تجمع آلاف المصريين ليلة أول أمس لمعاينة صور مريم العذراء التي تجلت حسب شهود عيان أمام كنائس مصر، وراحت تجوبها الواحدة تلو الأخرى في القاهرة الكبرى وحتى الأحياء الشعبية، ثم توجهت حسب ادعاءات الشهود إلى عمق الصعيد الذي على علمنا يخلو من المسيحيين، هذا ما ردده أقباط مصر وقساوستها وحتى بعض المسلمين ممن ساقهم الفضول إلى رؤية الأطياف النورانية رغم الزحام الشديد. تحولت كل من ''المحور'' و''الحياة'' و ''دريم'' الفضائيات الرائدة في الحملة المسمومة ضد الجزائر إلى فضائيات للميتافيزيقا تتحرى أطياف مريم العذراء قبيل أعياد الميلاد، وحالها في ذلك كحال غريق يتمسك بآخر قشة للنجاة. وكما لا يخفى على أحد أن الشعوب تتجه نحو الغيبيات في زمن الشدائد والمحن والتردي، وهو ما استغلته فضائيات مصرية تأتمر بأوامر آل مبارك كانت منذ وقت قريب قد جيشت المصريين وراء مباراة لكرة القدم، وحين فشلت في المستطيل الأخضر، قررت إيهام شعوبها ''التعبانة'' ببعض الألعاب الضوئية وراحت تروج على أنها أطياف نورانية كل فسرها على هواه، حيث قال القس عبد المسيح بسيط كاهن كنيسة ''مسطردة'' الذي نزل ضيفا على قناة الحياة بأن مسألة تجلي الملائكة والقديسين أمر مألوف في الديانة المسيحية. وأضاف أن الطيف النوراني نزل على كنيسة ''مسطردة '' ثم تشكل على شكل حمامة بيضاء اتخذت بعد ذلك شكل العذراء، وجابت القاهرة تحت هتافات ''شا لله يا عذرا'' مرورا بحي شبرا ثم سافرت تحت صورة ضوء وهاج إلى صعيد مصر. وما هي إلا لحظات حتى توالت الاتصالات مؤكدة ظهور الأطياف النورانية من على أكثر من كنيسة وعلا الصخب والضجيج من الإرسال المباشر الذي شاهدنا فيه روايات الناس وسمعناها، لكننا لم نشاهد الظاهرة كالعادة، تماما مثلما سمعنا روايات الممثلين الذين تعرضوا للتقتيل والتعذيب على أيدي الجزائريين، لكننا لم نر ذلك، مما يؤكد مرة أخرى أن الإعلام المصري صوت بلا صورة. وطلع المحامي المسيحي نجيب جبرائيل وهو أحد المتهمين في قضية حرق العلم الجزائري أمام سفارتنا بالقاهرة عبر حصة 90 دقيقة مع محاوره معتز الدمرداش وهو يروي مشاهدته طيف مريم في شارع شبرا، وتوالت الاتصالات الهاتفية أيضا لنسمع من خلالها الزغاريد المتعالية من المسيحيين والمسلمين على حد سواء. وحاول بعض الإعلاميين تمرير رسائلهم عبر ضيوفهم القساوسة المهمشين الذين كانوا بأمس الحاجة للظهور بأي نور عفوا بأي دليل يؤكد مصداقية ديانتهم، فراحوا يبعثون الآمال الكاذبة في نفوس المصريين حول الأبعاد الإيجابية لهذه الظاهرة ومعاني الظفر والنصر التي تحملها. ومن جهة أخرى، تسعى أم الدنيا بدهائها المعتاد إلى تبيض صورتها وتقديم ولائها غير المباشر لأمريكا التي صنفت الجزائر في خانة الدول المقيدة للحريات الدينية، على حساب الجزائر، فظهور طيف العذراء دليل حسبهم على أن المسيحية بخير في مصر. يبقى أن أطرف ما في الموضوع هو تعامل المحامي جبرائيل والقس عبد المسيح وكذا المنشطين، مع التغطية الإعلامية بدهاء وخبث شديدين، إذ برمجت قضية تجلي العذراء مباشرة بعد طرح قضية مشاركة المنتخب المصري في أنغولا وإمكانية حصوله على كأس أمم إفريقيا، وإن كان مثل هذا السيناريو قد انطلى على المصريين ''المغبونين'' ،إلا أنه أضحكنا نحن الجزائريين، لأنه دليل على تردي أحوال المصريين وحاجتهم الماسة للأمل حتى ولو كان كذبا.