تشهد الساحة الفكرية في السنوات الأخيرة حركة صوفية واسعة على المستوى العربي والدولي سواء من خلال الملتقيات أو الندوات أو حتى داخل الراعي الرسمي للصوفية، ''الزاوية'' وبسبب هذا المد للحركة الصوفية في الوطن العربي والعالم توجهنا إلى بعض الباحثين والمتخصصين في هذا المجال محاولة منا لإيجاد إجابة عن سبب هذا الانتشار في الوقت الراهن بعد غياب أو تغييب للخطاب الصوفي دام عقودا طويلة. ------------------------------------------------------------------------ الدكتور منصف عبد الحق -المغرب-: ''بظهور التعددية الحزبية امتد دور الصوفية'' ------------------------------------------------------------------------ الدكتور منصف عبد الحق أرجع سبب غياب الحركة الصوفية ودورها إلى القمع الذي مارسته ضدها الحكومات لأن الحاكم كان يراها تهدد ملكه بسبب السلطة المادية والمعنوية الكبيرة للزاوية في ذهنية المحكوم قائلا: ''الصوفية كزوايا شكلت دولة داخل دولة وهذه الدولة المصغرة يراها الحاكم تهدد ملكه لأن للزاوية اتباع وكانوا يشكلون قاعدة جهادية تدربهم على الجهاد والفضاء المقدس ضد الاجنبي كما كان لديها مدخول خاص واراضيها وعقاراتها تساعد الايتام وتربي ترعى عابر السبيل وتهتم بالارامل.'' بالإضافة إلى السياسة التي انتهجتها بعض الحكومات في الوقت الذي رأت الدولة أنها تهددها وضعتها في ظلها، كي لا تخرج عليها أو تشكل حركة ضدها. ومن بين أهم الاسباب التي تدخلت في تغييب المد الصوفي، يضيف الدكتور منصف عبد الحق: ''هو الاستعمار فأول شيئ حاربه وهدمه هو الزوايا لأنه أراد أن يطلق ثقافة علمانية بضرب الزوايا لأنها تقوم بدور جهادي وتنظيمي لكنه لم يستطع، وبذلك تقلصت وتراجعت الحركة الصوفية وبظهور الاحزاب والتعددية الحزبية امتد دورها''. ------------------------------------------------------------------------ الأب هنري تيسيه رئيس أساقفة الجزائر سابقا: ''علينا تأسيس عولمة إيجابية تتبادل القيم الروحية'' ------------------------------------------------------------------------ رئيس أساقفة الجزائر السابق الأب هنري تيسيه برر غياب الصوفية في العقود الأخيرة إلى عوامل اقتصادية وسياسية بالإضافة إلى حركة العولمة السلبية، فقد كانت الأمم والشعوب تكرس كل اهتمامها للسياسة والاقتصاد وأهملوا الجانب الروحي، وبما أن هذا هذا لايكفي لتغذية قلب الانسان، وابتداء من الثمانينات رجع الناس لكن ربما إلى الديانة السياسية كمرحلة أولى، ومع مطلع التسعينات رجعوا إلى الديانة الروحية يقول الأب تيسيه. مضيفا ''وأحلل رجوعها بأن الإنسان فهم وتيقن أنه لا يستطيع العيش فقط بالخبز المادي كما قال سيدنا عيسى عليه السلام لكن يعيش ايضا بخبز كلمة الله وهو حاليا يبحث عن هذا الخبز حتى يغذي نفسه''. كما دعا الأب تيسيه إلى تأسيس عولمة إيجابية تتبادل القيم الروحية مثل التصوف وكل القيم الرفيعة والإنسانية ويتم ذلك حسبه من خلال التقرب من بعضنا البعض من خلال سماع ما يقوله الأخر والاستفادة من كلامه فتتغذى ثقافتنا وحياتنا في نفس الوقت. وفي نفس الوقت يجب أن ننبذ العولمة السلبية التي تفرض على الانسان أفكارا ومواقف أمة واحدة ذات سلطة متعصبة ومتشددة. ------------------------------------------------------------------------ الدكتور عبد الله العشي -جامعة باتنة-: ''التصوف إنسانية بلا مشروع والعولمة مشروع بلا إنسانية'' ------------------------------------------------------------------------ الثورة ضد حدة العولمة، وانفصال الخطاب الصوفي عن الواقع المعاش ونخبويته والأزمة الروحية التي يعيشها الانسان، من بين أهم الاسباب التي قال عنها الدكتور عبد الله العشي إنها ساهمت في تغييب الحركة الصوفية. فمما لاشك فيه أنه هناك مجموعة من التحديات التي تطرحها ثقافة العالم المعاصر