استضاف معهد واشنطن والمجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية في العاصمة الأمريكيةواشنطن كلّ على حدة أمين عام رابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى بحضور قيادات المعهد والمجلس وعدد من النخب الدينية والسياسية والفكرية الأمريكية. واستعرض أمين الرابطة خلال اللقاءين الأسس التي يرتكز عليها خطاب ومفاهيم الاعتدال، موضحاً أن الرابطة لقيت ترحيباً عالمياً بمبادراتها وبرامجها في الداخل الإسلامي وخارجه والتي تتركز على ثلاثة أهداف أولها إيضاح حقيقة الإسلام ويتضمن ذلك نشر وتعزيز الوعي بالمفاهيم الصحيحة للإسلام في الداخل الإسلامي، ولاسيما التوعية ببعض النصوص الدينية والوقائع التاريخية والمصطلحات الإسلامية التي سعى التطرف لتحريف معانيها لصالح أجندة تشدده النظري أو تشدده العنيف أو الإرهابي. وقدم لذلك عدداً من الأمثلة والوقائع والمصطلحات، مشيراً إلى أن هذا الهدف يشمل أيضاً إيضاح المفاهيم الصحيحة عن الإسلام لغير المسلمين من خلال الحوارات والكتابات العلمية والفكرية بوسائل اتصالها المتعددة. وأكد أن المعلومات آحادية الجانب سببت تضليلاً لمن لم يكن لديهم منهج صحيح في مصادر المعلومات وأن الإسلاموفوبيا كمثال كانت ضحية تلك المنهجية الخاطئة. وقال أمين عام الرابطة :” إن هناك أخطاء صدرت عن بعض أتباع الأديان لا يتحملها إلا من صدرت عنه وأنه لا يمكن مثلاً أن نحمل المسيحية أو مذهبها الكاثوليكي تحديداً أخطاء ما يسمى بالحملات الصليبية التي رفض عدد من الفقهاء والمؤرخين المسلمين تسميتها بالصليبية بل أنشأوا لذلك مصطلحاً جديداً لأول مرة يدخل القاموس الإسلامي وهو الفرنجة لأنهم رفضوا نسبة تلك الأخطاء الفادحة للمسيحية مدركين أن أهدافها كانت سياسية تحمل راية دينية غير صحيحة وقد شاهد المسلمون برهان ذلك في إبادة قرى مسيحية أرثوذكسية بالكامل خلال هذه الحملات، والأمثلة على ذلك كثيرة تشمل وقائع لأتباع أديان أخرى، ونحن في الإسلام لا معصوم عندنا في أقواله وأفعاله إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم والذي كانت جميع حروبه من أجل الدفاع ولمواجهة الظلم والاضطهاد ولم يدخل معركة مطلقاً من أجل فرض الإسلام على الآخرين. أما الهدف الثاني من أهداف رسالة الرابطة فهو مد جسور الحوار والتعاون مع أتباع الأديان والثقافات والعمل معهم في دائرة المشتركات، مبيناً أن 10% منها فقط كاف لإحلال السلام والوئام في عالم اليوم، ولدى الرابطة في هذا مشروع مهم تعمل عليه في دول الأقليات الدينية والإثنية يتعلق بتعزيز الاندماج الوطني الإيجابي والإسهام في سد ثغرات وزارات الاندماج حيث يعاني عدد منها أخطاء أعاقت خططها وبرامجها، كما أن الرابطة تنشر الوعي لدى الجميع بأهمية تفهم سنة الخالق في الاختلاف والتنوع والتعدد وأنه إذا وجد الاختلاف فلا يعني عدم التفاهم، وإذا وجد الاختلاف فلا يعني عدم التعاون والتعايش كما لا يعني أيضاً عدم المحبة والتسامح، وهذه القيم تمثل لدى جميع الأسوياء راسخاً لا يُستدعى لحالة معينة أو زمن خاص بل يمثل ثابتاً وقاعدة عامة. والهدف الثالث للرابطة هو أعمال الإغاثة والرعاية والتنمية في الأماكن المحتاجة وهي متاحة للجميع دون أن يكون هناك أي تفريق لأسباب دينية أو إثنية لكن هذه الأعمال تكون عن طريق الحكومات وليس الأفراد والمؤسسات مهما تكن