مفكرون وفلاسفة كثر لهم تصورهم وانفعالهم المختلف والمتعارض مع الفن وبالفن .. حين سكب كانط على الفن صفتي التجرد والشمول .. يرى نيتشة أن الفن يستهدف بالأساس المشكلة الجمالية استنادا إلى تجربة الفنان المبدع .. لا يجب أن ننظر إلى الفن بوصفه شاهدا .. وحتى يوضح هذه الإشكالية الفنية افرد نيتشه لذلك مؤلفا كاملا اعترف فيه بأهمية الاعتبار الكانطي للفن ، إلا أنه يرى في هذه الفلسفة أي فلسفة وتصور كانط خطابا متعاليا حول الفن ، وهو خطاب يصفه نيتشه بالميتافيزيقي لأنه لن يقطع جذريا مع التصورات السابقة والتي فصلت الجميل عن الحياة .. ارتباط الفن بالذات لدى كانط حسب نيتشة يعد ارتباطا جامدا لأن الذات مفهوم متعال .. نيتشه يشدد في مؤلفه على الفيزيولوجيا الفنية المبدعة .. حياة الفنان في تصور نيتشه : هي نشاط يلعب دورا لإثبات المتضمن في العمل الفني .. إرادة قوة الفنان بما هو فنان .. نيتشه بهذا يدرج الفن ضمن هذا المنظور كأسمى قوة للوهم .. فهو يعظم العالم بوصفه خطا .. ويقدس الكذب ويجعل من إرادة الخداع مثلا أعلى .. وبهذه المعاني يكون العالم عميقا ومفعما بالدلالة ويخلصنا من الموت الذي تشرعه الحقيقة . نشاط الحياة عند نيتشه هو قوة الوهم . ولا بد أن تضاعف وتكرر إلى أن ترفع إلى أقسى قوة .. يجب أن تتحول قوة الوهم إلى إرادة فنية قادرة وحدها التنافس مع المثل الأعلى الزهدي ومعارضة هذا المثل الأعلى بنجاح.. الفن في المنظور النيتشوي يخترع أكاذيب ترفع الوهم إلى تلك القوة الإثباتية السامية .. فالظاهر لم يعد يعني نفي الواقع في هكذا عالم .. بل هذا الانتفاء .. هذا التصحيح .. تلك المضاعفة .. ذلك الإثبات لا يمكن أن يكون إلا علامة حياة آفلة، وكون الفنان يرفع الظاهر فوق الحقيقة لا يبرهن عن أية معارضة لهذه أطروحة لأن الظاهر هنا يعني كذلك الحقيقة مكررة لكنها منتقاة بمدعمة مصححة ..