التقدم في الفن أو التطور في الفن .. هذا الكلام لا يؤمن به الكثير من كبار المبدعين .. الفن قيمته في بدائيته ومنبعه .. عكس فكرة التقدم في الأدب أو التأخر فيه .. ثمة من يعتقد مثلا أن كتابا مثل تولستوي وكافكا ومفكرين مثل نيتشة وهيدجر كانوا سابقين لعصرهم ومتخطين لزمنهم بقرن .. الفكر قابل للتقدم والتطور والعلم أيضا بل هو مطالب بالتحول والتغير .. في حين بيقى الفن فنا .. محايدا .. لا دخل له في تغير الزمان ولا علاقة له بمر العصور أو تبدل المكان .. الفن شيء لا ينتمي سوى لنفسه، ولأصله .. لا تغريه تقليعات العصر ولا تؤثر فيه موضة هذا الجيل أو ذاك .. سنفونيات بتهوفن أو موزار مثلا لا يمكن ولا يستطيع أن يتجاوزها الزمن ولا يمكن أن تنال منها الاختراعات التكنولوجية والنظريات العلمية التي قلبت وجه الحياة .. تلك الروائع الموسيقية لا يمكنها أبدا أن تتقادم وتفقد قيمتها وستظل متوهجة وملهمة عبر العصور فهي كالجواهر النادرة كلما زاد عمرها زادت قيمتها .. نفس الشيء بالنسبة لتماثيل الفنان العبقريض مايكل أنجلو ومنحوتات دوناتوللي فهي رغم قدمها لازالت مشعة بالغموض والسحر ولا يزيدها تعاقب السنين سوى المزيد من التوهج والروعة .. ومن منا لم ينبهر بما يكتزه الطاسيلي والأهقار مثلا من منحوتات حجرية وتحف فنية و منتوجات تراثية يمنحها القدم يوما بعد يوم المزيد من الألق والسحر.. الفن الحقيقي الأصيل لا يحتاج إلى تقدم .. لا يعنيه ولا ينفعه ذلك بقدر ما يعنيه التحول والتنوع .. الفن هو أكثر شئ تليق له البدائية .. البدائية والتوحش أجمل ما يمكن أن يتصف بهما الفن العريق