لنكن صرحاء مع أنفسنا، ونقول أن كثيرا من الحكام العرب لا يأخذون تصريحات العقيد معمر القذافي بالجدية المطلوبة، لكن الإنجاز التاريخي العظيم الذي حققه القذافي مع إيطاليا، التي اعترفت بجرائمها في ليبيا واعتذرت للشعب الليبي عن الحقبة الاستعمارية ثم تعويضها بمبلغ "رمزي" يقدر ب 5 مليار دولار، يجب أن يحمل الحكام العرب على التراجع عن نظرتهم للزعيم. فالإنجاز الذي حققه القذافي لليبيا لا يقل أهمية عن الإنجاز التاريخي الباهر الذي حققه الثائر عمر المختار في حربه ضد القوات الإيطالية المحتلة. إن ليبيا القذافي دولة "تقول لا"، فأكثر من مرة تعترض على مواقف دول غربية كبيرة، فهي لا تنساق كما ينساق غيرها ركضا وراء كل مبادرة تأتي من الغرب، فهي "تزن" مصالحها ثم تبادر. وكان آخر دليل على ذلك "رفض طرابلس المشاركة في قمة الإتحاد من أجل المتوسط"، في الوقت الذي شارك في عدد كبير من القادة العرب ولم يجنوا شيئا سوى "تزيين ديكور" منصة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي صاحب المبادرة. صحيح أن ليبيا تنازلت للغرب عن مشروعها النووي، وصحيح أنها سلمته مباشرة لواشنطن عقب إلقاء القبض على الرئيس العراقي الشهيد صدام حسين، وصحيح أن طرابلس عوضت الغرب في قضية لوكاربي وقضية ملهى بيونس آيرس، وغيرها، لكن الأصح أن ليبيا أدركت أن العالم تغير وتفاوضت بناء على تلك التغيرات، والسياسة هي أخذ وعطاء، هي مكاسب وخسارة أو التقليل من الخسارة. القذافي يدرك أن البترول والغاز هي اليد التي توجع أوروبا، وأن سيارة واحدة من ثلاث سيارات في إيطاليا على الأقل تسير بالمحروقات الليبية، ويدرك أن الوضع في روسيا والوضع في العراق هو فرصة مواتية للتفاوض مع روما وحملها على الاعتذار ودفع التعويضات. ولا ينبغي أن ننظر إلى مبلغ 5 مليار دولار على أنه مبلغ "هزيل" إنه رمزي وليبيا تدرك هذا، لكن مجرد التعويض والاعتذار الرسمي، يصبح المبلغ أكثر من 5 ألاف مليار دولار، فالقيمة معنوية أكثر منها قيمة مادية. وتزامن التوقيع الرسمي على الاعتذار والتعويض مع احتفال ليبيا بذكرى الفاتح "العظيمة"، لتضفي قيمة مضافة على هذا التاريخ.. تاريخ وصول القذافي إلى الحكم في ليبيا. عندما ضرب الأمريكيون ليبيا عام 1986، وصمدت ليبيا للقصف العشوائي الأمريكي المركز والمكثف استهدف حتى بيت العقيد القذافي، قرر القذافي تغيير اسم ليبيا بإضافة كلمة "عظمى" اعترافا وتقديرا بصمود الشعب الليبي، لتصبح "الجماهيرية العربية الليبية العظمى"، إن إنجاز القذافي مع إيطاليا، يؤكد أنها عظمى فعلا. فالعبرة بالنتائج يا ناس.