يتحدث وزير التجارة، سعيد جلاب، في حوار مستفيض مع جريدة "الحوار"، عن استراتيجية وزارة التجارة في التعاطي مع المعطيات الاقتصادية الجديدة للبلاد، في ظل انهيار سعر البترول وما ترتب عنه من إجراءات استعجالية لمواجهة الأزمة. ويشرح المسؤول الأول على القطاع السياسة التجارية المنتهجة من قبل أجهزته، في إطار ترشيد النفقات، بما فيها التأطير بقائمة المواد الممنوعة من الاستيراد، التي يؤكد الوزير على طبيعتها المؤقتة. كما يركز الوزير في سياق آخر، على الحديث عن برنامج الوزارة في مجال تطوير تعاملاتها التجارية إلكترونيا. وسياستها في فرض الرقابة على الأسواق وحماية المستهلك. كما يعرّج -تجاوبا مع أسئلتنا- على بعض الإضاءات على حياته الشخصية التي توضح الوجه الآخر لسعيد جلاب خارج مكتب الوزارة. * باعتبار قطاع التجارة القلب النابض للاقتصاد الوطني، ما استراتيجيتكم لتجاوز تداعيات حظر 851 مادة من الاستيراد؟ – بخصوص التعليق المؤقت للاستيراد، وجب التذكير أنه إجراء مؤقت واستعجالي، في إطار مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، جراء انخفاض احتياطي الصرف، وتراجع المداخيل بعد انهيار أسعار البترول. وهو ما استدعى الحكومة إلى تبني سياسة تجارية ترتكز على ترشيد الواردات، عبر عدة إجراءات لتجاوز هذه المرحلة، من بينها التعليق المؤقت لاستيراد بعض المواد الاستهلاكية، سيما تلك المواد التي تنتج محليا لحماية المنتوج الوطني، خاصة إذا علمنا أن التركيز منصب على إعداد قوائم للمواد الممنوعة مؤقتا من الاستيراد. * بالنظر للتطور السريع الذي يشهده العالم، فيما يتعلق بإجراءات التعاملات التجارية التي باتت ترتكز على تكنولوجيات الاتصال الحديثة (الرقمنة)، هل فكرتم في وضع قاعدة إلكترونية للتحكم في مجريات السوق، وبالتالي مواجهة ندرة بعض المواد الاستهلاكية كمادة الحليب؟ – في إطار مشروع الحكومة الإلكترونية، الذي شُرع في تجسيده ميدانيا في جميع القطاعات، يعكف قطاع التجارة على مواكبة التطور الحاصل في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، على غرار باقي القطاعات، بدءا من السجل التجاري الإلكتروني، مرورا بإنشاء شبكات تواصل داخلية بين مختلف المديريات الجهوية والولائية، وصولا إلى إنجاز نظام مبكر للإنذار، وكذا مراجعة القوانين المتعلقة بشروط ممارسة الأنشطة التجارية، وكذا حماية المستهلك وقمع الغش، الذي صادقت عليهما غرفتا البرلمان خلال الأسابيع الفارطة، كما قد تمت المصادقة من قبل على القانون المتعلق بالتجارة الإلكترونية. وبهذا؛ نحن نطمح للوصول إلى إنشاء قاعدة الكترونية للتحكم في تموين ومراقبة السوق بالمواد الأساسية وواسعة الاستهلاك، بالإضافة إلى القضاء على المضاربة. كما هو الشأن بالنسبة لمادة الحليب التي عرفت في وقت سابق تذبذبا في التوزيع، لكن السياسة التي انتهجتها الحكومة، والقاضية بزيادة حصة الملبنات العمومية، والخاصة من بودرة الحليب، مكنتنا من تجاوز هذه الوضعية. * يشهد شهر رمضان في كل موسم، تزايدا كبيرا على الطلب على المنتوجات واسعة الاستهلاك، وهو ما يساهم في ارتفاع الأسعار والتهاب الأسواق، ما خطة الوزارة في هذا الاتّجاه؟ لقد اتخذنا عدة إجراءات تهدف أساسا إلى ضمان تموين ومراقبة السوق، خاصة خلال الشهر الفضيل، حيث تم التحضير لها بداية بعقد اجتماعات تنسيقية مع مصالح الوزارة ووزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، ومختلف الدواوين العمومية التي تساهم في ضمان تموين كاف للسوق بالمواد الاستهلاكية، بعد إعداد وتفقد المخازن. وفي هذا السياق، خصصّنا بالتنسيق مع الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، والاتحاد العام للعمال الجزائريين، وغرف التجارة والصناعة، وغرف الفلاحة، 159 سوقا جوارية خاصة بشهر رمضان، حيث تم افتتاحها عبر كل ولايات الوطن، 4 أيام قبل بداية الشهر الفضيل. وهي أسواق تمكّن المواطنين من اقتناء مستلزماتهم وحاجاتهم بأسعار تنافسية. كما أشير إلى أن هذه الأسواق ستسمح للمنتجين بالبيع مباشرة للمستهلكين، لتكون تجربة لتخفيض الأسعار خلال شهر رمضان. كما تم في هذا الشأن تجنيد 8 آلاف عون رقابة عبر التراب الوطني، للسهر على مراقبة الأسواق والمحلات التجارية عن طريق الفرق. وقد وضعت الوزارة نظاما معلوماتيا يتعلق بمتابعة مؤشرات الأسعار على مستوى أسواق الجملة والتجزئة، ما سيسمح بتسجيل أسعار المواد الغذائية الأساسية والخضر والفواكه واللحوم الحمراء والبيضاء في وقتها. وفي حالة حدوث ارتفاع كبير في أسعار المنتجات، فإن خلية التحليل ستقوم بفتح تحقيق من أجل تحديد الأسباب، واتخاذ الإجراءات اللاّزمة. * هناك تخوف من مشكل الندرة المرتبط بقائمة المواد الممنوعة من الاستيراد، كيف ستتصدون لتأثيرات هذا القانون على السوق الجزائرية؟ – لقد عملت مصالحنا بالتنسيق مع مختلف شركائها أثناء إعداد قائمة المواد الممنوعة مؤقتا من الاستيراد، على عدة شروط، أبرزها استشراف عدم وجود ندرة المواد في السوق الجزائرية، وتم اتخاذ إجراء المنع بالنسبة للمواد التي تنتج محليا، بهدف تقليص فاتورة الاستيراد، وترقية المنتوج المحلي، وصولا إلى حماية الاقتصاد الوطني. * هل سيكون هناك تعديلات جديدة على قائمة ال 851 مادة الممنوعة من الاستيراد في الأيام المقبلة؟ – كما تمت الإشارة إليه آنفا، فإن قائمة المواد المعلقة من الاستيراد هي قائمة مؤقتة، وهذا معناه أنها قابلة للمراجعة في أي وقت، وطبعا فإن تعديلها سيكون ضروريا بمشاركة المتعاملين الاقتصاديين، كما حدث مؤخرا مع "المنكهات" التي تم رفع الحظر عنها مؤخرا. * هذا المنع أدى إلى التهاب كثير من السلع، فهل فكرتم في المواطن البسيط ذي الدخل المحدود؟ – في الحقيقة، لاحظنا ارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية، سواء كانت المستوردة أو المنتجة محليا، وهذا راجع -حسب المعاينات التي قامت بها فرق الرقابة- إلى المضاربة، وبعض الممارسات غير النزيهة من قبل بعض التجار. وقد تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللاّزمة ضد من ثبت تورطهم في ذلك، ويبقى المواطن أو المستهلك هو الحلقة الأساسية التي تعمل مصالح الوزارة على حمايتها. * قررت الوزارة الأولى مؤخرا دعم شعبة الحليب في القطاعين العمومي والخاص، هل تم فعلا البدء في دعم الملبنات تحسبا لشهر رمضان؟ – بخصوص سؤالكم هذا، فإن الحكومة، وعن طريق الديوان المهني للحليب، قرّرت دعم الملبنات بكميات إضافية من بودرة الحليب، تقدر ب 4.5 طن شهريا، ستمكن من إنتاج 50 مليون لتر، وقد شرع فعلا في تزويد الملبنات بالكميات المبرمجة لها. * هل هناك تدابير لقمع الغش في مجال توزيع الحليب الذي يشهد الكثير من الخروقات، سيما ما يتعلق بتوجيه البودرة التي تدعمها الدولة لصناعة مشتقات الحليب؟ – بالفعل، فإن مهام مصالح الرقابة وقمع الغش تسهر على محاربة كل ظواهر الغش مهما كان أصحابها، وعلى كل المواد، ولا يستثنى من هذا أي منتوج أو مادة يتاجر بها. * ما مدى تفاعلكم مع حملة "سراق الحليب"، التي أطلقتها منظمة حماية المستهلك لمحاربة تحويل توزيع الحليب، وكيف تتعاملون مع هذه الجمعية التي تعنى بكشف تلاعبات التجار وحماية المستهلك؟ – تعتبر الجمعية من بين الشركاء الفاعلين للوزارة، ويتم دوريا استقبال أعضائها للاستماع إلى انشغالاتهم ومقترحاتهم، على غرار باقي الجمعيات والمنظمات المهنية الساهرة على حماية وترقية المستهلك. أما بخصوص الحملات التي تطلقها هذه الجمعيات، وكما سبق ذكره آنفا، فإن مصالحنا تعمل على محاربة كل أشكال الممارسات غير المشروعة، سواء تعلق الأمر بالحليب أو غيره من المواد الاستهلاكية الأخرى. * نجحت الجزائر في رفع إنتاجها من الاسمنت بتوجهها للتصدير، فيما تتجه حاليا لتصدير الحديد، إلى أي مدى يمكن أن يساهم الأمر في تعزيز توازن ميزان النفقات؟ – لا يخفى عليكم أن الجزائر تعمل جاهدة للخروج من التبعية للمحروقات، عن طريق تنويع صادراتها، وكذا التقليص من الاستيراد عن طريق الإنتاج المحلي. وفي هذا الصدد، وجب التنوية بالدعم الذي تقدّمه الدولة للمصدرين، خاصة ما تعلّق بالتعويضات التي يتلقونها من صندوق دعم الصادرات، والتي تصل إلى 50 بالمئة من تكلفة النقل. وبالعودة إلى توجّه الحكومة لتصدير الحديد، بعد الإسمنت، فإن فاتورة الواردات بإمكانها أن تتقلص، وهو ما سيمكّن من تحقيق توازن في ميزان المدفوعات. * عودة ارتفاع البترول خلال الأسابيع الماضية، وتجاوزه عتبة ال 75 دولارا، هل يمكن أن تؤثر في الميزان الاقتصادي من ناحية إيجابية؟ – الخبر يسرنا، ولكن يجدر الذكر أنه حان الوقت لتغيير الذهنيات والتوجه إلى البحث عن البديل الفعلي للبترول، وهو ما تعمل الحكومة على تجسيده ميدانيا، من خلال تنويع ودعم وترقية الإنتاج الوطني وصولا إلى التصدير. * هل هناك إمكانية للسماح بإنشاء أسواق تعمل بمقياس 24 ساعة في بعض الأحياء الشعبية، والجديدة منها تحديدا، والتي تضم أسواق نظامية؟ الحكومة تعمل جاهدة على القضاء على الأسواق الفوضوية، واستبدالها بأسواق نظامية، وهو التوجّه الذي تم بموجبه تحرير العديد من الفضاءات التي كانت تسير بطريقة فوضوية. كما يجب التنويه بأنه، وفي إطار البرامج التنموية التي شرع في إنجازها منذ بداية سنة 2000، رصدت الحكومة موارد مالية هائلة لإنجاز المنشآت التجارية على جميع الأصعدة، بما في ذلك ما يفوق 2000 سوق جوارية، والتي تعرف تقدما كبيرا في الاستلام، وتدخل تدريجيا في نطاق الشغل. * ننتقل للأسئلة التي تقترب من شخص الوزير سعيد جلاب. ما قيمة العمل لديك؟ – في شبابنا في السبعينات، كان للعمل قيمة كبيرة، فقد كنت وأنا في الطور المتوسط والثانوية أعمل في القطاع الفلاحي خلال العطل، وقد كان أول عمل لي في سن جد متقدمة. فكنت أجمع الخضروات والبقوليات بعين تيموشنت مسقط رأسي. وكنا ندخر الأموال لشراء الأغراض والأدوات المدرسية. ومن هنا تعلمنا قيمة العمل، (المسؤولية والاعتماد على النفس).. فوالدي رحمه الله لم يكن بحاجة لدعمي ماليا حتى وأنا في ال 14 من العمر. فعائلتي كانت متوسطة الدخل، مكونة من 9 أفراد (الوالدان و6 أولاد وبنت)، ودعمها ومساعدة الوالد كان أمرا ضروريا لا نقاش فيه. * حدّثنا عن مسيرتك الدراسية والمهنية؟ – نلت شهادة البكالوريا في شعبة الرياضيات، ومن غرائب الصدف أنني تأخرت في التسجيل في تخصص الهندسة، ووجدت نفسي بالصدفة في المعهد الوطني للزراعة بالحراش. وفي ذهني كنت أسعى للعمل في التجارة. وضمن المجال الزراعي كان هناك تخصص "تجارة". وبعد أن أمضيت 3 سنوات في الجذع المشترك، توجهت لتخصص التجارة الذي أفضله. وكانت شهادة تخرجي كمهندس دولة بمذكرة بعنوان "التمويل البنكي للفلاحة". وسجلت في "الماجستير" سنة 1991 .. وفي بداية التسعينات عينت كأصغر نائب مدير في الجزائر، في الميدان الفلاحي دائما. ثم تخصصت في مجال ال GATT أي ما يسمى بالاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة، ثم أصبحتْ منظمة التجارة العالمية OMC، وكنت أصغر عضو في الغرفة التي قادت المشاورات لانضمام الجزائر إلى هذه المنظمة في جنيف في سويسرا سنة 1998. ومنذ انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999، كنت أيضا عضوا في الوفد الذي قاد المشاورات مع الاتحاد الأوروبي. ووقعنا الاتفاقية معه سنة 2001. وبعد أن أنهينا المشاورات مع الاتحاد الأوروبي، استأنفنا العمل على ملف منظمة التجارة العالمية. ولكن هذا الملف أصبح من اختصاص وزارة التجارة، ولهذا تم تحويلي من وزارة الفلاحة إلى وزارة التجارة لدعم المشاورات في هذا الجانب، وفي سنة 2003 عينت مديرا مركزيا لتنظيم التجارة الخارجية، ثم في سنة 2010 عينت مديرا للمعاهدات الجهوية والتجارية، وفي سنة 2015 تم تعييني مديرا عاما للتجارة الخارجية، ليتم تعييني مؤخرا من رئيس الجمهورية وزيرا للتجارة، وذلك منذ أفريل 2018. * سيرة حافلة بالنشاط والإنجازات، لكن ألا ترى أنك قصرت بالمقابل تجاه العائلة؟ – لا أنكر ذلك، في 2001 رزقنا ببنتين توأم، ورغم أن زوجتي مهندسة في الزراعة، إلاّ أنها ضحّت من أجل عائلتها، وتوقفت عن العمل للتكفل بالأطفال. * كم عدد أبنائك؟ – لدي ثلاث بنات، وكلهن مدللات أبيهن. * ما نوع الغناء الذي يستهوي الوزير؟ – في شبابي كنت أسمع الراي، بحكم أني من منطقة غرب الوطن، مثل أغاني خالد ومامي، وبحكم إقامتي بالعاصمة أصبحت تجذبني أغاني الشعبي، وحتى الأغاني الغربية، مثل أغاني برايان آدمس. * ما طبقك المفضل؟ الكسكس بطبيعة الحال، والذي تعده الزوجة كل جمعة. * هل تدخل المطبخ وتساعد على إعداد المائدة؟ – عكس ما قد يعتقده البعض، أحسن الطبخ جيدا وأجيده، وهو هواية تستهويني، سيما ما يتعلق بالعجائن والوجبات السريعة. * هل تفضل القهوة أم الشاي؟ – الشاي طبعا .. ولا أحب القهوة كثيرا. * ما الفريق الذي يشجعه السيد سعيد جلاب؟ – المنتخب الوطني بدون منازع. * ما آخر كتاب قرأته؟ – أقرأ المجلات الاقتصادية والبورصات خاصة، وأيضا إصدارات "فيليب مان" في المجال الاقتصادي، والاقتصاد الليبيرالي، والعولمة، وكل ما يتعلق بمجال اختصاصي. * هل تمارس الرياضة؟ – أكيد، ولكن طبعا ليس كما في السابق عندما كنت أمارس الكرة الطائرة. العمل الإداري جعل الوقت ضيقا، لكني أستغل كل فرصة تتاح لي لممارسة العدو. * كيف يقضي السيد جلاب يومياته في رمضان؟ – أحب الخروج للتسوق، والإشراف على ذلك بنفسي، كل يوم جمعة، وأساهم في إعداد أطباق بسيطة، كالسلطة وما يشبه. وأقضي بقية السهرة مع العائلة بعد التراويح. حاورته ندى فتني