درجة الثقة بهم. ودار بعد ذلك نقاش مطول أجاب فيه الدكتور عن أسئلة الحضور في كلا اللقاءين والتي شملت عدداً من الموضوعات المهمة. فيما أشاد الحضور بتميز اللقاءين وشفافية الطرح المتبادل فيهما، الذي شمل فك كثير من اللبس والتداخل حول بعض المفاهيم، ومن ذلك التفريق بين التشدد الفقهي والتطرف الفكري، ومفهوم الجهاد، والأمة، والوطن، والخلافة، والولاء والبراء، ومعنى مصطلح الكفر في الإسلام، وماذا تعني الدعوة في الإسلام، وما حدود علاقة المسلم بغيره، وهل الثقافة الإسلامية رافضة وكارهة للثقافة الغربية وما مستوى الثقة بينهما قديماً وحديثاً وأسباب ذلك. وقد أجاب الدكتور العيسى عن كل منها بإيضاح لاقى تفهم الجميع فيما اعتبر النقاش الثري حولها وثيقة فكرية مهمة أوصى بعض المتداخلين بطباعتها ونشرها. إلى ذلك أوضح أن الدين الإسلامي تأسس على عقيدة توحيدية تحترم الآخر وترعى حقوقه وكرامته وتعزز إيجاباً بفاعلية قيم إخوته الإنسانية، وعندما نقول بفاعلية نقصد أن مفهوم الأخوة الإنسانية المجرد موجود ومسلم به أياً كانت طبيعة العلاقة مع هذه الأخوة سلبية أو إيجابية فالأخوة الإنسانية قدر إلهي محتوم فالإنسان أخو الإنسان شاء أم أبى وهي عامة وخاصة، لكن يبقى تفعيل هذه الأخوة بالشكل الإيجابي فنحن نريد الزمالة والوئام الإنساني. وأضاف: بأن تلك العقيدة هي عقيدة سمحة في تشريعها الداخلي وفي تعاملها مع الآخرين فهي تؤمن بأحقية الآخر في الوجود بل وتتعايش معه وتُسدي إليه العون والإحسان ومعنى ذلك أنها تؤمن بالحكمة الإلهية في الاختلاف والتنوع الديني، كما رسَّخ الإسلام قاعدة “لا إكراه في الدين” ودعا إلى الإحسان للجميع والعدل معهم من مسلمين وغيرهم، كما دعا لتأليف القلوب واللين مع الآخرين، ونهى عن أي خُلق يؤدي للشدة والغلظة، كل هذا بنصوص قرآنية واضحة. وتساءل الدكتور العيسى هل كان التطرف بوجه عام أو العنيف منه أو حتى الإرهابي يجهل تلك النصوص؟ وإذا كان لا يجهلها فلماذا لم يطبقها وبمعنى آخر ما هو موقفه منها؟ وأسهب معاليه في الإجابة على ذلك بالمحتوى الذي لاقى تفهم واستحسان الحضور. وفي سؤال حول الفرق بين تنظيمي القاعدة وداعش أوضح العلاقة بينهما وأوجه الفرق، وختم بأن تأسيس كل منهما مر بمنبع وفكر واحد وأن كثيراً منهم كانوا قبل داعش في خندق إرهابي واحد. وعن أسباب وجود هذه الظاهرة الإرهابية وتناوب أدوارها أجاب :” سبق أن قلنا بأنه لا يوجد دين في أصله متطرف أو إرهابي، كما لا يخلو دين من أتباع له متطرفين أو إرهابيين، وأن هذا جرى عَبْر التاريخ من دين لآخر بين مد وجزر، وأنتم تعلمون أن التنوير تمت إعاقته في أوروبا عدة قرون بسبب التطرف الديني، وأن الأحكام الصادرة بتهم الهرطقة ضد علماء أبرياء كان فصلاً قاسياً في التاريخ الإنساني. وأضاف : إن الوعي التاريخي الإسلامي لم يرض بتسمية الحروب الصليبية إلا بحروب الفرنجة وهو مصطلح ناشئ جرى تداوله في ذلك الوقت لأنهم على يقين بأن المسيحية الحقيقية لا تفعل ذلك وهي التي وصف القرآن أتباعها بالمودة للمؤمنين والتواضع وعدم التكبر على الخلق ومن ذلك استخدام غطرسة القوة والهيمنة الظالمة، كما أن تلك الحملات أبادت قرى مسيحية أرثوذكسية، وبناء على ذلك فليس كل من رفع راية الرب كان محقاً، وقد صدر عن البابا يوحنا بولس الثاني اعتذار شجاع عن أخطاء تاريخية للكنيسة الكاثوليكية.