خوسيه ساراماغو له مفهومه الخاص للشهرة.. شغلته هذه الكلمة حد كتابة رواية عنها.. الشهرة بالنسبة له ليست بالشيء الإيجابي دائما.. قد يشتهر أحدهم لأسباب سلبية، قمة المجد شهرة وحضيض العار شهرة.. الشهرة بالتالي ليست سوى أن تكون معروفا بشكل أو بآخر.. لكن ساراماغو يرى أن هناك مستوى لكل شيء.. كلنا معروفون بدرجة أو بأخرى.. في الحي الذي تقطن فيه في العمل الذي نشتغل به في أوساط الأهل والأصدقاء والأقارب.. قد تتسع دائرة معارف الشخص لأسباب محددة ، وقد تضيق لأسباب معينة.. ومهما بلغت شهرة الشخص يظل مجهولا لدى أغلبية الناس.. حصول خوسيه ساراماغو على جائزة نوبل للآداب لم يغير شيئا من مفهومه للشهرة ولم يتراجع عن وصفه لها ''بالخواء'' الشيء الوحيد الذي يجده إيجابيا في موضوع الشهرة بالنظر لكونه وصل إلى درجة أصبح فيها معروفا إلى حد ما في العالم، هو تعرّفه شخصيا على المزيد من الناس وليس العكس ،أي أن يعرفه المزيد من الناس، ومما يراه الروائي المذكور شيئا جيدا في الشهرة تلاقيه مع الآخرين عبر المراسلات التي تصله من قرائه وهذه الرسائل تتضمن بالخصوص أفكار القارئ وما يتفاعل في ذهنه من مشاعر من خلال حقيقة أو علاقة نشأت بينه وبين الكاتب جراء قراءة مؤلف له . التعامل والتعاطي مع المشاهير يختلف في مجال إلى آخر.. فليس من يتعامل مع أديب مبدع مثل من يتعامل مع عالم رياضي مثلا أو فيزيائي فهؤلاء رغم أنهم يتلقون طلبات توقيع الأوتوجرافات لكن أحدا لا يكتب إليهم ليتحدث مثلا عن حياته ..قد تلقى كاتب رسالة من أحدهم يتحدث له فيها عن معاناته وهمومه ويعرض له تجاربه وأفكاره ويقول له في أن كتابك أو مقولتك الفلانية غيرت حياتي.. لكن لا أحد يراسل زيدان أو رونالدو مثلا ليقول له إن هدفك الفلاني قد غير حياتي مع أن مثل هؤلاء المشاهير لهم صيت يتخطى العالم أجمع تقريبا، ولا يضاهي لا من قريب ولا من بعيد شهرة أي كاتب وإن نال جائزة نوبل، لذا فان الشهرة من أخذها على أنها خيلاء فهي ستصبح كذلك فعلا.. أما إذا اتخذتها على أساس أنها ليست خيلاء فارغة فهي ستضيف لصاحبها في رأي ساراماغو المزيد من المسؤوليات. والنهاية عنده مأهولة ومسكونة بالشك.. الشهرة يراها الأديب النوبلي المذكور تعامل بجدية مبالغ فيها ''حياتك قد تستمر ستين أو سبعين أو ثمانين أو مائة عام وهذا لا شيء... أنت مكتوب عليك أن تكون لا شيء، وبالإضافة إلى ذلك أنت مكتوب عليك أن تكون ما كنته.. كل هذا سيذهب إلى النسيان، كله سيختفي.. كله سينتهي بعد بضعة قرون، أو بعد بضعة سنين وفقا للأهمية أو للاأهمية.. أما إذا كنت تؤمن بأبدية الشهرة وأن هذا سيؤدي بالأجيال القادمة إلى أن تظل تنطق اسمك.. وتذكر اسمك إلى الأبد بالتبجيل والتقدير فإنك تخدع نفسك.. وهذا بالتأكيد سيصبح مخدرا... ساراماغو لازال أكثر الناس اندهاشا وتساؤلا: لماذا أحب الناس بعض رواياته.. أكثر الأشياء تعقيدا بالنسبة إليه هو معرفة سبب هذا الحب.. يتمنى لو يسألهم ..لو يعرف ماذا وجدوا فيها، كيف غيرت حياتهم مثلا وعلى أي نحو تغيرت حياتهم.. لا زال ساراماغو يدهش وهو يحضر حفلات تكريمه.. لماذا؟.. لأنه ألف بعض الكتب؟.. لأنه قال بعض الكلمات..؟ هو لا يخفي مع ذلك حبه وتشبثه بهذا التعقيد وبهذا الغموض وبهذه الدهشة.. يحب أن يبقى كذلك ولا يرغب في معرفة ال (لماذا) لأنه لو عرفها لتأثرت كتاباته سلبا.. كل ما يريده الآن أن يكتب ما يريد.