تعتبر مدينة جميلة الأثرية بولاية سطيف، تحفة فنية عريقة لمدينة أثرية رومانية لازالت بعد مئات السنين من بنائها شاهدة على عصر مرت به المنطقة، حيث يكتسيها جمال خاص نظير هندستها المعمارية الرومانية الأصيلة وفنيتها الرائعة التي جسدت بها مختلف أجزائها من الركح المسرحي إلى الأحياء والأعمدة الشاهقة. ويطلق على المدينة الأثرية اسم "كويكول" وهي الصروح التي بناها الرومان للمدينة الأثرية الواقعة على بعد خمسون كيلومتر شمال شرق مدينة سطيف، وتشكل المدينة مزارا لعديد السياح الجزائريين والأجانب الذين يحجون إليها سنويا لاكتشاف معالمها والوقوف على ما تحمله من روائع فنية خاصة، عملت الرومان على تجسيدها عمرانيا في المدينة التي لازالت رغم تداول العقود والقرون علامة من علامات حاضرة تأبى الإندثار. هذا ويكتشف زائر المدينة الأثرية مدى دقة اختيار هذا الموقع الذي كان في القرون الماضية مدينة رومانية لا تطأ رجل مفكر، عالم، شاعر أو مسؤول ما إلا وطلب زيارة لمعلمي عين الفوارة الروماني الذي يتوسط مدينة سطيف، أو منطقة جميلة الأثرية التي تحتوي فسيفساء تاريخية تصور الآثار مدينة أحياؤها حسنة التنسيق والزخرفة، وشوارعها محفوفة بالأروقة، توجد بها ساحتان عموميتان أولهما كانت تعتبر مركز الحياة السياسية للمدينة، بها قاعة اجتماع مجلس الشيوخ والمحكمة ومعبد فينوس. وتقع هذه الساحة العمومية على جانب الطريق أو الكاردو الرئيسي شرقا، وهي ساحة مبلطة طولها 48 م وعرضها 44م. "جميلة" منطقة تاريخية مطبوعة بوسم الحضارة الرومانية صنفت منظمة اليونسكو مدينة جميلة الأثرية كموقع ضمن مواقع التراث العالمي. وتعتبر جميلة أبلغ مدن نوميديا دلالة على الماضي بمدرجها "كويكول" العتيق، و "جميلة" مدينة واقعة في بلاد وعرة جرداء، كانت تغطيها في الماضي الغابات وسنابل القمح. وقد تأسّست في أواخر القرن الأول، وبلغت أوجها في عهد أسرة الأنطونان، وتصوّر الآثار مدينة أحياؤها حسنة التنسيق، وشوارعها محفوفة بالأرتجة، وتوجد فيها ساحتان عموميتان أولهما محاطة بالكابيتول وقاعة اجتماع المجلس البلدي والمحكمة ومعبد فينوس كما كانت مهيكلة في العهد الروماني الذي بنيت فيه المدينة، وحول الثانية المعبد المشيّد تكريمًا لأسرة سيفيروس وقوس نصر كراكلا والحمامات التي لم يؤثر فيها الزمان كثيرًا والسوق، والمنازل المترفهة الأنيقة.وقد كان أمام المدخل الرئيسي للحمامات الموجودة في جنوب جميلة، المتجهة من الشرق إلى الغرب رتاج له اثنى عشر رواقًا، وكانوا يدخلون من بهو يقضي إلى قاعة للرياضة على شكل قبو، ويمرّون من إحدى قاعتي الملابس إلى قاعة التبرّد وهي فسيحة الأرجاء ثرية الفسيفساء وصفائح المرمر، فيها حوضان صغيران وحوض كبير تفصله عن الحوضين الآخرين مجموعة من أعمدة المرمر الوردية اللون. و تأتي بعد ذلك الغرفة السخنة. وفي جانبها منفذان يقضيان إلى الغرفة المعتدلة الحرارة، وإلى حوض صغير ماؤه سخن. و أخيراً إلى المحم، وتفضي الغرفة المعتدلة الحرارة إلى قاعة التمسيد.كانت دكاكين كوزلنيوس في جميلة شبيهة بدكاكين تيمقاد، ولكنها أكثر خزفًا، كما كان لهذه السوق رتاج خارجي مرفوع على ستة أعمدة، وبركة وغرفة للموازين وتماثيل للمؤسس وأخيه والإله مركور.أما بخصوص الفوروم القديم بمدينة جميلة وهو الركح الأثري الذي كانت تقام به المسرحيات والخطب والمحاضرات العلمية والفكرية، والمباني العمومية المحيطة به يرجع أن لم تؤسس إلا لاحقا بعد بناء المدينة. وجزء منها يعود إلى القرن الثاني الميلادي. وفي أواخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث ميلادي أصبح حصن المدينة الأصلية يضيق بمن وبما فيه، وكانت حركة التوسع العمراني هذه سبب بناء ساحة عمومية ثانية سميت أيضا فوروم الجنوب أو ساحة السيفيريين Place des Severes. وعلى عكس المخطط الكلاسيكي، فإنّ هذه الساحة ذات الشكل غير المنتظم كانت أوسع من الفوروم القديم وأقل منه ازدحاماً. كما كانت