ها هي ميم بوميض عينيها وبريق بسمتها وبهيئتها المميزة وبأسئلتها المتدفقة.. ترمي شباكها في باكي، هي لا تعلم أني أعلم.. قد تشك أحيانا، وتحذر أخري، فأبعد عنها حبل اليقين بقشة تلهو بها.. طفلة تكبر هي.. وتغامر، آه، لاتجعليني جزيرتك الأولى ولا السابعة.. لازالت بيننا بحار يا ميم، تشكل رؤيتها.. وتريد جوابا محددا تتوقعه أكثر أراوغها قليلا أو كثيرا حسب وقتي وحالتي النفسية، وأتعبها أو أخفف عنها ثم ألقي إليها بصيدها الثمين، أو بخيبة ترتج لها وتغضب. تهتف في الأولى: - آه ما أريده بالضبط عرفته.. يكفي الآن.. - أما في الثانية فتقول: - آه.. منطلقاتنا ليست واحدة، كيف تحولت هكذا غير معقول.. - أقول لها بأدب جم: - لا أحب أن أجابهك بما تكرهين.. ولكنك.. لا تسلمين بالصمت.. أو الإغضاء، تريدين منطقا ومفاتيح الأشياء فها هي أسخطتك أم أسعدتك. أضع شبكتها في شبكة أوسع، هي لا تحس أحيانا بذلك، وإن أحست فقد لا يهمها الأمر بقدر ما تهمها الجيم، يجب أن لا تبقى سيناتها معلقة.. يهمها أن تضفي مسحة جديدة على المعلوم. أو إظهار جزئية لم يسلط عليها الضوء كفاية. أو تفتعل أمرا لا يمت بصلة إلى الحقيقة ولكنه كظل الحقيقة يمكن أن يقنع من يطلبه. أما أنا فتأسرني حرارتها وبهجتها وطموحها.. ولكنني أخالفها في غير قليل من الأشياء والأفكار، وآخذها على مهل.. حتى تستطيع.. أن تقرب بصرها وبصيرتها من بصري وبصيرتي ويكون مرمى البحر في النهاية واحدا ولو تلون بنظرتها ونظرتي.. فيكون هو الواحد المتعدد منظورا إليه من مختلف الجوانب لا من جانب أحادي، البحر من بعيد مجرد مرج أخضر. والبحر من قريب شيء آخر.. السراب من بعيد ماء.. وفي النهاية محال في محال.. المهم أن تكتب تقريرها بحرارة ومهارة. وهي تستطيع أن تصوغه كذلك فعلا. حيث يبدو أنها تغرف من بحر بينما هي، تنحت من صخر والكلام كقوس قزح ومهرجان الألوان السبعة ولا سلطان سوى للفعل. على كف المستقبل تطرح الحاضر.. وعلى كف الحاضر تطرح الماضي وتحاول إيجاد نقاط الوصل والفصل وإثارة نقاط الهمز واللمز وتلميع ما يكون وفق منظورها وطبيعتها. إيه يا ميم... لن أبعدك عني تماما.. وقد تفعلين ذلك يوما.. ولا يضيرني ذلك.. فأنا بنت يومي مثلك، وما يأخذه الطوفان لا أطمع فيه. هذا لا يعني أن قبولي لك بوجه من الوجوه مفتعل.. ولكنه يعني أننا مسافرتان وفي طريقنا تتكشف غيوب وتغيب عنا كشوف.. هذا قدرنا لن أعمل إلا على شاكلتي وكذلك أنت.. لن أقرأ الأوهام فيك.. فأمامي لجج وجبال وعوالم.. تحتاج إلى أن أغوص إلى قرار اليقين أولا وأخيرا، فاسبحي في موجك الصيفي وأبحري ولوحي لي بمنديل أخضر وضحكة بيضاء فلقد كرهت الصواري السود والمستنقعات الحمر.. يا ميم. وإلا، فإن المسافر بين ليلين، غير المسافر بين ضوء وظلمة وغير المسافر بين نورين وإلى إفضاءات أخرى يا ميم أول الفجر القادم.