أظهر اجتماع الحكومة الأخير، حول مدى التقدم في تنفيذ قرارات الحكومة المتعلقة بضمان التوازنات الاقتصادية الكبرى من خلال ترشيد الواردات والحفاظ على احتياطات الصرف، لاسيما شعبة القمح، والتي سمحت إلى الأن باقتصاد حوالي 400 مليون دولار لفائدة الخزينة العمومية. هذا وأشارت توقعات الفلاحيين إلى ارتفاع محاصيل القمح لموسم الحصاد 2019، وهي السنة التي تبشر بالخير، والسؤوال المطروح هنا، أنه ورغم تسجيل الجزائر في السنوات الأخيرة فائضا في شعبة القمح، حيث سجلت الجزائر سنة 2018 إنتاجا قياسيا للحبوب بما يعادل60,5 مليون قنطار، منها 31 مليون قنطار قمح صلب و7,9 مليون قنطار من القمح اللين، بالإضافة لى 9,6 مليون قنطار من الشعير، في وقت تقوم فيه الجزائر باستراد هذه المادة ما قيمته تتراوح بين 500 ألف و600 ألف طن سنويا، فما هي الأسباب الكامنة وراء استراد هذه المادة الحيوية، والتي لخص مجموعة من الخبراء الاقتصاديين ل ” الحوار” في مجموعة من الأسباب.
ارتفاع انتاج القمح مع ارتفاع فاتورة استراده هذه هي الأسباب وفي السياق، أوضح الخبير الاقتصادي سليمان ناصر في حديثه ل ” الحوار”، أن الجزائر توصلت خلال العام الماضي لأول مرة إلى إنتاج 6 ملايين طن من الحبوب أي ما يمثل نصف الكمية المستهلكة سنوياً والمقدرة بحوالي 12 مليون طن، ونحن هنا نتحدث عن الحبوب بشكل عام وبجميع أنواعها، ونعلم أن القمح بنوعيه الصلب واللين يشكلان جزءاً هاماً من هذا الإنتاج والذي ارتفع مرة أخرى سنة 2019، لكن مع ذلك نجد أن فاتورة استيراد الحبوب ارتفعت في سنة 2018 ب 11.55 % عن سنة 2017، ووصلت فاتورة هذه المادة إلى 3.1 مليار دولار سنة 2018، وهو ما يمثل 36 % من واردات المواد الغذائية في تلك السنة، مرجعا أسباب ذلك إلى عدة عوامل وعلى رأسها الطلب متزايد على هذه المادة خاصة وأن الخبز يشكل مادة أساسية في مائدة الجزائريين، نتيجة للنمو الديمغرافي، علما أن الخبز مادة مدعمة من طرف الدولة أي متوفر في السوق بسعر في متناول الجميع، وما لحقها من التبذير الكبير الذي وصل إلى مستويات خطيرة بسبب عدم غلاء هذا المادة، بالإضافة إلى عوامل أخرى ثانوية منها، تذبذب الإنتاج من سنة لأخرى بسبب الأحوال الجوية، وضعف قدرات التخزين لدى كثير من منتجي الحبوب حيث من المعلوم أنهم يبيعون إنتاجهم للدولة، وأحياناً تمتنع السلطات المعنية عن قبول كميات كبيرة بسبب ضعف إمكانيات التخزين.
هذه الاسباب وراء تعطيل عمليات توزيع القمح وهناك عامل مهم لا يعرفه الكثير، وهو أن هناك لوبيات محلية (للأسف) مدعومة من فرنسا لمحاربة أي زيادة في الإنتاج المحلي ووضع العراقيل البيروقراطية أمام الفلاحين والمنتجين للتوسع في المساحات المزروعة بالقمح خوفاً من فقدان فرنسا لحصتها المصدرة إلى الجزائر وهذه حقيقة وليست مبالغة، تماماً كما حدث من قبل مع قضية التفاح المستورد من فرنسا، لذلك أرى أن سوق الحبوب واستيرادها يحتاج إلى ضبط كبير كما أعلنت الحكومة مؤخراً، ولكن ليس الضبط من حيث الكمية فقط ولكن قبل ذلك معالجة كل العوامل السلبية التي تبقي على فاتورة استيراد هذه المادة مرتفعة بل في تزايد مستمر، وأهم الأمور التي تحتاج إلى إعادة النظر ضرورة التخلص من التبعية لفرنسا في هذا المجال مهما كانت حصتها وتنويع الشركاء وما أكثرهم في العالم.
