فقدت أمس الساحة الإعلامية والثقافية اسما بارزا لطالما ارتبط اسمه بالإذاعة الوطنية حيث يعد أول رئيس تحرير لها بعد الاستقلال، المجاهد والكاتب عبد القادر نور الذي وثق لجوانب عديدة من الثورة التحريرية من خلال مؤلفاته، هذا الأخير الذي أجمع رفقاؤه أنه قدم الكثير في قطاع الاعلام كما ناضل بصوته الإذاعي في إيصال صوت الثورة الى العالم. عميمور: نور واحد من الرعيل الأول لجيل الإذاعة الوطنية.. اعتبر الوزير الأسبق للثقافة والاعلام محي الدين عميمور رحيل عبد القادر نور بفقدان رفيق مناضل لطالما ارتبط اسمه بالإذاعة الجزائرية حتى قبل استرجاع الاستقلال، موضحا انه تعرف اليه في القاهرة خلال مرحلة الدراسة وكان يومها مساعدا للرائد رابح نوار مدير المكتب العسكري وبصفته مكلفا بالشؤون الثقافية والصحية للطلبة العسكريين، مضيفا:" عرفت الإذاعة الوطنية عن طريقه حيث حملني إليها في سيارة دوفين حمراء في أحد أيام 1963. وأضاف الدكتور عميمور بالقول:" عندما فتحت عيادتي الطبية كان من زبائني هو وعائلته، إذ كان جاري، وأذكر أنه جاءني يوما وهو يستعد لأداء فريضة الحج لكي أعطيه حقن التطعيم المطلوبة آنذاك، وكنت أعطيته الموعد في نهاية اليوم بعد انتهاء استقبال المرضىا، وعندما نزع قميصه لتلقي الإبرة دق جرس الباب وإذا به الصديق على تونسي الذي ألف أن يمر علي في المساء، وبعد أن قدمت كلا منهما للآخر، وفجأة دق جرس الهاتف فأسرع علي لرفع السماعة ولكن الطرف الآخر لم يتعرف على صوتي فأغلق الخط، لكن تونسي واصل الحديث قائلا: الدكتور موجود / ماذا ؟ ، الأخ الذي أعطى بالأمس حقنة التطعيم مات ؟ ، رحمه الله.. وإذ بعبد القادر ينتزع قميصه ويفر نحو الباب وأنا أجري وراءه مؤكدا له أن تونسي يمزح كعادته بالوزن الثقيل". وفي سياق الموضوع، أكد المتحدث ذاته أن نعبد القادر نور بقي من الأوفياء للاحتفالية السنوية بذكرى الرئيس الراحل هواري بومدين في قالمة ، ومن أنشط المشاركين في لقاءات متحف المجاهد بالعاصمة، مردفا بالقول:"رحمه الله واحدا من أبناء جيل نوفمبر العظيم ورفيقا من القيادات الطلابية في القاهرة وواحدا من الرعيل الأول لرجال الإذاعة الوطنية".
بوعزارة: يموت الكبار ويبقى الأثر قال الكاتب والبرلماني السابق محمد بوعزارة في المجاهد الراحل عبد القادر نور انه طاقة كبيرة فقدتها الساحة الثقافية، واصفا إياه بالرجل المناضل الذي يتحسس الكلمة الإعلامية سواء كانت مكتوبة او مسموعة او مرئية. وفي السياق، أكد بوعزارة أن المرحوم كان ذو اخلاق عالية، حسن الاستماع الى الاخر، مضيفا انه لم يكن يتغيب على أي ندوة تاريخية او فكرية حيث كان يحضرها كمحاضر بأفكاره الراقية او مستمعا، وأشار المتحدث ذاته الى المناصب التي تقلدها الراحل منذ انضمامه الى صفوف جبهة التحرير الوطني في بداية الثورة التحريرية ونضاله من خلال إذاعة الثورة بالقاهرة مدافعا بصوته عن قضية استعادة الاستقلال، مبينا انه كان اول رئيس تحرير للإذاعة الوطنية بعد الاستقلال اين اعطى لها وجها مشرقا على حد تعبير بوعزارة، حيث كان نور يقدم برامج عديدة متنوعة شملت حتى المجال الفني اذ يعود الفضل له في تكوين جيل جديد من الصحفيين والفنانين آنذاك والذين أصبحوا فيما بعد من الوجوه البارزة في الساحتين الإعلامية والفنية. كما كانت للراحل عبد القادر نور علاقة جيدة تربطه مع الكتاب حسب ما قال بوعزارة في تصريحه ل"الحوار"، أمس، أمثال عبد الله الركيبي وعبد الله شريط وغيرهم، مشيرا الى كتابه "حوار مع الثورة" معتبرا إياه بالكتاب الضخم الذي يضاف الى مجهوده الفكري، وروى بوعزارة حادثة وقعت أثناء عمله مع المرحوم مبينا من خلالها درجة استماعه للرأي الاخر، وكانت الحادثة بعد اطلاق سراح الرئيس الراحل احمد بلة، هذا الأخير الذي قام بالادلاء بتصريحات يهاجم فيها السلطة آنذاك، وقال بوعزارة:" اجتمعنا في الإذاعة مع المرحوم عبد القادر نور وكان بيينا الراحل عبد الحميد مهري وقررنا ان نبث ردا على تصريحات بن بلة، لكن مهري اتصل بي واخبرني انه سيزورنا في مقر العمل وبعد زيارته لنا اقترح ان نتراجع على بث ذلك الرد قائلا:" حتى لو كان بن بلة اخطأ في حق الجزائر من خلال تصريحاته فلا يجب ان نرد عليه اذ يبقى بن بلة رمزا من رموز هذا الوطن"، ووافق عبد القادر نور على اقتراح مهري".
