وصفها النقاد برواية ''الحكمة''، تيمة هذه العمل الرائع الانفجار العالمي استوحى منه الروائي كينو حكاية خرافية نسجها بأسلوب أدبي فلسفي حتى أن قراءة واحدة لهذا الكتاب قد لا تكفي لاستيعابه كما يجب، شخوضها أغلبهم فلاسفة لهم نظرياتهم وأفكارهم للنفاذ إلى عمق الأشياء... لكن الكاتب كينو يسخر منهم ويذهب حد تسميتهم ب''أبقار فلسفية، يجردهم من كل رصانة ومن كل حكمة هم الذين يتقون آثار نساء جميلات، ولا يتعبهم ذاك الانتظار المتشنج، يتقنون استراق النظر إليهن بأعين جاحظة وأحداق مشتعلة. تصرف هؤلاء الفلاسفة مليء بالتناقضات التي لا يستطيعون التحكم فيها ولا حتى فهمها، هم يتصرفون عن كبت وعدم إلتزام ، أساؤوا للأخلاق وسلكوا سلوكات منحرفة ما تسبب في غلق الفندق الذي تقيم فيه النساء.. تتلاحق هذه المهازل وينسى الفلاسفة مكانتهم لتتبع فتيات بتنورات قصيرة روعهن الحريق الذي شب فجأة في المربض وكاد أن يأتي عليه كليه ،ولأن الشرطة اكتشفت أن الحريق بفعل فاعل كان الفلاسفة أول المتهمين بإضرام النار... مشاهد كاريكاتورية قام الروائي بتصويرها،كل ذلك من أجل يوضح الفلسفة كرغبة بحكمه غائبة ، والحكمة الحقيقية هي التي تجمع بين الاكتمال والعكس .. في عمله ''بيارو صديقي'' يعري كينو الفلسفة، فهي ليست اكثر من حكمة ناقصة لانها فاقدة للتطبيق ومفرغة ، والحكمة الأصلية هي التي تحتوي كل تناقضات التاريخ وتستطيع التحكم فيها '' أي عندما تقع نهاية التاريخ ولكن بيارو أحد شخوص كينو لا علاقة له بأشياء التاريخ ،وغير معني بصراعاته ، لم يخطر له أن يتخذ موقفا تأمليا سلبيا كالذي يتخذه الفلاسفة . لقد خير أن ينتمي إلى ما بعد التاريخ. '' مرض عيونه سوء طالعه عتمته الداخلية التي تلمع فيها من وقت لآخر ومضات فلسفية تجعل منه هذا الحيوان المفكر الذي أدرك عبثية كل ما يقوم به من نشاطات .. رواية كينوهذه كما لاحظ النقاد تميل إلى فلسفة التاريخ جامعة بين عالمين متناقضين الدنس والعفة .. أحداثها دارت في أجواء الرذيلة وأجواء القداسة.. الشخوصممرقين بين هذا وذاك ألا يحتم كحكيم هيغلي حقيقي الضريح الذي يضم رفاة ماض ارستقراطي انقضى إلى الأبد، ولكنه مهيب وعبثي يبقى ماثلا في ذاكرته ،وهذا لا يمنعه ابدا من عدم استدعاء رجال الاطفاء المحافظين والمجهزين بالالات عندما اندلع الحريق الكارثي الذي اعدم لونا بارك ذات الطابع البورجوازي ، وتتأهب لابتلاع راحة الامير الشهيد الاخيرة السلافي وتهدد بتدمير هذا الأثر البطولي .. مثلما فعلت تفاحة الصليبيين التاريخية إلتي انبرت تبحث عن قبر فارغ توقا إلى عالم آخر مثالي .. وهنا يقترح كينو في روايته شرحين أولهما يتمثل في قصة مونزيرقس الشخصية الأسطورية التي تحكي قصة خلق العالمين إثر انتشار سديم أصلي ، وما روته يصلح لأن يكون ميتولوجيا صغيرة تختزل نموذجا لكل تفكير ديني، وأيضا هناك رؤى ''فوسوا'' في خاتمة الرواية تكابد تحطمها وتمزقها وهنا تفرغ الأسطورة وتتجرد من قداستها ..الشخصيتان مميزتان بتفوق العقل على العبث ..بالتناقضات الداخلية للعالمين لتستخلص في النهاية أن العالم المقدس والعالم المدنس يشكلان عالما واحدا ولكنه انقسم عندما دخل في تعارض مع ذاته . وإذا فالعالم موجود بمظهرين متناقضين متكاملين ..مثل دار اللهو والكنيسة وبينهما يمتد كل التاريخ الإنساني .