قطاع الفلاحة بحاجة إلى نظام دقيق للإحصاء أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور هارون عمر في حديثه ل ” الحوار”، أن الاحصائيات التي تقدمها الدولة في مجال حجم وكميات الحبوب التي تنتجها الجزائر سنويا وأن ما يتم الإعلان عنه ليست أرقام دقيقة يمكن الاعتماد عليها في بناء تحليل منطقي وعلمي للإنتاج، وذلك حسبه يعود إلى غياب ما يسمى بالنظام الدقيق للإحصاء، وقال هارون إن الكميات المنتجة من القمح والتي حققت فائضا يخص القمح الصلب، علما أن آلحاجة الاستهلاكية لدى الفرد الجزائري تكمن في القمح اللين” الفرينة” الواسعة الاستهلاك، فضلا عن تذبذب في عملية الانتاج الفلاحي الجزائري، تارة بفعل الفلاح نتيجة عدم إيجاد طرق تصريف وتوزيع منتجاته الفلاحية، فيضطر في الموسم الفلاحي الموالي اللجوء إلى إنتاج محاصيل زراعية مغايرة، وتارة بفعل المناخ وشح الأمطار، فضلا عن غياب شبه الكلي لغرف التبريد وتخزين المنتوج لضمانه من التلف، كل العوامل السالفة الذكر جعلت الحكومة الجزائرية تلجأ إلى استرادها في السوق الدولية، مع السداسي الثاني من كل سنة، حتى تضمن الوفرة في السوق الوطنية، بين هذا ذاك، فالفلاح بحاجة ماسة إلى من يقدم له ضمانات كافية حتى يقوم بالعملية الإنتاجية في ظروف حسنة.
قلة غرف التبريد وضعف آلية التسويق تجبر الفلاح إتلاف محصوله من جهته، أرجع الخبير الاقتصادي الدكتور هارون عمر في تصريحه ل ” الحوار”، أنه بعد القضاء على المشكل الرئيسي للفلاحة في الجزائر المتمثل في احتكار الأراضي الصالحة للزراعة من قبل المستثمرات الفلاحية، إلى انتقلت الجيل الثاني من ابناء اصحابها الذين لم يعودوا فالغالب مهتمين بالفلاحة . هذا المشكل سرعان ما حل بعد انطلاق استصلاح الأراضي جنوبا حيث ساهمت العملية في الرفع من الأراضي الصالحة للزراعة بنسبة كبيرة جدا وهو ما رفع المحصول الجزائري من الخضر والفواكه بشكل غير مسبوق الامر الذي انعكس على الأسعار التي انخفضت في مجملها ب 50 في المئة، إلا أن وأمام ندرة الآليات والميكانزمات في وسائل اللوجستية كغرف الخزين و تسويق المنتوجات و اصطدمنا بقلة خطوط النقل المختلفة، خاصة سكة الحديد القادرة على توزيع المنتوجات، كل هذا يقف حجرة عثر أمام عملية تصدير منتجاتنا الفلاحية، مضيفا إن الجزائر اليوم تدخل مرحلة جديدة من خلال البحث عن سبل تطوير وسائل النقل الخاصة بالمنتجات الفلاحية خاصة وآليات التسويق داخليا وخارجيا لان بقاء الامر على ما هو عليه سيجعل الفلاح يتكبد خسائر كبيرة في المحصول ويتجنب زراعته السنة التي تليها وهو ما يفسر ان الإنتاج الفلاحي الجزائري متذبذب من سنة لاخرى لان الإنتاج الوفير من اي سلعة اصبح يكبد الفلاح خسائر كبيرة و يجبره على رمي محصوله. إن تراجع الهيمنة السياسية سيجعل الاقتصاد الوطني متحرر ولن تجبرنا أي دولة على الاستيراد منها بشكل اجباري كما كان يحصل لنا والمرحلة القادمة المسؤولية فيها مشتركة بين الفلاحين والمسؤولين لدراسة العوائق الميدانية والقضاء عليها بشكل كامل حتى تعود الجزائر الواحة التي تضمن غداء أوروبا كما تضمن الان غازها. نصيرة سيد علي