يعتبر الدكتور حسين درويش رئيس مجلس الأئمة في فرنسا أحد أهم الشخصيات الفاعلة في الشأن الديني هناك، حيث يحاول بخطابه الجديد تقديم صورة حداثية للإسلام عكس تلك المعروفة، وفي هذا الحديث المطول مع جريدة "الحوار" يؤكد على ضرورة خلق التوافق بين مختلف الأطياف وخصوصا بين الفرنسيين وأبناء الجالية، ويصر درويش أيضا على ضرورة تجديد دماء مسجد باريس وذلك لاستعادة دوره الريادي في استقطاب الجالية المسلمة في فرنسا وقيادة إسلام حضاري يتماشى ومبادئ العلمانية. * لو تسرد لنا أهم المشاكل التي يعاني منها الأئمة في فرنسا ؟ – ترسل الجزائر بعثات للأئمة في فرنسا كل أربع سنوات، وكل شهر رمضان يرسل حوالي 100 إلى 150 إمام لأداء صلاة التراويح، وكما تعلم الجزائر هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي ترسل هذا الكم الهائل من الأئمة والعلماء والمدرسين خلال شهر رمضان وبقية العام، وفي هذا الصدد أود أن أشير إلى أن المسلمين في فرنسا على اختلاف جنسياتهم ومشاربهم يدعون للجزائر ويذكرونها بخير بسبب هؤلاء الأئمة لأن أوروبا اليوم تعيش أزمة اقتصادية رهيبة ولم يعد اليوم المنتمون إلى الدين الإسلامي قادرين على القيام بشؤون مساجدهم ورعايتها، ولذا فإن بلدنا اليوم هي التي تقوم بذلك وتدفع راتبا جد محترم للأئمة. ولكي أجيب على سؤالك بشكل أدق فإن أهم إشكالية يواجهها الأئمة هو أن الدولة الفرنسية لم تصل إلى تنظيم حقيقي للإسلام في فرنسا، حيث هناك أئمة لديهم شهادات وهناك دخلاء على المهنة، بحيث أصبحوا عالة على الإسلام والمسلمين، لكن الحمد لله الأئمة الجزائريون الموجودون في فرنسا مكونون جيدا حيث أنهم متخرجون من معاهد ويحفظون القرآن جيدا، فقط يبقى مشكل اللغة الفرنسية لأن الأغلبية من أئمتنا هناك لا يتكلمون اللغة الفرنسية يحدث هذا بالموازاة مع صعود جيل آخر من الجالية هناك الذي لا يفهم اللغة العربية، ورغم ذلك هناك إقبال على المساجد بشكل منقطع النظير، وبالإضافة إلى كل هذا تبقى مشاكل الإرهاب والتطرف والغلو الديني تؤرق الأئمة والفاعلين في الشأن الديني، فحسب آخر الإحصائيات الرسمية هناك حوالي 11 ألف شاب ذهب إلى سوريا، بالإضافة إلى 15 ألف كلهم يسيرون في طريق التطرف وهو ما يضع الأئمة أمام تحد كبير من أجل مواجهة التطرف والغلو الديني.
* أثار مسجد باريس في الآونة الأخيرة لغطا كبيرا .. ماذا يحدث هناك بالضبط ؟ – مسجد باريس ومنذ إنشائه كان مكة المسلمين هناك في فرنسا ووزنه التاريخي لا ينكره أحد وبالتالي لا يجب أن يخسر مكانته الحالية وعميده الحالي الدكتور دليل بوبكر قال في تصريح صحفي إن المسجد خسر أكثر من 200 مركز إسلامي ومسجد كان يسيرها، وهو ما يعكس تراجع دور هذا الصرح مع اقتراب انتخابات مجلس الديانة، ففقداننا لكل هذا العدد من المساجد أدى إلى تراجع الإسلام الجزائري المطلوب بكثرة من طرف الفرنسيين المسلمين، وهذا بسبب عدم تجديد دماء مسجد باريس وتغيير سياساته ولذا يجب الإسراع في ذلك من أجل كسب كل الجمعيات الإسلامية والبقاء في الريادة على منهج الوسطي المعتدل الذي لا يتعارض مع قوانين الجمهورية.
