدة الانتقادات بتطور تصريحاته، إذ قال من روما الأسبوع الفارط إنه لا يمكن تجاهل خليفة حفتر المؤثر على جزء من ليبيا وركز على ضرورة بروز الفواعل المحلية في العملية السياسية لتحقيق الاستقرار وهو ما لاقى انتقادات داخلية. كما أن الوضع الإنساني في ليبيا المتفاقم جدا والنقص في الامدادات المختلفة خاصة الصحية منها هو من الملفات الشائكة على طاولة المبعوث الأممي. والجدير بالذكر أن تسليط الضوء من الليبين على مبعوثهم الحالي هو أهم امتحان للمبادرات الأممية داخل ليبيا.