هناك علاقة خاصة جداً يعيشها المدخن مع سيجارته، تشبه حالاً من العشق… المميت! إذ يعلم أنّها مضرّة جداً على صحته ومع ذلك يرفض الإقلاع عن تعاطيها، ويعلن أنه لا يستطيع الاستغناء عنها لأنها تساعده في تفريغ كثير من الضغوط النفسيّة التي يعانيها يوميّاً. النتيجة؟ اعتلالات صحيّة لا نهاية لها، لا تبدأ من الرئة ولا تنتهي عند القلب والشرايين. ومنذ عقود، تبذل «منظّمة الصحة العالميّة» جهوداً ضخمة من أجل رفع الوعي بخطورة الأمراض التي تنتج من تعاطي التبغ، بل كرّست لإزالة ذلك الخطر يوماً سنوياً شعاره المستمر هو «اليوم العالمي لحظر التبغ». وفي عام 2018، جرى الاحتفاء بذلك اليوم الدولي تحت شعار «التبغ يدمر القلب، فاختر صحتك وليس التبغ». واغتنمته المنظمة الأمميّة كي تدعو إلى تبنِّي سياسات ناجعة في تخفيض استهلاك التبغ، مشيرة إلى أنّ تعاطيه يعتبر أحد الأسباب الأساسية للوفاة المبكّرة والإعاقة بين شعوب الأرض كلها. ولفتت أيضاً إلى أنه من عوامل الخطر الرئيسة المؤدية إلى الإصابة بأمراض في شرايين القلب التاجية Coronary Arteries (الشرايين التي تغذي عضلة القلب)، والسكتة الدماغيّة Stroke، واعتلالات الأوعية الدموية التي توصل الدم إلى أعضاء الجسد كلها، وتعيده إلى القلب. وفي ذلك السياق، أشار الدكتور حسام قنديل، رئيس قسم أمراض القلب والأوعية الدموية في كلية الطب في القصر العيني (وهي تابعة لجامعة القاهرة)، إلى أنّ التبغ يشكل خطراً كبيراً على صحة القلب. ولاحظ أن معرفة شرائح واسعة من الجمهور بأنّ التبغ واحد من الأسباب الرئيسة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية لا تزال متدنيّة. وشددّ على ضرورة نشر الوعي بما يسبب التبغ في أشكاله كلها من أضرار على الصحة، ملاحظاً توافر حلول عدة لمشكلة الأمراض والوفيات المرتبطة بعادة تعاطي التبغ. أول الدراسات جاء من أميركا ذكّر قنديل أيضاً بأن تدخين التبغ وتعاطيه انتشرا وثبّتا نفسيهما كعادة اجتماعية قبل عقود طويلة من ظهور دراسات عن الأخطار التي يتعرض لها المّدخّن، وهي لم تظهر إلا في منتصف القرن العشرين. وأضاف: «بين أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات من ذلك القرن، ظهرت نتائج دراسة أميركيّة أولى شملت 5 آلاف شخص. وجرت دراسة العادات الغذائية والصحية وأسلوب الحياة اليومية لدى تلك العينة الواسعة. وكانت أبرز نتائج تلك الدراسة أنها وثقت علمياً وبطريقة لا لبس فيها، الخطورة الضخمة التي يشكلها التدخين على صحة القلب والأوعية الدمويّة، كما لاحظت أن الأخطار تتفاقم مع وجود عناصر أخرى كنوعية الغذاء، وعدم ممارسة الرياضة، والركون إلى الخمول والبدانة وغيرها». كذلك أشار قنديل إلى أن التبغ يحتوي مكوّنات مضرّة تساهم في تآكل الأنسجة التي تبطّن جدران الشرايين المغذّية للقلب، وتزيد سرعة ضربات القلب، وتسبّب تصلّب الشرايين، وترفع لزوجة الدم ما يساعد على حدوث الجلطات التي تحدث انسدادات متنوعة في الشرايين التاجية. وتالياً، مع انخفاض تغذية عضلة القلب، تصاب الأخيرة بالضعف وتهبط كفاءتها في تدوير الدم في الجسم بالطريقة الطبيعية، فتحدث حال تسمّى طبيّاً «الهبوط الاحتشائي للقلب» Congestive Heart Failure. في السياق عينه، أورد قنديل أرقاماً موثقة تشير إلى تسبّب التبغ في قتل 100 مليون شخص في القرن العشرين، فيما 80 في المئة من المدخنين يعيشون في الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل، وترتفع في تلك البلدان أعداد من يتعرضون لمضار التدخين في شكل غير مباشر أو ما يسمّى «التدخين السلبي» Passive Smoking. الأرياف المدخّنة رسم قنديل صورة مفزعة عن حال تعاطي التبغ في مصر حاضراً. وأوضح أن بلاد النيل تشهد ارتفاعاً في نسب المدخنين في الأرياف، إذ تصل إلى 60 في المئة، وتنخفض في مناطق العيش الحضري إلى قرابة 45 في المئة. وأشار إلى حدوث تحسّن ملحوظ لصحة الإنسان في حال الإقلاع عن التدخين لمدة سنة أو أكثر. وشدد على أن تعاطي التبغ والتنشق السلبي لدخانه يسهم بنسبة 17 في المئة في الوفيّات الناتجة من أمراض القلب. ولفت إلى أن التدخين يعتبر ثاني أهم أسباب الإصابة بأمراض القلب والأوعيّة الدمويّة بعد مرض ارتفاع ضغط الدم. وضمن أرقام عالميّة، يتبيّن وجود ما يزيد على 7 ملايين شخص يموتون بسبب تعاطي التبغ، من بينهم 900 ألف مدخن سلبي، بمعنى أنهم يدفعون من صحة ثمن العادات السيئة عند آخرين! وفي السياق عينه، لفت الدكتور جواد المحجور، المدير بالإنابة ل «مكتب إقليم شرق المتوسط» في «منظمة الصحة العالميّة» إلى أن «أمراض القلب والأوعية الدموية هي السبب الرئيس للوفاة والإصابة بالمرض في معظم بلدان إقليم شرق المتوسط. إذ قضى بسببها 1.4 مليون شخص تقريباً في الإقليم في 2015… وتشير التقديرات إلى أن الوفيّات بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية، مرشحة للتزايد في العقد المقبل بأكثر مما يحدث في أقاليم العالم، باستثناء القارة الأفريقيّة». وكذلك شدد على غياب الوعي بالحقائق العلمية المتصلة بالتدخين، عن شرائح كبيرة من الناس، خصوصاً فهم الحقيقة البسيطة المباشرة التي تفيد بأن تعاطي التبغ هو السبب الرئيس للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وبيّن أن ذلك المعطى يمثل سبباً أساسياً في سعي «منظمة الصحة العالميّة» إلى رفع وعي الجمهور بالعلاقة بين التعاطي المباشر التبغ والتعرُّض للتدخين السلبي من جهة، وأمراض القلب والأوعية الدموية من الجهة الثانية.