تمثل ''القعدة'' سلوكا اجتماعيا موروثا لا يزال راسخا في أوساط النسوة بمنطقة البيض، اللائي يجتمعن في جلسات مبرمجة وفق رزنامة تتفقن عليها دون التقيد بالمناسبات الاجتماعية. وعادة ما تكون '' القعدة'' أو السهرة أمام سينية للشاي التي ترصع بالأطباق الشعبية المعروفة محليا كالرفيس أو بعض الحلويات التقليدية المتداولة بالمنطقة كالمعكرة، لتكتمل بذلك طقوس '' القعدة'' التي تخصص ليتبادل أطراف الحديث حول شؤون متعددة وقضايا تهم حياتهن الشخصية ذات صلة بيومياتهن، خصوصا ما ارتبط منها بقضايا المرأة والطبخ وبعض المسائل الأخرى التي تلامس مجالات حياتية عصرية ومن بينها مستجدات الموضة وفنون التجميل. وتكتسي هذه الجلسات محليا خصوصيات قائمة بذاتها من خلال الرجوع إلى بعض التقاليد الخاصة بهذه الشريحة الهامة في المجتمع من خلال استحضار بعض الأعراف الشعبية المتداولة في إطار ما يسمى ''بالقول'' و''الصف''، وهو مجموعة من الأبيات الشعرية الشعبية ترددها النسوة بينهن بشكل جماعي يعالجن من خلالها موضوعا بارزا ومحورا هاما قد يكون بصلة وطيدة مع بعض المستجدات الاجتماعية. كما قد تكون هذه الأبيات الشعرية على علاقة مع تاريخ المنطقة وبطولاتها الشعبية كثورة أولاد سيد الشيخ وبوعمامة التي غالبا ما مثلت مرجعية هامة في هذا الإطار، فضلا عن التغني بخصال بعض الشخصيات ذات البعد الوطني. وتكون تلك الأبيات منتظمة في شكل قوافٍ شعرية محافظ عليها ضمن الوزن الشعري الذي يطغى عليه الشعر الملحون في أكثر من حلقة، كما تقول إحدى المواظبات على حضور ''القعدة''. كما يتميز ديكور ''القعدة'' البيضية من جهة أخرى بمسحة جمالية تصنعها ''موضة'' النساء الحاضرات من خلال ما يرتدين من لباس تقليدي مزين بالفن المعروف بالمجبود أو الطرز المذهب، وهو اللباس الذي عادة ما تكتمل صورته بلون الحنة التي غالبا ما تزين أيادي تلك النسوة ضمن أشكال مختلفة منقوشة في غاية الروعة والتناسق، تعكس مدى الذوق الفني الذي تتمتع به المرأة البيضية والتي عادة ما تشتهر بالاهتمام بمظهرها الجمالي. ولا يغيب الشاي عن مثل هذه الجلسات النسوية الحميمة والذي عادة ما يكون محضرا بعناية، حيث تزيد من نكهته نبتة ''النعناع'' المحلي المنعش وفي بعض الأحيان تضاف إليه عشبة الشهيبة التي تعطيه مذاقا ساحرا. ويقدم الشاي في إبريق من الحجم الكبير الذي تطول معه ''القعدة'' ويحلو معه الحديث في مواضيع ومجالات شتى يستحضر فيها الحاضر والماضي معا وتعود فيها الذكريات بنوع آخر من الحنين إلى مثل هذه اللقاءات التي تقول عنها إحداهن، إنها تعبر بحق عن الارتباط الوثيق بمجموع العادات المتوارثة. وتعد أيضا بمثابة متنفس بين النساء فيما بينهن في إطار يجمع بينهن في ركح تقليدي يراد من خلاله الحفاظ على هذه الأعراف وغيرها المنتشرة بالجهة، وتوريثها للأجيال الأخرى بنوع من التواصل النابع من عفوية الانتماء إلى جغرافية منطقة البيض.