الطيب بن ابراهيم شارل دي فوكو أحد أشهر جواسيس فرنسا ومنصريها الموثوق بهم في الصحراء الجزائرية، بعد مقتله في تمنراست سنة 1916 عُدَّ بطلا قوميا فرنسيا، وبمناسبة الذكرى العشرين لمقتله سنة 1936، كرمته الأوساط الاستعمارية والكنسية الفرنسية بإنتاج أول فيلم يجسد شخصيته تحت عنوان: "نداء الصمت". وأخيرا اعتبرت الكنيسة الكاثوليكية دي فوكو شهيدا في شعائر كنيستها، وتم تأبينه بروما يوم الأحد 13 نوفمبر 2005 من قبل البابا بندكت السادس عشر. ولد شارل دي فوكو بتاريخ 15 سبتمبر سنة 1958م بمدينة ستراسبورغ الفرنسية قبل أن يلتحق سنة 1876م بالمدرسة العسكرية في سان سيرن، لينضم سنة 1878 للمدرسة العسكرية للفرسان بسومير، بعد ذلك أُرسل كعسكري برتبة ملازم لمنطقة سطيفالجزائرية، ومنها انتقل للمشاركة في الحرب ضد مقاومة الشيخ بوعمامة بعد اندلاعها بالجنوب الغربي الجزائري سنة 1881، وذلك قبل مغادرته للخدمة العسكرية، والعودة لفرنسا سنة 1882. بدأ شارل دي فوكو رحلة البحث عن يسوع سنة 1886، قبل أن يختار حياة العزلة والرهبنة، وانتقل لكنيسة القديس اوغيستان بباريس، وكان ذلك يمثل محطة جديدة في حياته ، قبل أن ينضم لاحقا إلى أخوية الرهبان "السسترسيون" سنة 1890 بفرنسا، ثم سافر سنة 1897 لفلسطين وأقام بمدينة الناصرة. وبتاريخ 14 أفريل سنة 1900م اختار حياة القساوسة، ورسم قسا في فيفيارس Viviers يوم 9 جوان 1901م. قام شارل دي فوكو بزيارة عدة مواقع ومدن وقرى بالجنوب الغربي بالصحراء الجزائرية مابين 1901- 1905م منها: تاغيت- بني عباس- أدرار – أولف عين صالح- المنيعة- غرداية- البيض- وفي مدينة بني عباس اشترى دي فوكو قطعة أرضية سنة 1901، بمبلغ 1170 فرنك، وشغّل بها عاملين، وفي سنة 1904 قام بأول دورة له في منطقة الطوارق بأقصى الجنوب الجزائري، وكانت زيارته للأبيض سيد الشيخ بتاريخ 18 مارس سنة 1909م. أثناء الحرب العالمية الأولى سنة 1914م نصحه صديقه وزميله في الجندية، الجنرال لابرين Laperrine بالبقاء بعيدا عن الأحداث بتامنغاست، المدينة التي اختارها واستقر بها نهائيا منذ شهر أوت 1905م، إلى غاية مقتله بها في الأول من شهر ديسمبر سنة 1916م. ومنذ ذلك لم يعد شارل دي فوكو لزيارة فرنسا إلا ثلاث مرات، في سنوات: 1909، 1911، وكانت زيارته الثالثة والأخيرة لفرنسا سنة 1913. كانت علاقة رجل الدين والجاسوس دي فوكو جيدة مع الضباط الفرنسيين وعلى رأسهم الجنرال لابرين المقيم بالصحراء والماريشال ليوتي، حاكم مدينة وهران سابقا، وقائد جيش غزو المغرب لاحقا، بالإضافة لعلاقته المميزة مع كثير من السياسيين والعسكريين الفرنسيين؟!!. عندما استقر شارل دي فوكو في أقصى الجنوب الجزائري ما بين سنتي 1905 و 1916، في ضواحي مدينة تامنغاست، اقتنع أن وجود الاستعمار فرصة سانحة لتنصير العالم الإسلامي، خاصة سكان الصحراء، الذين كان يصفهم ب"الفقراء ". كان عمله الظاهري إنسانيا، لكنه في واقع الأمر كان جاسوسا لا يعتني فقط بجمع المعلومات التي يمكن أن يقوم بها أي جاسوس، ولكن جاسوسيته تهدف لمعرفة ثقافة السكان وعقليتهم وانتماءاتهم الدينية والإثنية والقبلية والثقافية للتغلغل في أفكارهم، ومحاولة زعزعة الوحدة الوطنية التي تجمع بين سكان الشمال وبربر الطوارق، هؤلاء الطوارق الذين كان يصفهم بان لهم إسلاما سطحيا، وهم وثنيون كفار وبرابرة، كما اقترح دي فوكو على صديقه الجنرال "لابرين " مساعدته في استخلافه في تامنغاست بالمستشرق الكبير لويس ماسينيون، عالم الإسلاميات، كونه الوحيد القادر على إقامة علاقات قوية مع الطوارق لصالح فرنسا، والتأثير عليهم، واستشارا في ذلك مدير معهد الآداب بمدينة الجزائر، المستشرق روني باسيه، وكانت تلك استراتيجية الاستعمار التي يعتمد عليها، وفي نفس الوقت اشتغل دي فوكو بدراسة اللسانيات واللغة الطوارقية 12 سنة، وألف كتابه الذي هو عبارة عن منجد، ترجم فيه اللغة الطوارقية إلى اللغة الفرنسية، ووضع لعمله هذا اسما مستعارا هو موتنلسكي Motilinsky، اسم صديقه الذي توفي سنة 1907. يتبع