في رحلة استغرقت 6 ساعات على متن السيارة انطلاقا من العاصمة نحو ولاية باتنة، وبالتحديد الآثار الرومانية تيمقاد حيث استقر بنا الحال وسط عراقة شعب ارتأى العيش وسط طبيعة غناء، مستوطنا جبالا شامخة حفظت عديد الأحداث منذ الأزل .كانت الجزائر منذ القدم حاضنة للعديد من الشعوب والأعراق، لا تأبه جنس الساكنة او لونها، بل تحتوي كل من وطأت قدماه أرضها، ومدته خالص الشرف انه استوطن يوما مروجها وجال بين أوصالها. روبورتاج/ نبيل ف * قصة تيمقاد الأثرية بنى الإمبراطور تراجان، الذي حكم في الفترة من 98م إلى 117م، مدينة تيمقاد في عام 100م، لتكون إحدى المستعمرات المزدهرة التابعة للإمبراطورية الرومانية في إفريقيا، وتحديداً في الصحراء الكبرى في الجزائر. وسرعان ما أصبحت تيمقاد مدينة حيوية وصاخبة، إذ كانت مسكناً لقدامى المحاربين من جيش تراجان العظيم، كما كانت مكاناً لاستعراض قوة الرومان ضد السكان الأصليين من قبائل البربر التي كانت تسكن في الأجزاء الشمالية والغربية من القارة الإفريقية، ثم ما لبثت أن أصبحت مركزاً تجارياً تمتع قاطنوها بالسلام والرخاء لقرون عدة. * انعكاس لفن العمارة الروماني تضم المدينة القديمة عدداً من المعابد، والحمامات العامة، ومجموعة متنوعة من المساكن التي تخص طبقات مختلفة من المجتمع، بالإضافة إلى منطقة تجمع عامة، ومكتبة عامة، وأسواق، ومسرح، ومحكمة رومانية. لم تُستوطن تيمقاد قبل بنائها، لذا بُني كل شيء من الصفر، باستخدام النظام الروماني للتخطيط. فشكلها الخارجي مربع تماماً، مع العديد من التقاطعات الرئيسية داخل المدينة، ما يسمح بتدفق المرور بسهولة مثل كل المدن الرومانية، فالشارع العابر من الشمال إلى الجنوب في تيمقاد يسمى كاردو. ساحة التجمع في تيمقاد هي تفصيلة مميزة أخرى للتخطيط العمراني التي كان يستخدمها الرومان. استخدم الرومان ساحات التجمع باعتبارها ميادين عامة، يمكن أن يبيع فيها السكان السلع، أو من أجل التجمعات العامة.
* عنوان الجمال والفخامة يتسم تصميم الرومان لتيمقاد بالجمال والفخامة، فالمدينة يمر فيها شارعان رئيسيان ينتهي كل منهما بباب ضخم مصنوع من الحجارة الرومانية المنحوتة بأجمل النقوش والرسوم، ويزينه عدد من الأعمدة التي لازالت تحتفظ ببهائها إلى الآن، ويمثل هذان البابان البوابات الرئيسية للمدينة، والتي قد تقف عندها في اندهاش وذهول من ضخامتها وجمالها بالإضافة إلى تناسقها. * تناسق عمراني يبهر الزائرين يمكنك مشاهدة العديد من الآثار الرومانية الجميلة في هذه المدينة ومنها (الفورم) الساحة العمومية في وسط المدينة، والمعروفة بساعتها الشمسية الضخمة المكونة من خطوط طويلة متعامدة تحدد الوقت بانعكاس أشعة الشمس عليها، ويحيط بالساحة المجلس البلدي ومعبد الإمبراطور وقصر العدالة، بالإضافة إلى السوق العمومي الذي يضم مجموعة من المحال التجارية التي تجد على أبوابها وجدرانها العديد من النقوش التي تؤرخ لها، والتي تعتبر شاهدة على نمط معيشة الرومان وحياتهم اليومية. ولك أن تعلم أن دورات المياه الرومانية كانت واحدة من الأماكن الرئيسية في الحياة اليومية في الإمبراطورية الرومانية، وقد كانت علامة من علامات الحضارة والرفاهية في العهد الروماني القديم، ويمكنك أن تستدل على هذا الأمر من خلال التصميم والتنظيم، وكذلك التناسق الهندسي الذي يبدو جلياً في الكثير منها، والبالغ عددها 14 دورة مياه. * أجمل أقواس الإمبراطورية حاضرة هنا لا يفوتك أن تزور "المكتبة العمومية" التي تتكون من ثمانية أرفف، وكانت ثاني مكتبة