تخوض الجالية المسلمة بفرنسا في مقدمتها جزائريون حملات مراطونية لمواجهة الخرجات المثيرة للجدل لبعض الشخصيات الفرنسية المطالبة بحذف آيات قرآنية تذكر اليهود، بدعوى أنها معادية لهم و"تذكرهم بسوء".. وفي هذا الإطار، تحدثت "الشروق" مع بعض الشخصيات الجزائرية بفرنسا التي تعمل على قدم وساق لمواجهة الحملات التضليلية ضد القرآن وعقد لقاءات دورية مع مسؤولين ومواطنين فرنسيين لشرح المعاني الحقيقية للقرآن. وفي هذا السياق، أوضح وليد نعّاس، نائب رئيس المجلس الجهوي الفرنسي للديانة الإسلامية في تصريح إلى "الشروق" أن الجزائريين بفرنسا يقومون بدور فعال لمواجهة حملات تشويه القرآن باعتبارهم من أكثر الجاليات المسلمة عددا ومخالطة للفرنسيين. وهذا ما يجعلهم يحسون بمسؤولية كبيرة تجاه الدفاع عن الإسلام على غرار ما حدث في السابق من إساءة إلى الرسرول صلى الله عليه وسلم.. وأضاف محدثنا بشأن حملة حذف الآيات التي تذكر اليهود في القرآن التي بادرت إليها 300 شخصية بفرنسا أنّ من يتقوّلون مثل هذه التصريحات لا يعكسون أيّ موقف رسمي للدولة الفرنسية فهم لا يمثلون إلا أنفسهم وأن بعضهم من السياسيين والشخصيات فقدوا بريقهم السياسي ويريدون العودة إلى الساحة من خلال القضايا الإسلامية. وأوضح نعاس أنّ مختلف تمثيليات الجالية المسلمة في مقدمتها الجزائريون تقوم بلقاءات توعوية لتصويب الفهم الخاطئ أو الذي أريد تمريره من خلال تلك الادعاءات، وتم التطرق إلى ضرورة وضع تلك الآيات في سياقها العام من خلال توضيح أسباب النزول ووقتها والغاية منها وبالمقابل أطلع هؤلاء الفرنسيين على آيات أخرى تشير إلى التعايش السلمي مع هؤلاء المهادنين وتطرقوا إلى وجود آيات تدل على الحياة فلماذا التركيز فقط على آيات كره اليهود؟ يتساءل محدثنا. وأفاد نعاس بأنّ الشعب الفرنسي يثق كثيرا في سياسييه وقادته وكذا في وسائل إعلامه لذا فإن من شأن هذه التصريحات تأزيم العلاقة بين المسلمين والغرب وكذا تعميق الإسلاموفوبيا المنتشرة في الغرب، وهذا ما يسعى له المروجون لمثل هذه الأفكار لاسيما بعد الامتداد والانتشار الكبير للإسلام. وذكر نعاس باللقاءات الرسمية التي جمعت الجالية المسلمة بمسؤولين فرنسيين سامين لتوضيح الفهم الحقيقي لتلك الآيات. ويضيف محدثنا أن المسألة تعيد إلى السطح قضية الإسلاموفوبيا المتفشية في أوساط الغرب لمواجهة المد الإسلامي. أساتذة وأئمة جزائريون في مقدمة المدافعين من جهته، كشف عز الدين قاسي، وهو أستاذ جامعي جزائري وعميد مسجد ليون في تصريح إلى "الشروق"، أن الدين الإسلامي كرم الإنسان وحفظ حقه في الحياة بغض النظر عن دينه وأصله فهو بشر قبل كل هذا واستشهد بقول الله تعالى: "ولقد كرّمنا بني آدم"، مؤكدا أن الإسلام يحارب كل تمييز عنصري في العرق أو اللون. وأضاف أن الاحتجاج على ما يسمونه ب "معاداة السامية" والعريضة التي وقعها 300 شخص تقريبا أمر خاطئ ولا يمكن أبدا تعديله لأن كتاب الله محفوظ ولا يمكن التغيير فيه بأي شكل من الأشكال"، كما أن الأمر يمس بمشاعر المسلمين ويجرحها. ونوه المتحدث بمجهودات الجالية المسلمة بفرنسا في مقدمتها أساتذة وباحذون وأئمة جزائريون يعملون حاليا على شرح المعاني الحقيقية للإسلام وتبيان حقيقة الآيات التي تتحدث عن اليهود. ومن جهتهم، نشر أئمة مسلمون أغلبهم جزائريون بيانا في جريدة لوموند الفرنسية اعتبروا فيه أن القول إن القرآن بحد ذاته يدعو إلى القتل يتسم "بعنف غير معقول"، وأدانوا ما وصفوه ب"الجهل المضر وغير المثمر" لموقعي البيان الذي نشر في صحيفة لوباريزيان. وبدوره، ندد رئيس المرصد الوطني الفرنسي عبد الله زكري بما اعتبره جدلا "مثيرا للغثيان وكارثيا"، وقال "إن رجال السياسة الفاشلين الذين يعانون من عدم الاهتمام الإعلامي بهم وجدوا في الإسلام والمسلمين في فرنسا كبش فداء جديدا"، فيما وصف رئيس مجلس الديانة الإسلامية أحمد أوغراس "هذه العريضة أنها لا معنى لها وخارج الموضوع، الأمر الوحيد الذي نتبناه (منها) هو وجوب أن نكون جميعا ضد معاداة السامية". وتفاعل الكثير من المسلمين الفرنسيين سلميا مع هذه اللقاءات وحتى عبر الفضاء الأزرق حيث عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالتغريدات والمنشورات المنددة بمثل هذه الدعاوى مذكرين بما لحق الكتب السماوية السابقة من تحريف. للتذكير، فإن العريضة المثيرة للجدل تدعو إلى "حذف آيات من القرآن الكريم" بزعم أنها معادية لليهود، نشرتها صحيفة لوباريزيان الفرنسية يوم 22 أفريل 2018، ووقعتها شخصيات سياسية يمينية ويسارية، بالإضافة إلى عرب ومسلمين، بالإضافة إلى مغنين وممثلين ومثقفين ومسؤولين دينيين يهود ومسلمين وكاثوليك، وأبرز هؤلاء: الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، ورئيس تحرير صحيفة "شارلي إيبدو" السابق فيليب فال الذي قام بتحرير البيان، وإيمانويل فالس وهو رئيس وزراء سابق، وجون بيار رافاران وهو رئيس وزراء سابق، والمغني شارل أزنافور، وبيرنار هنري ليفي، وهو أكاديمي وإعلامي يهودي فرنسي، والممثل الفرنسي جيرارد ديبارديو. كما وقعت على العريضة شخصيات عربية وإسلامية، منها الروائي الجزائري بوعلام صلصال، وحسن شلغومي إمام مسجد درانسي قرب باريس، ومحمد علي قاسم، وهو مفتي جالية جزر القمر في فرنسا، والمدون الفلسطيني وليد الحسيني. وتطالب العريضة ب"حذف الآيات القرآنية التي تحث على قتل ومعاقبة اليهود والمسيحيين وغير المؤمنين"، وجاء فيها: "نطالب السلطات الدينية الإسلامية بأن تعلن أن آيات القرآن التي تدعو إلى قتل اليهود والمسيحيين والكفار ومعاقبتهم قد عفا عليها الزمن". وتبرر العريضة دعوتها إلى إبطال الآيات القرآنية بكون الفاتيكان ألغى سابقا نصوصا في الكتاب المقدس غير متناسقة ومناهضة للسامية.