كورونا جسرا -عفوا نموذجا- بقلم الدكتور فاروق طيفور .. وكانت ميزة هذا (المابعد) أنه ارتبط بالأفكار الكبرى التي تجلّت في مفهوم واسع وغامض ومشوش هو “ما بعد الحداثة”، الذي استخدم لأول مرة في حوالي سبعينيات القرن التاسع عشر في مختلف المجالات، ثم “ما بعد” بعد الحداثة، والتي تجلت وأخذت لبوس السياسية والتنافس السياسي، سواء على الأرض بالقوة الجبارة، أو بالنظريات الكبرى والصراع بينها (الماركسية وفروعها، والوضعية وفروعها، والإسلامية وأشكالها). إذن، فإن سؤال المعرفة سيبقى مُشرعاً على سعةِ وعمق المخيال البشري وتجلياته، حتى في أغربها، وأبعدها استشرافاً، وإشراقاً، وحدوساً، فبعد أن سمعنا بما بعد الحداثة، سمعنا أيضا عن مابعد الاستعمار وما بعد الصهيونية وما بعد الحركة الإسلامية ووصلنا إلى ما بعد الإنسانية، واليوم نتحدث ونبحث ما بعد كورونا. وإذا كانت الثقافة الإسلامية قد حسمت في موضوع المابعد إنساني بآيات قرآنية صريحة لا تقبل التأويل والتفسير، بأن ما بعد الحياة في الأصل وليس فقط ما بعد الإنسان بعث ونشور وحساب وعقاب وجنة و نار و خلود في أحدهما، فإن الثقافة الغربية لم تحسم في الأمر، بل راحت المدرسة المادية والإلحادية تتحدث عن أنه “لا إله والحياة مادة” وهكذا. فالقطيعة التي أصبحت تأخذها كلمة (مابعد) اليوم باتت خطيرة لأنها تهدد الجذور والمرجعيات والأصول، وكأن العالم يتهجى وجوده بلغة أخرى. لكن ما يغيب أحيانا هو الالتباس الناجم عن التداخل بين مصطلحي ما تحت وما بعد والاستخدام التقليدي لمصطلحات من طراز ما بعد الواقع أو ما فوقه، كما في ‘السوريالية' و'الميتافيزيقا' أصبح قابلا للتمدد. ولكن ونحن نتحدث عن أجوبة المستقبل من خلال جائحة كورونا نحو هذا المستقبل غير المعروف، وجب أن نعرج على ما تحفل به مدرسة “المابعدية” من نظريات ومداخل تفسيرية، لنقترب من معالجة الظاهرة المرصودة والمدروسة. وعلى اعتبار أن وباء كورونا انتشر في كل العالم من الشرق إلى الغرب، وأصبحت أغلب الدول الكبرى تعتبر الانتصار عليه مؤشرا ومقياسا لقوتها واستمرارها في الحضور الدولي، مما يجعلنا نعتبر في بداية هذا المقال العلمي أن وباء أو جائحة كورونا قضية دولية وعالمية بامتياز أو يراد لها أن تكون كذلك، فهي رقم واحد في جدول أعمال وأجندة الكبار الذين يكاد ينهكهم الوباء إذا صحت الأرقام المعلنة، وصار يؤثر في حاضر ومستقبل العلاقات الدولية بشكل مباشر.. يتبع