كرة القدم مسرحاً للصراع السياسي وتسجيل الأهداف تسجيلٌ للمواقف من قال إن الرياضة والسياسة صنوان لم يبتعد كثيرا. الرياضة، خصوصا كرة القدم، تدريب صغير، أو تنفيس محدود للانفعالات السياسية والتصادمات الاجتماعية والثقافية والدينية ربما، تجد هذه المشاعر طريقها للخروج والتنفس على هيئة تنافس رياضي وسخونة تشجيعية.هذا ما يبدو في كثير من الصراعات الرياضية. بل ان الرياضة كثيرا ما تكون مسرحاً للصراعات بين الدول، وتستغل لحقيق أهداف سياسية، المقاطعة الرياضية ?مثلاً- من العوامل التي ساهمت بجانب الصراع السياسي في التخلص من الفصل العنصري أيام الحكم العنصري في جنوب إفريقيا فقد قاطعت الفيفا (1976) واللجنة الاولمبية (1970) حكومة الفصل العنصري في أفريقيا ما شكل ضغطا مهما على الحكومة العنصرية البيضاء. وفي العام الماضي احتج رئيس الاتحاد الإيراني لكرة القدم على مصر وتوعد بتقديم شكوى للفيفا ضدها بسبب إلغاء مصر لمباراتها الودية مع المنتخب الإيراني في أبو ظبي- التي كان مقرراً إقامتها في20 أوت -,2008 بسبب التوتر الذي يسود العلاقات بين مصر وإيران على خلفية هجوم الجمهورية الإسلامية المتكرر على السياسة المصرية وإصدار فيلم يشيد باغتيال الرئيس الراحل السادات تحت اسم : إعدام الفرعون .. باستمرار كانت السياسة معجونة في الرياضة ، والحديث هنا عن كرة القدم تحديدا، سواء على مستوى المنتخبات أو على مستوى الأندية المحلية. في الأيام الأخيرة اصدر الاتحاد الآسيوي بيانا يدين فيه تصريحات رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ورئيس رعاية الشباب فيها الأمير سلطان بن فهد، بسبب انتقادات الأخير القوية للاتحاد الآسيوي وأنه غير منصف لمنتخب بلاده عقب خسارة السعودية من كوريا في إحدى المواجهات الماضية في التصفيات الآسيوية المؤهلة لكاس العالم، ليخرج أمير الرياضة السعودية عقب المباراة ويوجه هجوما مباشراً على لجنة الحكام والاتحاد الآسيوي وانه يتعمد الإضرار بمنتخب بلاده عبر اختيار حكام منحازين يظلمون المنتخب. الاتحاد الأسيوي تريث طويلا ثم اصدر بيان الإدانة للأمير سلطان بن فهد ليرد الأخير بقوة في مقابلة تلفزيونية منتقدا رئيس الاتحاد الآسيوي، القطري محمد بن همام، بعنف، ويعلن تأييده الصريح لإزاحة بن همام عن الاتحاد الآسيوي لصالح البحريني سلمان آل خليفة عبر التصويت. تفاعلت القضية وأخذت أبعادا أخرى، ورأى العضو السعودي في الاتحاد الآسيوي حافظ المدلج في مقال نشره في جريدة الرياضية السعودية أن هناك تداخلا بين الرياضة والسياسة في موقف الاتحاد الآسيوي برئاسة القطري بن همام ضد الاتحاد السعودي لكرة القدم ورئيسه الأمير سلطان بن فهد، وضد المنتخب السعودي لإعاقة تقدمه في تصفيات كاس العالم التي ستقام في جنوب إفريقيا. ولا يصعب على المراقب ان يفهم مغزى الإشارة السياسية هنا ومعنى التركيز على شخص محمد بن همام رئيس الاتحاد الأسيوي، فهو قطري ومعلوم حجم التوتر السياسي بين الدوحةوالرياض، رغم المجاملات الدبلوماسية الظاهرية. حينما نراجع التاريخ نلاحظ هذا التشابك بين السياسة والرياضة، بالمعنى الواسع لكلمة السياسة، أي التعبير عن تضاد المصالح بين القوى السياسية والاجتماعية والكتل العرقية والإقليمية، على مستوى الأندية المحلية. في السياق التالي سنقتصر على بعض الأمثلة : في الأردن لم يزل المسئولون عن الاتحاد الأردني لكرة القدم والمحللون الرياضيون وغير الرياضيين والمستقلون يحذرون من نار التعصب الرياضي، وهو تعبير موارب لا يصرح بحقيقة المشكلة ويسمي الأشياء بأسمائها، فالتعصب الرياضي الحقيقي في الأردن هو بين نادي الفيصلي ونادي الوحدات، وكثيرا ما ضجت مدرجات استاد عمان بالهتافات الساخنة