باتت فكرة الولوج إلى عالم المقاولاتية تتكرّر في أبجديات برامج ولاية المدية، وظهر ذلك جليا من خلال القافلة التي حطّت بها في عملية تقييمة وتكوينية للمهمتين بهذا الشأن الشباني بعد أن أصبح هذا المفهوم يتعزّز بقوة حسب وكالة دعم تشغيل الشباب باعتبارأن هناك 85 بالمائة من الملفات الممونة من طرفها يتم تسديد أقساطها المتفق عليها مع أصحاب المشاريع وفق لإحصائيات سنة 2017، حسب مصدر مطلع. ويرى الدكتور عمر هارون مدرّب معتمد من المكتب الدولي للعمل، بأن هذه الفكرة جاءت بهدف تطوير الثقافة المقاولاتية لدى الشباب الجامعي الذي عادة ما يعتبر الوظيفة عند القطاع العام أو الخاص الحل الوحيد لبناء مستقبله، فظهرت بقوة لأجل منح الطلبة خيارات جديدة متمثلة في توجيههم نحوانشاء مؤسسات خاصة، وهذا من خلال دورات تكوينية في البحث عن الفكرة، دراسة الجدوى الاقتصادية وتحسين تسيير المؤسسة. وكانت جامعة المدية التي صار يعمل فيها كأستاذ بكلية الإقتصاد على غرار باقي الجامعات أولى الجهات المندمجة في هذا المسعى بتفعيل دار المقاولاتية على مستواها، وذلك بجهود من مديرها البروفيسور حميدي يوسف، والذي أولى رعاية خاصة للدار كونه من المؤسسين لها قبل حوالي 4 سنوات، خاصة بعد حرصه الكبير على تكوين أساتذة في الميدان المقاولاتي. ويعتقد الدكتور عمر هارون بأنّ الفكرة أريد منها الخروج إلى الواقع العملي، حيث صار الأساتذة المكونين يقومون بتنظيم دورات تكوينية دورية للطلبة وفق الحاجات التكوينية التي يتم تحديدها بدقة، وهو ما جعل جامعة يحيى فارس تكوّن سنويا ما يفوق 500 طالب من كل الكليات، بالاضافة إلى تدريس مقياس المقاولاتية في الكليات بمقاربة «التعليم المقاولاتي» المعتمد على آليات عمل جديدة ومبتكرة، بدليل أن العديد من هؤلاء الطلبة من توجّه مباشرة لإنشاء مؤسساته في الميدان، كاشفا في الوقت ذاته بأنه بالمقابل هناك عدة صعوبات تعترض هذه الحركية، ومن بينها ضعف الثقافة المقاولاتية لدى الشاب الجزائري الذي لا يحتك بفكرة إنشاء مؤسساته الخاصة عوض التوجه إلى منصب العمل إلا في آخر سنواته الجامعية، وهو ما يصعب عملية تحويله من العقلية التجارية المتجذرة في الفرد الجزائري الى العقلية المقاولاتية، كون أن الجزائر تملك منظومة تعليمية جامعية تخرّج الموظفين لا روّاد الأعمال، خاصة أن المبادرات التي سبقت دور المقاولاتية كانت تعتمد مقاربة التحسيس، وهي مقاربة غير قادرة على تغيير ذهنية هذا الشاب، الذي تعود على الفكرة التجارية. وكان مالك بن نبي في كتابه في عالم الاقتصاد أكّد على قاعدة كونية قوامها «أي فن اجتماعي أو مبدأ اقتصادي لا يمكن أن يكون صادقا إلا إذا وجد في وضع لا يتعارض فيه مع عناصر المعادلة الشخصية السائدة في الوسط الذي يراد تطبيقه فيه»، وعناصر المعادلة للفرد الجزائري يغلب عليها الطابع التجاري الذي تجذّر أكثر فأكثر بعد أن تحولت الجزائر من استيراد 16 مليار دولار في بداية الألفينات إلى 60 مليار دولار في نهاية ال 2014، كما أن الاعتقاد بأن المقاولاتية مرتبطة فقط بالمشاريع الكبرى ورؤوس الأموال الكبيرة عطل عجلة المقاولاتية، وهو ما يتم تعديله من مفاهيم وتصحيحها بشكل دوري، كما أن من أهم ما عرقل تعطل المقاولاتية في الجزائر وبهذه الولاية هو الخلط بينها وبين إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهذا ما حتّم على الباحثين بهذه الولاية الجمع بين ما لا يجمع وتسطير إستراتيجيات غير دقيقة، كون أن الأساس في الفرق بين التوجهين هو إبداعية الفكرية وتجددها في الميدان المقاولاتي مقارنة بالسلع العادية والتقليدية في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والحلول التي تجعلنا نعود إلى المقاولاتية هوالعودة إلى الجامعة التي تعتبر خزان الأفكار الأكبر على الإطلاق بما تحمله طلبتها من تجديد وتجددة، مع الحرص على التكوين المستمر للمكونين خاصة التابعين لباقي الهيئات، كونهم يمارسون العمل التكويني بشكل متقطع، وهو ما يؤثّر على قدراتهم التكوينية، يضاف إلى ذلك تطبيق أدبيات التعليم المقاولاتي من خلال التحول نحو التدريب الميداني، الذي يحتاج لتمويل خاص نظرا للبعد التطبيقي فيه، وهو ما جعلنا ندعو إلى إنشاء لجنة السياسات التكوينية على مستوى كل ولاية من أجل البحث في سبل تطوير المقاولاتية بشكل إقليمي، فما يمكن تطبيقه في وهران قد لا يصلح في أدرار، وما ينقص في العاصمة لا يماثل ما يحتاجه أهل المدية أوالأغواط. تخوّفات غير مبرّرة واستطرد المختص في عالم المقاولاتية رأيه بالقول بأنه هناك عراقيل أخرى تصعب من عملية ولوج الشباب لعالم المقاولاتية، وهو التعارض الموجود بين التمويلات المقدمة من قبل الدولة بمختلف هيئات الدعم والمبادئ الدينية للشباب، حيث أن الشباب لا يزال يتخوف من هذه الناحية، وهو أمر يجب على أهل الاختصاص التدخل للفصل فيه من خلال فتاوى علمية واضحة وصريحة تقدم للشباب، إلى جانب ذلك عدم ترسخ الفكر المقاولاتي في أذهان الشباب، وهو أمر يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، خاصة أن الجزائر ضيّعت وقتا طويلا في التحسيس وهي عملية لا يمكن أن تحفّز الشباب على ولوج هذا الميدان، يضاف الى ذلك التسويق السيء للعدد الكبير من المشاريع التي فشل أصحابها في رد الديون، وهوما يجعل الجميع متخوفا من دخول مجال المقاولاتية في محيط أعمال صعب، خاصة أن الادارات العمومية لا تزال عازفة عن تطبيق المادتين 85 و87 من قانون الصفقات العمومية، واللّتين تقضيان بالاستعانة بالمؤسسات الوطنية لتلبية حاجات الادارات العمومية بالاضافة لمنح 20 % من قيمة الصفقات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وكل هذا يحيلنا على وجوب إعادة النظر في الرؤية التي نحاول بها غرس فكرة المقاولاتية لدى الشباب من خلال طرح جديد يرتكز على تفعيل الثقافة المقاولاتية لدى الأجيال القادمة من مراحل متقدمة، مع التأكيد على وجوب بعث تخصصات خاصة بالمقاولاتية داخل الجامعة وتوفير الدعم المادي لنجاحها.