بعد مرور سنتين على العمل بنظام رخص الاستيراد، ها هي الحكومة اليوم تقرر إلغاء التعامل به، معترفة على لسان وزير التجارة، محمد بن مرادي، أن هذا النظام أثبت محدوديته، باعتباره نظاما بيروقراطيا يفتقد للشفافية، إجراءات جديدة في سوق المعاملات التجارية تطرح الكثير من التساؤلات، حول تراجع الحكومة عن هذه السياسة، خاصة أن العديد من الخبراء حذروا من الانعكاسات السلبية التي قد تنجر عن هذه الأخيرة، نظرا لمساهمتها في غلق العديد من المؤسسات الوطنية نتيجة البيروقراطية، بالإضافة إلى تسببه في خلق تذبذب كبير في التموين بالسلع، زد على ذلك الارتفاع الكبير في أسعار العديد من المنتجات، والذي هدد القدرة الشرائية للمواطن الجزائري على مدى عامين. وفي ذات السياق، أكد الباحث في الاقتصاد، العربي أولحسن، أن نظام رخص الاستيراد لم يثبت فعاليته، مضيفا أن هذه السياسة كان لها تأثير على الاقتصاد الوطني، باعتبارها فاقدة للشفافية وتسببت في الأزمة التي تعرفها السوق الوطنية في مشاكل التموين والتهاب الأسعار. وصرح العربي أولحسن، في اتصال مع "الحوار"، أن الحكومة كانت على صواب في تراجعها عن العمل بهذه السياسة، مضيفا أن هذه الخطوة تندرج ضمن السياسة المالية لترشيد النفقات وتوقيف نزيف الخزينة العمومية، نظرا إلى الخسائر الكثيرة التي تسبب فيها نظام الرخص، بالإضافة إلى الاضطراب الكبير الذي نتج عنه، من خلال تراجع التموين في العديد من المنتجات، والتهاب العديد من المواد المستوردة، بينما دخلت الكثير من المؤسسات الوطنية في مشاكل عديدة، تسببت في غلقها –يضيف أولحسن-.
-المافيا الموجودة في الأسواق المحلية تشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد من جهته، صرح الخبير الاقتصادي، عمر هارون، أن نظام الرخص تحول إلى نظام يحمل في خباياه العديد من التشابكات البيروقراطية، مشيرا إلى تصريحات الوزير السابق للتجارة المرحوم بختي بلعايب، والذي أكد من خلالها أن المافيا الموجودة في الأسواق المحلية تشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد، وأنه كوزير لم يستطع أن يفعل شيئا أمامهما، مضيفا أنه وبالاعتماد على تصريحات الوزير السابق عبد المجيد تبون، والذي أكد في أحد تصريحاته أن الجزائر استوردت في 2016 ما يعادل 18 مليار دولار من السلع التافهة، مؤكدا أن السير بنفس هذه الوتيرة في السنتين الماضيتين، يمكن من القول الجزائر ضيعت 36 مليار دولار بسبب هذا النظام، معتبرا أن الرقم الحقيقي للأموال الضخمة التي استنزفتها رخص الاستيراد أكبر بكثير من 36 مليار دولار. وأفاد عمر هارون، في حديثه ل "الحوار"، أن المعضلة الحقيقة للاقتصاد الوطني ليست في نظام الحصص باعتباره نظاما كغيره من الأنظمة له ما له من العيوب والمزايا، مؤكدا أن المشكل الحقيقي يكمن وراء ضعف الاقتصاد الوطني وعدم قدرته على تلبية حاجاته الاقتصادية من سلع وخدمات، مشيرا إلى الجزائر عجزت عن تخفيض فاتورة الاستيراد، حيث ارتفعت بحوالي 375 % منذ بداية الألفية الجديدة إلى الآن، لتتزايد من 16 مليار دولار في بداية الألفية ليصل الرقم اليوم إلى 60 مليار دولار مع نهاية ال 2017، وهذا ما جعل الحكومة، حسب ذات المتحدث، تبدأ في تخفيض فاتورة الاستيراد بعد تراجع أسعار المحروقات بفرض نظام الرخص الذي يحدد حجم الواردات من السلع والخدمات، في محاولة للموازنة بين كمية العملة المستنزفة وتفادي الندرة في السلع والخدمات بالسوق، والذي أبقانا في حدود 50 مليار دولار من السلع والخدمات المستوردة سنويا.
-الاستيراد استنزف احتياطي الجزائر بوتيرة خيالية وفي ذات الصدد، لا يرى الدكتور عمر هارون أن سبب إلغاء نظام الرخص هو البيروقراطية أو المافيوية، مضيفا أن بنك الجزائر لم يعد قادرا على السيطرة على احتياطي الصرف الذي تراجع في آخر ثلاثي بحوالي 10 ملايير دولار نتيجة الاستيراد الذي بات يستنزف احتياطي الجزائر بوتيرة خيالية، وهو رقم مهول جدا نظرا لاستحالة تعويض الخسائر الحاصلة فيه بسبب تدني مستوى أسعار المحروقات -يضيف هارون-. كما أضاف الخبير في الاقتصاد أن إلغاء استيراد 900 منتوج أجنبي ينذر باحتمال احتجاج الهيئات والمنظمات التي تتعامل معها الجزائر وندرة في المنتجات الممنوعة، مؤكدا أنه كان بإمكان الحكومة أن تعوض هذا المنع بتمكين المستورد من استيراد أي سلعة بشرط عدم تقديم بنك الجزائر للعملة الصعبة له، ليجبر على شراء الأورو ب 206 دج خارج البنك المركزي عوض 136 دج، ويبقى الدعم في سعر الصرف للسلع الضرورية، مما يعني أن أسعار السلع المستوردة غير الضرورية سيرتفع بحوالي 150% لكنها ستبقى متواجدة في السوق الوطنية، حسب هارون.
-منع الاستيراد تأخير لنهاية احتياطي الصرف وفي نفس السياق، أفاد ذات المتحدث أن الحل لا يكمن في منع الاستيراد، قائلا: "لن نستطيع بهذا الأسلوب إلا تأخير لحظة نهاية احتياطي الصرف التي أرى أنها ستكون في حدود 2020، خاصة أن المصانع المنتجة في الجزائر تستورد جل قطعها من الخارج، سواء تعلق الأمر بمصانع تركيب السيارات أو الأجهزة الكهرومنزلية، مما يعني أننا وإن أوقفنا استيراد المنتجات في شكلها النهائي، إلا أننا لا نزال نستوردها نصف مصنعة ونقوم بتركيبها في الجزائر"، مشددا على أن الاقتصاد الوطني بحاجة إلى إعادة هيكلة لا إلى حلول ترقيعية، أساسها الانفتاح على العالم ورفع القيود على الاستثمار وتحسين مناخ العمل، بالإضافة إلى سياسة حقيقية تترافق مع دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتجهيزها لممارسة المناولة، وتشجيع المقاولة الذاتية، وهو ما سيساهم -حسب هارون- في التحول إلى التصنيع الداخلي، والاستغناء عن الاستيراد في حدود 5 سنوات. سمية شبيطة