تمكن الزعيم الليبي معمر القذافي من توجيه رسالة قوية إلى ورثة إيطاليا الاستعمارية وهو ينزل على أرضية مطار روما، بعد أن وشّح صدره بصورة لأحد رموز المقاومة في ليبيا الشهيد عمر المختار، بل وزاد في بلاغة الرسالة اصطحابه لأحد أحفاد البطل الشهيد عمر المختار، ليمخر بعجلات كرسيه المتحرك عباب البساط الأحمر الممتد من الطائرة إلى القاعة الشرفية للمطار. وإن كان مجيء الخطوة بعد تقديم إيطاليا اعتذارا رسميا عما خلفه استعمارها لبلاد طرابلس الغرب، وتقديمها تعويضات فاقت الخمسة ملايير أورو في شكل استثمارات مباشرة في ليبيا، إلا أن تجوال عمر المختار في شكليه، صورة وحفيدا على أرض شانقيه رسالة أخرى مفادها أن الاعتذار وتقديم التعويضات عن الضرر يطوي الصفحة ولا يمزقها، وهو ما نطمح إليه نحن الجزائريين من جلادي الأمس وورثتهم اليوم، وقد شنقوا الآلاف المؤلفة ممن هم على شاكلة البطل الشهيد عمر المختار. كما أن الضرر والفساد الذي هندسته فرنسا الاستعمارية في هذه البلاد فاق كل الأوصاف، فلم ينج منه لا بر ولا بحر ولا جو، بل ورث رجسه ونجاسته إلى أجيال عديدة بعد رحيله، ويكفي تمثيلا على ذلك ما فعلته، وما تفعله الإشعاعات المتبقية من التفجيرات النووية التي كانت الصحراء الجزائرية مسرحا لها، وكيف أنها أنتجت لنا أمراضا لم تكن في الأقوام التي كانت قبلنا.. قلت هذا الضرر لن يجبره الاعتذار، وهذا الرجس والنجاسة لن تغسلها التعويضات بأموال الدنيا كلها، ولن يفيد تمنع وتعزز من لا عزة له علينا وهو يبرر صنيعه بأن الضرر نال الطرفين، نال الجلاد الوافد من وراء البحار وهو يتفنن بوحشية في صناعة الموت، ونال الضحية التي كانت تستبسل في صناعة الحياة على أرض الآباء والأجداد، والحفاظ عليها من قتل الجلاد لها. ما سبق يقودنا إلى التأكيد للمرة المليون ونصف المليون أن ورثة فرنسا الاستعمارية التي ورثوا عنها كثيرا من أخلاق وتصرفات المستعمر، ستجابه وتقاوم بالأخلاق الموروثة عن الأمير عبد القادر، والشيخ المقراني والحداد، وقادة ثورة الزعاطشة، ولالا فاطمة نسومر، وعميروش وديدوش ومصطفى بن بولعيد، وزيغود يوسف، وسيأتي اليوم الذي سيتجول فيه هؤلاء في عاصمة الجن والملائكة كما تجول قبل أسبوع من الآن عمر المختار وطيف عمر المختار في شوارع روما وقصورها.