تحدث الدكتور والخبير الاقتصادي والمدرب المعتمد من المكتب الدولي للعمل في المقاولاتية، عمر هارون، في حواره الذي جمعه ب"الحوار"، على رهانات ثقافة المقاولاتية في الجزائر، والتي هي أبعد من أن تخلق في المجتمع الجزائري لأنه مجتمع تجاري، كما عرج في حديثه على مدى اعتماد الاقتصاد على المؤسسات الصغيرة، وكيف يمكن تصور انطلاقة اقتصادية في زمن البيروقراطية، وتأثير التكنولوجيا على تطور الاقتصاد، كما تحدث عن مشاريعه المستقبلية. *بداية من هو الدكتور عمر هارون؟ شاب جزائري في نهاية العشرينات، متحصل على شهادة الدكتوراه تخصص اقتصاد كلي ومالية دولية، ومدرب معتمد من المكتب الدولي للعمل في المقاولاتية، أشغل منصب أستاذ بجامعة المدية ومسيرا لدار المقاولاتية بها، أهوى كثيرا الصحافة وكل ما يتعلق بالإعلام، لهذا أكتب مقالات رأي للعديد من العناوين الوطنية والدولية، من بينها جريدة "الحوار" وجريدة "البلاد" وموقع "مدونات الجزيرة"، بالإضافة إلى محاولة إثراء الفضاء الإعلامي المكتوب، المسموع أوالمرئي عبر بلاطوهات وحوارات وآراء، حسب ما يسمح به البرنامج والوقت، لأن التدريس والتدريب أهم ما يشغلني ويشغفني، خاصة في مجال المقاولاتية الذي أعشقه.
*ماهي رهانات ثقافة المقاولة في الجزائر؟ للأسف نحن أبعد من أن نخلق ثقافة مقاولاتية في المجتمع الجزائري، لأننا مجتمع تجاري اضمحلت فيه معالم المقاولاتية، خاصة أننا مررنا بمرحلة طويلة نسبيا كانت فيها أغلب حاجتنا تستورد من الخارج، وهذا ما جعل وارداتنا ترتفع من 16 مليار دولار في بداية 2000 إلى 60 مليار دولار مع نهاية ال 2014، وهذا ما جعل أغلب الجزائريين يتاجرون في السلع المستوردة، فنمت لدينا مناطق تجارية عوض المناطق الصناعية، كما هو حال العلمة أوالحاميز، وهذا ما يجعل تحويل المجتمع الجزائري من الثقافة التجارية إلى الثقافة المقاولاتية يحتاج إلى الكثير من العمل والجهد والبذل، والأمر الأساسي الذي يجب أن نركز عليه هو التحول من العمل وفق نمط التحسيس، الذي استهلك سنوات طويلة من دون أن يجد ضالته، والتحول سريعا لمقاربة التكوين المتخصص.
*لماذا لم يتم إدخال المقاولاتية في برامج التكوين المهني؟ لا أظنني قادرا على الإجابة عن هذا السؤال، فيجب توجيه مثل هذه الأسئلة إلى الجهة الوصية على القطاع، لكن يمكن أن أؤكد أن إدخال هذه الثقافة للتكوين المهني ستكون حجر أساس في تحويل طلبة هذا القطاع إلى إنشاء مؤسساتهم الخاصة، خاصة إذا اعتمدنا على ما صار يعرف بالمقاولة الذاتية، والتي تعتمد على إنشاء مقاولات فردية لا يفوق عدد أفرادها الواحد، وتكون وفق تصاريح بسيطة جدا، وسهولة كبيرة في التأسيس والتوقيف وإعادة بعثها، حيث يكفي أن نقول أن فرنسا حين اعتمدت هذا النظام في 2009 تم خلق 300 ألف مقاول ذاتي، خاصة أن الضرائب المفروضة على أنشطة هذا القطاع تكون بسيطة جدا في العادة فلا تتجاوز 02% من رقم الأعمال، فلو تم اعتماد برامج من هذا النوع مع طلبة التكوين المهني، أظن أن 5 سنوات كافية لرؤية نتائج باهرة.
* إلى أي مدى يمكن للاقتصاد أن يعتمد على المؤسسات الصغيرة؟ يمكن أن نشبه المؤسسات الصغيرة بالخلايا في أي جسد، فكلما زاد عددها كلما كان الجسد متماسكا وصلبا وقادرا على المقاومة، والعكس صحيح، لهذا فالاقتصاد الذي يحتوي على عدد كبير من المؤسسات الصغيرة والمتوسط هو اقتصاد قادر على مواجهة كل التقلبات والأزمات، طبعا لا يكفي هذا النوع لوحده من أجل تطوير وتقوية الاقتصاد، فلا بد من مؤسسات كبرى تحتوي المؤسسات الصغرى وتستهلك إنتاجها لتساعدها على البقاء والنمو، وهو ما تخطط لفعله الحكومة من خلال دفتر شروط تركيب المركبات الذي تم الإفراج عنه مؤخرا، حيث ألزمت الوزارة الوصية الشركات بالتعامل مع شركات صغيرة ومتوسطة في عملية المناولة، فتضمن هذه المؤسسات ما بين 14 و60 % من قطع الغيار المندمجة في عملية الإنتاج، وهو ما يعني أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تضمن مشتري دائم لمنتجاتها، وفي المقابل تستفيد المؤسسات الكبرى من قطع غيار منتجة داخليا ولن تحتاج للاستيراد، وهو أمر يوفر مناصب شغل وضرائب للخزينة، الأمر الذي يحدث إنتعاشا للاقتصاد الوطني.