* وسط كل هذا الزخم ما هو الحل برأيك من أجل استرجاع مكانة مسجد باريس ؟ – الإستراتيجية واضحة جدا، هو إعادة بناء قواعد متينة مع الجمعيات الإسلامية الأخرى في فرنسا حتى الجزائرية منها غير المنتمية لمسجد باريس، بالإضافة إلى الإفريقية من مالي وغينيا والكوديفوار التي نملك علاقات طيبة معها، عموما من أراد أن يتعاون معنا يجب أن نذهب إليه نحن ولا ننتظر مجيئه.
* مؤخرا أثارت دعوى بعض المثقفين الفرنسيين إلى حذف بعض آيات من القرآن استنكارا واسعا لدى مختلف الأطياف، كيف تعاملتم أنتم مع الموضوع ؟ – لكي أصارحك لم تفاجئنا الدعوى إلى حذف آيات قرآنية عنيفة تتعلق بالجهاد وغير ذلك، وهذه حقيقة، ورد عنف في القرآن لكنه عنف مشروع للدفاع عن النفس، وشرحنا لهم كم من مرة أن هذه الآيات خاصة ولها سياقها ولا ينبغي التعميم وهو ما يفعله بعض الأئمة في فرنسا، حيث يساهمون في تغذية التطرف والحقيقة أن هذا الصنف موجود بكثرة حيث لا يعترفون بقوانين الجمهورية ويطمحون إلى تطبيق الشريعة في فرنسا. ونحن في المجلس الوطني للأئمة نحاول أن نعزلهم لأنهم لا يمثلون الإسلام والمسلمين. إذا قائمة الموقعين على البيان لم تفاجئنا إطلاقا فنحن نتعامل معهم دائما على الساحة، نريد ردة فعل الآخرين لأن الإسلام في فرنسا يعيش هذه التجربة فأول مرة المسلمون يعيشون في بلاد معظمها وأغلبيتها غير مسلمة وقانونها علماني لائكي أحيانا متناقض ومتعارض مع القيم الإسلامية وهذا لا يعني إطلاقا أن نواصل نفس الخطاب الصدامي الذي يمنح فرصة للمتطرفين من الجانبين لإدخالنا في حرب سينهزم فيها المسلمون لأن الأقليات هي دائما التي تدفع الثمن باهظا كما هو واقع في البوسنة والهرسك والشيشان، ولذا نحتاج للعقلاء فينا لأن باخرة الإسلام لا ينبغي أن يقودها المتطرفون والعاطفيون وهذا مشكل كبير لأن الخطاب الديني عموما والمسجدي خصوصا سيطرت عليه العاطفة بشكل كبير وهو ما أدى إلى زيادة منسوب التطرف ولذا يجب أن يقود قاطرة الإسلام في فرنسا أناس حكماء يعرفون مقاصد الشريعة مثلها ولا يدخلوا الناس في التفاصيل التي نستوردها من العالم العربي إذا لابد أن يكون الإسلام متناسقا وقيم الديمقراطية والحرية والمساواة ولا يبتعد عنها وإلا بدونا وكأننا نعيش في كوكب وعالم آخر عندها لن تفهمنا الشعوب الأخرى وستخاف منا، ولذا فإن نجاح الإسلام في فرنسا مرتبط بمدى طمأنة مواطنيه على أن خطابه لا يشكل خطرا عليهم وعلى ثقافتهم وأبنائهم فأن يأتي مجنون ويقول إن القوانين الفرنسية كافرة والعلمانية حرام وهو يعيش باسمها فهذا غير معقول لأن المسلمين اليوم يمارسون طقوسهم وصلواتهم بفضلها، إذا العلمانية حظ وشيء عظيم أن ننصر به الإسلام في فرنسا.