ضد الفلسطينيين أو ضد الأردنيين، رغم أن الكل يحمل الجنسية الأردنية، لكن التضاد في الأردن واضح بين من يعودون إلى أصول شرق أردنية وبين من يعودون إلى أصول فلسطينية، رغم ان الفاصل الطبيعي بين الضفة الغربية والشرقية هو نهر الأردن الذي هو عبارة عن شريط مائي نحيل لا يتجاوز في بعض نقاطه بضعة مترات ! نادي الفيصلي يعتبر واجهة رياضية واجتماعية لذوي المنابت الشرق أردنية، ويتولى رئاسته عادة أشخاص ينتمون لهذه المنابت مثل عشيرة العدوان، بينما يمثل نادي الوحدات أبناء الأردنيين من أصول فلسطينية، وأساساً اسم الوحدات هو نسبة إلى أشهر مخيم فلسطيني في العاصمة عمان . وفي مصر فالتنافس الحاد والتعصب الكبير بين جماهير الأهلي والزمالك القاهريين يعود إلى تاريخ قديم، حيث يعتبر النادي الأهلي هو الذراع الرياضي للحركة الوطنية أيام العهد الانجليزي، ومؤسسه الأشهر، مع رفاقه الوطنيين، هو الزعيم الوطني المصري الشهير مصطفى كامل باشا. الرياضة في مصر دخلت في الحركة الوطنية من أجل الاستقلال، فالنادي الأهلي الذي تأسس عام 1907 على يد الزعيم مصطفى كامل، كان الممثل لمصر في مقابل ''المختلط'' (نادي الملك فاروق)، الذي أنشأه المستشار الألماني في المحكمة العليا «مارجاباك» بعد سنوات قليلة من إنشاء النادي الأهلي . ويسجل التاريخ بدايات التنافس بين الناديين على خلفية سياسية حينما رفض نادي الأهلي المشاركة في كاس السلطان حسين ، لأسباب سياسية بيمنا شارك النادي المختلط، الذي أصبح اسمه بعد قيام ثورة يوليو 1952 نادي الزمالك. في تلك المرحلة السياسية من تاريخ مصر إثناء الصراع مع الانجليز وقصة الاستقلال، كان كِبار السياسيين، أمثال الزعيم الوفدي سعد زغلول على رأس مشجعي النادي الأهلي الذي يمكِن وصفه ب ''الجناح الرياضي للحركة الوطنية المصريةس. أما في السعودية فيرجع البعض التنافس الحاد بين الأهلي والاتحاد إلى أسباب سياسية واجتماعية، فنادي الاتحاد تأسس على يد بعض الشباب و نخبة تجارية واجتماعية من أبناء جدة سنة 1346 ه، حيث عقد مجموعة من الشباب إجتماعاً خلف مكتب اللاسلكي بمدينة جدة للنظر في أمر تأسيس فريقهم الجديد وضم الاجتماع كلا من: عبد الصمد نجيب ، وعثمان باناجة ، وعبد العزيز جميل ، وعبد اللطيف جميل، وإسماعيل زهران ، وحمزة فتيحي ، وعلي يماني ، وأحمد أبو طالب . وتأسس النادي الأهلي بعد ذلك بسنوات قليلة على يد حسن شمس ، ثم تولى رئاسته شقيقه عمر شمس، وفي سنة 1381 أعاد الأمير عبد الله الفيصل تأسيس النادي الأهلي وتبناه وانفق عليه وجلب له اللاعبين . ومنذ ذلك الحين اعتبر نادي الاتحاد هو ناد الأهالي في جدة ، بينما نُظر إلى النادي الأهلي باعتباره نادي الأمراء والأثرياء أو نادي الحكومة، ولذلك يسمي البعض من جماهير الاتحاد ناديهم الآن بنادي الوطن . أما في الرياض فيرى البعض ان الصراع الحاد بين الهلال والنصر هو في حقيقته صراع مجازي بين من يرى انه مع الحكومة أو من يرى انه معارض أو مستقل، رغم أن هذا التصوير الثنائي ليس حقيقيا ولا يعكس واقع الحال، ففي مجلس أعضاء الشرف لنادي النصر نرى عددا من الأمراء والوجهاء الذين تربطهم صلات شديدة بالعائلة الحاكمة، ويفسر البعض هذه الحالة بكون نادي النصر محسوب على الملك السعودي المخلوع سعود بن عبدالعزيز بينما يحسبون الهلال على الملك فيصل وإخوانه الذين شاركوه في قرار الخلع، وبالتالي فتشجيع النصر اليوم هو حالة اعتراض على السياسة الحكومية الحالية بشكل غير معلن. الجماهير تضفي على عاطفتها في تشجيع النادي ما تضفي من خيال وآمال، مثلما يضفي الحبيب على حبيبته من صفات وصور، ولكن اللاعبين والإداريين والمدربين لا يعرفون إلا شيئا واحدا : كرة القدم بكل بساطة.