وهذه التحديات تلامس وتستفز روحية الانسان ومشاعره وقيمه من ذلك ظاهرة العولمة التي أصبحت حديث العارف وغيره والتي أصبحت ثقافة عالمية تعقد لها الملتقيات والمؤتمرات والندوات وتقام حولها البحوث. وفي طرح التصوف والعولمة هو طرح لمطلقين يعيش الانسان بينهما أزمة روحية، يقول الاستاذ العشي، فالتصوف مطلق روحي والعولمة مطلق مادي والانسان الذي هو نسبي بصريح القرآن الكريم والحديث النبوي يعيش بين هذين المطلقين أزمة روحية لأنه لا يستطيع أن يكون حسبه روحيا إلى آخر الروحانية أو ماديا إلى آخر المادية، كما لا يستطيع أن يستعيد توازنه الا بفعل التدين الصحيح والسليم. وفيما يتعلق بنهضة التصوف، يرى العشي، أنه ردة فعل لمجموعة التحديات التي تواجه التصوف في ذاته أو القيم الروحية فعندما تواجه القيم لا بد أن تظهر ثورات روحية من أجل مواجهة قيم العولمة، مما أدى إلى ظهور قيم أخرى مواجهة وهي قيم التصوف، قيم انسانية وجمالية عالية. فالتصوف يمكن أن يقدم للانسان المعاصر مجموعة من القيم يمكن بها أن يقلل من وطئة العولمة مثل التسامح، الرحمة والعدالة ومجموعة قيم هي مستمدة اصلا من الدين الاسلامي. فلعله يمكن انقاض بعض من البشرية اذا لم ينقضها كلها لأنه في اعتقاد الاستاذ عبد الله العشي إذا استمر الوضع العالمي هكذا لابد أنها ستعيش حالة من فقدان التوازن ويمكن القول إنها في خطر بفعل خلو العالم الصالح المعاصر من ابعاده الروحية والانسانية والجمالية. ومن بين أهم الاسباب التي غيبت الخطاب الصوفي هو التصوف نفسه حيث كان على هامش الثقافة الاسلامية كلها لأنه كان خطابا نخبويا ومنفصلا عن الواقع مما ساهم في تغييبه إلى حد بعيد بالاضافة إلى أسباب أخرى ذات طابع سياسي وايديولوجي. أما عودته اليوم التي وصفها بالنسبية بمعنى أنه حتى لو عاد سيلعب دورا نسبيا وجزئيا فسيضيف ويحيي مجموعة وحالات من الروحانية لكنه لا يصبح نظاما جديدا أو بديلا مغايرا لما نحن عليه اليوم، يقول المتحدث، مضيفا: ''أنا أقول إن التصوف انسانية بلا مشروع أي أنه مجموعة من القيم الروحانية والاخلاقية ولكنها لا تستطيع أن تكون مشروعا يوصل هذه القيم إلى البشرية وكذلك العولمة مشروع بلا إنسانية أو قيم أو أخلاق''. ------------------------------------------------------------------------ الدكتور محمد المذكوري المعطاوي. جامعة الادكونوما إسبانيا: ''الصوفية كانت مغيبة ويجب محاورة المثقف الغربي المؤمن بالحوار'' ------------------------------------------------------------------------ الصوفية كانت مغيبة في العقود الاخيرة، حسب محمد المذكوري المعطاوي، لعدة أسباب فمن الجانب الديني أرجعها إلى ابتعادها في غالب الاحيان عن النسق الإسلامي قرآنا وسنة، فهناك من الصوفيين من هو ملتزم بالدين الاسلامي وهناك من هو خارج عليه بالاضافة إلى عوامل أخرى كموقف بعض الطرق من الاستعمار خاصة في شمال افريقيا. كما أرجع العودة القوية للزوايا والحركة الصوفية إلى الغزو العولمي، سواء بما يتعلق بالقيم الاخلاقية داخل المجتمعات الغربية نفسها، وايضا خارجه، أي في نطاق العالم المعولم، فالصوفية من هذا المنظار ستقدم كبديل روحي لأخلقة الحياة الاجتماعية في عالم العولمة، وهذا يتم عن طريق الحوار وهو شيئ لا بد منه ولا ينادي به فقط المعولم بل كذلك المعولم وذلك لاستمرارية التعايش. ويضيف المذكوري ''قد لاحظنا أن القوة العسكرية وما يترتب عليها لم تحسم الامر في الشرق الاوسط، بل هناك نوع جديد من الحروب وهذا يدعو الى حوار جاد وخاصة للاعتراف بهوية الاخر يعني المعولم''. والحوار مع الغرب يجب أن يكون مع المثقفين والمؤمنين بالحوار، وبهذا نصل إلى ايجاد قاعدة للحوار بيننا وبين الآخر ونصل إلى نتيجة ايجابية ومهمة. فداخل الغرب ليس هناك خطاب واحد فهناك طرقا متطرفة داخل الغرب وهي الايديولوجية الليبيرالية الجديدة.