* عرفت فرنسا في الأعوام القليلة الماضية العديد من العمليات التفجيرية كيف تعاملتم معها ؟ – خلال تفجيرات نيس وشارلي إيبدو والباتاكلون كنت أقود الأئمة في جميع هذه المناطق ولم يأت معي سوى 500 إمام في فرنسا للأسف، كنا نزور أهالي الضحايا ونواسيهم ونقف معهم لدواع إنسانية وفقط ولأننا مواطنون فرنسيون لابد أن نفرح مع الفرنسيين إذا فرحوا ونتألم معهم إذا تألموا هذه القيم الحقيقية للإسلام، للأسف هذا الخطاب غطا عليه التضليل من جماعات إسلامية تتاجر بالدين ومتحالفة مع دول مشرقية من أجل كسب الأموال على حساب مصلحة أولادنا وبسبب ذلك الوجود الإسلامي في فرنسا وفي الغرب. ولكي أضيف شيئا في ثقافتنا لا تعادي اليهود فقد تعاهد معهم الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن عندما خانوا العهد وقع لهم ما وقع، ولذا لا يجب التعميم أنا أعرف يهودا مثلا هم من يعين المساجد لإصلاحها إذا هناك المنصفون، وشخصيا أشارك كل عام في باريس في إحياء ذكرى الهلوكست من منطلق إنساني، والذي وقع هذه المرة أزعج الكثير من اليهود لأن البيان الذي وقع ربط فيه معاداة السامية بحذف آيات قرآنية هم يعلمون أن ذلك مستحيل ولو شاركهم مسؤول مسلم أو عالم دين في هذا البيان لأخرج من الملة، لذلك كان بيانا خبيثا افتقد صفة الذكاء. أجل نحن لا ننكر أن اليهود يعيشون الكثير من التضييق بسبب ما يحدث من صراع في فلسطين ولا ينبغي أن نستورد ما يحدث هناك إلى فرنسا، ولذلك أنا اتصلت بعد البيان الأخير برؤساء جمعيات يهودية على مستوى عال في باريس وكلهم أكدوا لي رفضهم لهذا البيان لأنه لا يخدم قضيتهم.
* أثارت قضية المفكر طارق رمضان جدلا واسعا لدى مختلف الأوساط هناك في فرنسا وحتى في العالم العربي والإسلامي حيث اعتبرها البعض مؤامرة سيقت ضده، والبعض الآخر رأى عكس ذلك ما هو تعليقكم ؟ – طارق رمضان مفكر إسلامي معروف على الساحة له تأثير كبير على الشباب هناك وإن كان قد تراجع مؤخرا، هو أولا ينتمي لمدرسة الإخوان المسلمين وحفيد حسن البنا والفكر المتأثر به له حسناته ولكنه لا يصلح أن يعيش به المسلمون في الغرب لأنه يقوم على التصادم مع الآخر، ومازاد الطين بلة أن الكثيرين قد ساهموا في شيطنته إلى أن أصبح يمثل عبئا كبيرا على الإسلام في الغرب، فعموما إذا دخل هذا الفكر في إدارة الصراع سوف يقودنا إلى الهاوية. وفيما يخص ملف طارق رمضان شخصيا لا أملك الحقيقة ولكنه مفكر وعرفنا عليه خيرا، وبالمقابل هو بشر يخطئ ويصيب فبخطابه الاستعلائي، وأنا شخصيا أرسلت له رسالة سنة 2009 إثر مروره على قناة فرانس2 وكان مروره ذلك الوقت صادما بحيث كان يثير العديد من الحساسيات كمعدل البطالة والمسلمين المهمشين وهو ما يزيد من نسب الكراهية على ديننا هنا في فرنسا ربما ما كان يقوله صواب لكن طريقته في الكلام هي المشكل، فأنا حذرته شخصيا في تلك الرسالة من آثار هذا الخطاب ولكنه للأسف مضى في ذلك وللأسف وقع ما وقع، هو في النهاية بشر يخطئ ويصيب وليس ملاكا قد يكون وقع في الحرام. حاوره: مولود صياد