*كيف تقرؤون معالم قانون المالية 2018؟ الواضح أن الحكومة انتهجت نفس الأسلوب الذي كان السنة الماضية، من خلال اعتماد موازنة حذرة حاولت فيها الإبقاء على كل المتغيرات على حالها، عدا الرفع الذي سيحصل في أسعار البنزين بأنواعه، والذي أرى أن الحكومة أخطأت فيه، لأنه سيجعل كل السلع والخدمات ترتفع بشكل متفاوت لن يقل عن 5 دج وقد يصل إلى 50 دج في بعض السلع والخدمات، وهذا لغياب آليات رقابة حازمة في مختلف المجالات والنواحي، بالإضافة إلى غياب البدائل في قطاعات كالنقل مثلا، وأظن أن تجميد هذه الزيادة بقرار رئاسي سيكون حل معقول، خاصة وأن أسعار المحروقات يتوقع أن تبقى فوق ال 60 دولارا.
*هل يمكن تصور انطلاقة اقتصادية أمام استمرار "البيروقراطية"؟ منطقيا العدو الأول للديناميكية هو الجمود، ولهذا فالبيروقراطية هي عدو كبير لأي إقلاع اقتصادي، رغم أن البيروقراطية في أصلها ليست إلا مجموعة من الإجراءات التي تنمط عملية ما، لكنها مع مرور الوقت أخذت طابع العرقلة والتوقيف، والصراحة تقال، فالدولة الجزائرية كسرت الكثير من الجمود الذي كان موجودا سابقا، وهو عملا يحتاج لإشادة وتثمين، كما يحتاج لمواصلة وترقية وتفتيت لكل العراقيل التي تعترض طريقنا، فالتقارير الدولية لا ترحم الجزائر وتجعلها في ذيل الترتيب، حيث صنفنا تقرير " doing business 2017″ في المرتبة 166 دوليا من بين 190 دولة. ووفق معايير التقرير، فإننا نحتل المرتبة 145 من حيث سرعة بداية النشاط، و120 دوليا في سهولة الحصول على الكهرباء، و177 من حيث الحصول على القروض، وهي مراتب كارثية تعبر عن عمق البيروقراطية في الاقتصاد الوطني، وإن كانت هذه التقارير غير دقيقة 100% لكنها تؤثر بشكل عميق في رأي المستثمرين الأجانب لدخول السوق الوطنية، ويكفي أن نقول أن الجارتين تونس والمغرب تحتلان المرتبة 88 و69 على التوالي.
*ما تأثير التكنولوجيا على تطور الاقتصاد؟ تأثير التكنولوجيا على تطور الاقتصاد كتأثير الماء على نمو الزرع، لا يمكن الحديث اليوم عن الاقتصاد بعيدا عن التكنولوجيا، فكل المعاملات تحدث في العالم من خلال التكنولوجيا، وما كان يستغرق أيام وأسابيع وحتى أشهر أصبح اليوم متاحا بين يديك وفي اللحظة. ومن أهم العناصر التي جعلت الاقتصاد الوطني يعاني هو غياب التكنولوجيا عن الكثير من تفاصيل الحياة الاقتصادية، خاصة في مجال الدفع الالكتروني الذي يبقى من أكبر الطابوهات التي عرقلت نمو الاقتصاد الوطني، خاصة أننا نعاني من أزمة سيولة دائمة، وأزمة تسرب السيولة النقدية في السوق السوداء، التي تعتبر سوقا مساويا وموازيا للسوق الرسمي، بما يعادل ال50 مليار دولار أو يفوق، وهذا ما يجعلنا ننادي بأن تسارع الحكومة والجهات الوصية لتطوير هذا الجانب.
*تعملون على ترسيم ثقافة المقاولاتية، كيف ذلك؟ نحاول بشكل حثيث ترسيخ الثقافة المقاولاتية لدى الشباب الجزائري عموما، والطالب الجزائري خصوصا، وفي هذا الصدد أعمل في دار المقاولاتية لجامعة المدية على التحضير لدورة تكوينية في الأسبوع الأول من عطلة الشتاء، وذلك في مواضيع تشمل التعرف على عالم المقاولاتية، البحث عن الأفكار ودراسة الجدوى الاقتصادية، بالإضافة إلى العمل على التأسيس لمجلة تعنى بمواضيع المقاولاتية وكل ما يهم المجال، أما المفاجأة فهي التحضير لحصة ستكون الأولى من نوعها في مجال المقاولاتية على أثير إذاعة المدية، والتي ستنطلق السبت المقبل 23 ديسمبر 2017 ابتداءً من الساعة الثالثة مساءً، وستكون حصة غنية بكل ما يتعلق بالمقاولاتية، وبفقرات متنوعة، على غرار مفاهيم، مختصرات، رواد، لتكون حصة " ابني مشروعك " واحدة من الحصص التي تعمل لتؤسس لفعل مقاولاتي حقيقي في الاقتصاد الوطني، لتبقى مشاريع أخرى من أفضل أن أعلن عنها في وقتها. سناء بلال