رومانية في العالم آنذاك، ويمكنك زيارة ما يسمى "قوس تراجان" الذي شيد في القرن الثاني تخليداً لانتصارات تراجان، والذي يعتبر من أجمل الأقواس التي عرفتها الإمبراطورية الرومانية.. اما مسرح المدينة الشهير، فيتسع لأكثر من 3500 متفرج، ويعتبر من أبرز المعالم الأثرية في المدينة، وكان يخصص للعروض الفنية والترفيهية المختلفة، ويستقطب الفنانين من داخل المدينة وخارجها، ورغم مرور قرون من الزمن، إلا أن المسرح الروماني في تيمقاد ما زال حتى يومنا هذا يستضيف سنويا مهرجانا للطرب، وقد غنى على مسرحه العديد من الفنانين العرب مثل ماجدة الرومي وكاظم الساهر وغيرهما من رموز الطرب العربي. أما معبد سريسيوس فيعد من أشهر المعابد في تيمقاد، وقد تعرّض للتآكل الجُزئيّ بفعل العوامل الطبيعيّة، وخصوصاً الزلازل التي ضربت المدينة، وقامت السلطات بترميم المعبد، وإعادة بنائه ليعود إلى شكله السابق. ويقطع المدينة طريقان رئيسيان وهما المحور الرئيسي الشمالي الجنوبي، والمحور الرئيسي الشرقي الغربي، ولها أربع بوابات رئيسية، وهي بوابة الشرق المتوجه نحو مدينة خنشلة، وبوابة سيرتا الشمالية، وبوابة تبسة الجنوبية، والبوابة الغربية نحو مدينة "لامبيز".
وتوجد في تيمقاد مكتبة تمّ اكتشافها في عام 1906 وعثر فيها على نصوص باللغة اللاتينيّة القديمة، تتناول التاريخ الرومانيّ القديم، وتم أيضا العثور على العديد من الوثائق التاريخيّة، فيما تعرضت مخطوطات أخرى وكتب إلى التلف بسبب عوامل الطبيعة، وتُقدّر الإحصاءات أن المكتبة كانت تحتوي على أكثر من 28000 مخطوط وكتاب. ويمثل قوس النصر الموجود عند المدخل الجنوبيّ لمدينة تيمقاد واجهةً بالنسبة إليها، إذ كان يستعمل كبوابة كبيرة للمدينة، يتم من خلالها تنظيم حركة السير، سواء تعلق الأمر بالمشاة أو العربات التي تدخل وتخرج من المدينة، وتمت إضافة بعض النقوش إلى القوس في عهد الامبراطور الروماني سيفيروس.
* متحف تيمقاد فسيفساء نادرة شاهدة على الثراء الأثري يستمد متحف تيمقاد أهميته من الفسيفساء النادرة المتربعة على 1121 مترا مربعا جعلت منه جوهرة لا تقدر بثمن، وأيضا المتحف الوحيد تقريبا بالجزائر الذي يحتوي بين جدرانه على هذه المساحة الهامة من الفسيفساء. ويحتوي حاليا متحف المدينة الأثرية تاموقادي الذي أعيدت تهيئته مؤخرا على 86 لوحة فسيفساء مختلفة الأحجام، منها 84 معروضة للزوار داخل قاعات المتحف الثلاث، فيما تبقى لوحتان محفوظتان ومنها فسيفساء زنجي، وتنفرد فسيفساء هذا المتحف بالخلفية السوداء لكل لوحاتها، مما يقوي فرضية وجود مدرسة قائمة بحد ذاتها في هذا الميدان، حيث امتد تأثيرها إلى غاية هيبون أو بونة (عنابة)، والبحث جار للتأكد ما إذا كانت هذه المدرسة قد استحدثت بتاموقادي ثم امتدت إلى المناطق المجاورة لها أم العكس، خاصة وأن فسيفساء متحف تيمقاد تطغى عليها الزخرفة النباتية، وهي إحدى الخاصيات التي تشتهر بها فسيفساء شمال إفريقيا. وتحكي فسيفساء متحف تيمقاد التي تم استخراجها خلال 76 سنة من الحفريات التي انطلقت في الموقع الروماني سنة 1880 إلى غاية سنة 1956 بدقة كبيرة الحياة اليومية للرومان ومعتقداتهم في تلك الحقبة، واللوحات هذه أنجزت بتقنية رومانية لكن بروح سكان المنطقة الأصليين. وتبهر محتويات المتحف كل الزوار الذين بدأوا في التهافت على المتحف، ولا تتوقف أهمية متحف تيمقاد على فسيفسائه النادرة فحسب، وإنما تشمل بابه الذي زين بإطار منحوت تم جلبه من كنيسة القديس باتريس قريقوار (تيمقاد)، وتعلوه النقيشة المخلدة له.