رمضانيات مهاجر الغربة..والفن الجزائري بقلم رياض بن وادن حلّ أول شهر رمضان في الغربة وأنا بدون مقعر هوائي (پرابول) من أجل التقاط القنوات الجزائرية..ففي ذلك زمن البعيد لم تكن هناك التلفزيونات الخاصة مثل اليوم..فقط ما يمكن مشاهدته هي قناة كنال ألجيري..فاقترح عليّ صديقي السي لخضر رحمه الله تعالى أن يعطيني الهوائي المقعر الذي لم يعد هو في حاجة إليه. يومها اكتشفت كذلك بأن السي لخضر إذا مشى أسرع..فجسده النحيف كان يؤهله لذلك..كان حريصًا على الوقت من أجل أن يلحق بالميترو الذي ينقله إلى منزله..الوقت عنده كان هو الحياة. وصلنا إلى المنزل..لم تمر ساعة من الزمن إلا وكان الپاربول بين يدي..عدة قطع من الحديد مع قصعة دائرية معدنية كبيرة..تساءلت؛ يا إلهي كيف سأحمل كل هذا إلى البيت؟..وأي وسيلة نقل سآخذ؟..اخترت الباص عن الميترو لأنه كان الأقرب..صعدت الباص بكل تلك القطع الحديدية..كان البعض ينظر إليّ..كنت أتصبب عرقا..ربما كنت أول جزائري يحمل في يده پارابول في باص في السويد. لقد كان بالنسبة لي مشاهدة القناة الجزائرية بعد الإفطار شيء مقدس..كنت أحب مشاهدة السكاتشات..كانت تخفف عني ثقل الغربة..وتقربني ولو نفسيا بالعائلة في بلدي..تربطني ولو معنويا بالعادات وأجواء صيام رمضان..يومها شعرت بالحقيقة التي لابد من الإيمان بها..سأفتقد كثيرا رمضان الجزائر..هكذا كتب الله في لوحه المحفوظ. كنّا نجلس بعد الإفطار ونبدأ مشاهدة برنامج القناة الجزائرية..أذكر يومها كان يبث سكاتش للفنان الجزائري حميد عاشوري..كان في جينريك السكاتش أغنية جميلة وراقصة يظهر فيه الفنان حميد وهو يسرق من الجزار جزرة كاملة لخروف معلق بجانب مدخل المحل الجزار ويهرب مسرعا..كنا نضحك كثيرا من هذه اللقطة..وتضحك كذلك زوجتي السويدية حتى يحمر وجهها الأحمر ذكرها الله بخير وشفاها وأعاد لها صحتها. وعلى ذكر الفن الجزائري في بلاد المهجر..أتذكر في سنة من السنوات أني درست فن التصوير وهو مقياس إضافي درسته من أجل تكملة النقاط للحصول على منحة الدراسة..ويوم عَلِم َ المدرس بأنني جزائري..أخذ يحدثني عن عشق ابنته للأغنية الجزائرية وخاصة أغنية الراي..وحسب الأسماء التي ذكرها كان من بينها المرحوم إيدير رحمه الله الذي غادرنا قبل يومين..قال لي: كلما استمعت ابنتي لأغانيه إلا وبكت كثيرا تأثرا بالموسيقى ولحن الأغاني..هذا المدرس كان يعشق هو كذلك الصحراء الجزائرية..خاصة منطقة الأهڤار. الغربة بدون متابعة البرامج الجزائرية والعربية لا تطاق..لا ذوق للصيام فيها دون تتبع الحصص الفكاهية والسكاتشات..سكاتشات الزمن الجميل..وليس المقالب التافهة والفارغة التي أصبحت تبث اليوم، أو تلك التي تسيء إلى ديننا وأخلاقنا وإلى أمهات المؤمنين. ومنذ تلك اللحظة، لم يفارق منزلي القنوات الجزائرية على اختلافها الخاصة والحكومية..فهي وسيلة لتتبع أخبار البلد..وكذلك لإضفاء جو رمضان الجزائر..وأملي أن يكون مباركا للجميع..أن نحيا بعشق الوطن..ورغم بعد المسافات فهو قريب مني بفنه وثراته وثقافته..وبكل ما فيه.