فراد: مذكرات نور حفظت لنا جوانب عديدة من الثورة التحريرية أوضح المؤرخ محند ارزقي فراد أن الكاتب الراحل عبد القادر نور يعتبر مجاهدا ومثقف كبير استطاع بفضل الله كتابة مذكراته التي حفظت جوانب عديدة من الثورة التحريرية، مضيفا انه قد ناضل من اجل قيم عديدة ظل وفيا لها من قيم الحريات والعدل والإنسانية. وفي الإطار، قال فراد ان عبد القادر نور كان من المثقفين الذين لطالما كتبوا واحتكوا بالمشاهد والاحداث الراهنة اذ كان يمارس وظيفة النقد في المجتمع من أجل تحريك وتغيير الأوضاع نحو الأفضل، مؤكدا ان الراحل كان يتسم بوعي تاريخي ويدرك ان الجزائر لا مستقبل لها بدون ذاكرة تاريخية. وبخصوص كتاب "أبو القاسم سعد الله والامازيغية" الذي الفه ارزقي فراد، قال هذا الأخير ان الدافع الأساسي وراء إصداره لهذا الكتاب هو الراحل عبد القادر نور الذي كان يطلب من عديد الباحثين في التاريخ تبسيط أفكار المؤرخ سعد الله عن طريق الشروع في كتابة مثل هذا الكتاب، قائلا:" لهذا أخذت بنصيحته وألفت هذا الكتاب"، ويواصل قوله عن شهادته حول الراحل:" عرفته لحوالي أربعين سنة، كان رجل حق، لقد فقدت الساحة الثقافية رجلا مخلصا للثقافة".
دراع: نور كان مدافعا عن اللغة العربية والمنظومة التربوية من جهته، تحدث الكاتب الصحفي علي دراع عن الراحل عبد القادر نور مؤكدا أنه كان مدافعا قويا عن اللغة العربية والمنظومة التربوية، الى جانب انه قدم مجهودات كبيرة لقطاع الاعلام اذ يرتبط اسمه بالإذاعة الوطنية منذ الثورة التحريرية. وأضاف ذراع في تصريحه ل"الحوار"، أمس، أنه ناضلوا الى جانب بعض في كثير من القضايا على غرار قضية اللغة العربية والوطنية، مردفا بالقول": لقد كان من اكبر المناضلين من اجل استقلال القرار السياسي". مهل: قدم الكثير للجزائر والاعلام.. بدوره، أكد الوزير الأسبق للاتصال ناصر مهل أن الساحة الثقافية فقدت اسما بارزا برحيل الكاتب عبد القادر نور، موضحا أن هذا الأخير قدم الكثير للجزائر خاصة في قطاع الاعلام اين لعب دورا بارزا في الإذاعة الوطنية ويعد من بين مؤسسيها وواحد من النخبة الأولى في عهد ما بعد الاستقلال. أما على الصعيد الشخصي، فقال مهل أن نور كان يتميز بأخلاقه العليا وتواضعه الشديد، كما عرف بتضحياته الجسيمة للوطن مضيفا بالقول:" عبد القادر نور يعتبر رمز ومرجعية لكل أجيال الإذاعة الوطنية".
الراحل عبد القادر نور في سطور.. كان المجاهد عبد القادر نور، أول رئيس تحرير للإذاعة والتلفزيون الجزائري بعد الاستقلال، كما شغل منصب مدير القناة الاذاعية الأولى والثانية، ألف كتاب "شاهد على ميلاد صوت الجزائر-ذكريات وحقائق"، وهو شهادة توثيقية على ميلاد "صوت الجزائر". والمجاهد نور من مواليد قرية الشرفة ببلدية أولاد عدي لقبالة بولاية المسيلة، تعلم اللغة العربية على يد الشيخ محمد الطاهر نور، ثم التحق بمعهد العلاّمة عبد الحميد بن باديس سنة 1950، ونال شهادة المعهد بتفوق سنة 1954. بدأ في النضال الثوري مع جبهة التحرير الوطني وهو طالب، والتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ونال شهادة الليسانس في العلوم العربية والإسلامية، وهو من أبرز مؤسسي أول رابطة للطلاب الجزائريينبالقاهرة سنة 1956. شارك في العديد من المؤتمرات الطلابية والدولية باسم جبهة التحرير الوطني، وشارك في الإعلام المسموع أثناء ثورة التحرير، انطلاقاً من ركن المغرب العربي في سنة1956، وبرنامج صوت الجمهورية الجزائرية بصوت العرب بالقاهرة. وبعد توقف صوت الجزائربالقاهرة عاد إلى الجزائر والتحق بالإذاعة بدعوة من جبهة التحرير الوطني، وشارك في تحريرها من إدارة الاستعمار الفرنسي في28 أكتوبر 1962، وترأس أول لجنة لتقييم البرامج القديمة، إضافة إلى ترؤسه للجنة البرامج لاتحاد إذاعات الدول العربية، وهو عضو مؤسس لإذاعة الدول الإسلامية، وعضو في مجلس إدارتها بجدة بالمملكة العربية السعودية.