مفتوحة لحركة المرور، وكانت تشرف عليها بنايتان عظيمتان هما قوس النصر الذي أقيم عام 216م على شرف الإمبراطور كرا كالا. والمعبد الكبير الذي يتقدّمه مدرج وكانت مدينة جميلةقد أقامت هذا المعبد الكبير عام 229 تخليدًا وتقديسًا لأسرة سيفيروس المالكة. فمن فوق هذه الساحة العمومية الفسيحة يتبيّن للمرء في الحين، أنّ الأمر لم يعد يتعلق بفوروم مستطيل كلاسيكي مستو وممهد في إتقان، ومحاط بتماثيل ونصب، ينم انتظاما وتناسق زخارفها ونقوشها، عن وجود نظام وتخطيط مهيأين مسبقًا، بل على العكس من ذلك، فإنّ هذه الساحة تقع على انحدار يزداد تفاقمًا ابتداء من قوس نصر كاراكالا، وليست كل واجهاته مستقيمة حيث أن واجهتي الشمال والشرق فقط مستقيمتان.و على الواجهة الغربية كان ينتصب قوس نصر كاراكالا. الذي أعيد ترميمه اليوم، وكان يستخدم كمدخل للساحة، وبالقرب من هذا القوس، فتحت سوق أقمشة كانت متوسطة بالفوروم الجديد.الكابيتول هو المركز الديني والسياسي في جيميلة يقع في الشمال الشرقي للفوروم، يكرس لعبادة جوبيتير، جونو، مينيرفا. شكله مربع يتكون من ستة أجزاء، إنهار موقع مكان التضحية لكن لايزال أمام الدرج إلى الحرم سليما مع أعمدة تصل إلى 14 متر في الفوروم.الكنيسة تقع في الجزء الغربي من الفوروم على مساحة تفوق 532 م2، وشيدت عام 169م في عهد الامبراطور فوريس. وكانت بمثابة مبنى محكمة ومنطقة تبادل السلع.ويعتبر مسرح جميلة المتجّه إلى الشمال من أبرز المسارح التي بناها الرومان في مدنهم التي شيدوها بالجزائر،وقد حفر في هضبة تستند إليها مقاعد المدرجات، وما زال هذا المسرح يحفظ إلى الآن احتفاظًا كاملا بالجدار المواجه للخشبة، والمزين بكوات مستديرة حيناً ومربّعة حينًا أخر، بقصد الحصول على صدى جيد للأصوات. ويمكن الدخول إليه من قوس ساويرس الذي يفتح على الساحة، ويمكن أن يستوعب أكثر من 3000 متفرج كانوا في الماضي يوضعون وفقا للرتبة الاجتماعية، مجلس الشيوخ والفرسان في الصف الأمامي، والناس في الأعلى. منازل فاخرة وأحياء تدلل على رفاهية سكانها أما بخصوص المنازل والمباني التي كان يسكنها العامة من الناس نجد فيها عدة منازل جميلة وفاخرة وببناء هندسي راقي يؤكد على الذوق الفني الراقي الذي كان يتمتع به الرومانيون، البعض من تلك المنازل يوجد في المدينة القديمة، أجريت حولها مؤخرًا دراسات معمقة. وقد أصبح بفضل النقوش، والفسيفساء، معرفة أسماء بعض مالكي هذه الديار، أمثال كاستوريوس التي بُنيت داره على أرض مساحتها 1600م2 وهو أحد الحاكمين مع لوسيوس كولود يوس بروتو. وعلى غرار كل المنازل الغنية كان منزل كاستوريوس ينتظم حول باحة داخلية يحفّها رواق معمد تحيط به غرف مختلفة..وقد ترك الرومان معالم كثيرة تدل على وجود الفترة المسيحية في الجزائر منها كنيستين مزخرفتين بمختلف أنواع الفسيفساء والنقوش الحجرية الخلابة وكنيسة صغيرة ومساكن خاصة تخدم رجال الدين . وكذا متحف يقع داخل الحديقة، ويضم به عدة الاكتشافات الأثرية في الموقع نفسه ويجمع بعض الآثار النادرة الفريدة من نوعها. هذا كله إضافة إلى تنوع فسيفاسئها المليئة بالألوان الباردة تمثل المواضيع الأسطورية، مثل ضريح باخوس المستوحاة من أسطورة ديونيسوس.يتكون المتحف من حديقة بها فناء وثلاث غرف مسقفة بها شواهد وأعمدة وأما الباحة الخلفية يتواجد بها الفسيفساء والمنحوتات. مهرجان جميلة العربي... احتفاء بالمدينة وتراثها العريق يقام سنويا في المدينة العتيقة "كويكول" مهرجان جميلة العربي، الذي يجمع أعمدة الطرب العربي بمسرحها الروماني العتيق، ويلقى المهرجان متابعة واسعة سواءا من طرف اهالي المدينة الحديثة الذين يقدمون اليه ليستمتعوا بحضور عروض فنية باهرة وغنائية لمطربين عرب كبار، أو من طرف الزوار الذين يستقطبهم المهرجان من خارج ولاية سطيف وحتى من خارج الوطن والذين يجدون في المهرجان فرصة للتعرف عن قرب عن المدينة الأثرية وما أنتجه الرومان قديما من قيمة فنية هندسية.