عندما نستمع للفضائيات المصرية وتقيس كمية الحبر الذي تضيعه يوميا في الكتابات الصحفية التي تتناول الجزائر طبعا سلبا وليس إيجابا ، نخرج بخلاصة أنه لولا الجزائر لما وجدت وسائل الإعلام المصرية ما تعيش عليه ، ولما لقيت موضوعا بديلا آخر بإمكانه أن يقنع المصريين ويشدهم إليها ، بعدما فقدت هذه القنوات الإعلامية عذريتها لكونها ظلت مجرد '' بوق '' للنظام الحاكم ، إلا من رحم ربك . لقد أخمدت الحكومة المصرية مشاكلها الاجتماعية بفعل الأزمة مع الجزائر ، وأسكتت المواطن المصري المغلوب عن المطالبة بحقوقه من خلال تخويفه ''بفزاعة'' الجزائر ، وأجلت موضوع صون كرامة العامل المصري بتحسين أجره بواسطة حكاية ضرورة استرجاع '' حقوقنا '' من الجزائر ، وتعويض ضنك العيش الذي يقاسيه الشعب المصري بإثارة مسألة الثأر والانتقام من الجزائر ، وتبرير الضريبة العقارية التي لجأت إليها الحكومة لتغطية عجز موازنتها المالية بأنها على صلة غير مباشرة بتعرض استثمارات مصر في الجزائر للكساد . هذا فقط ما كتبته ونشرته وبثته وسائل الإعلام المصرية ، أما ما روج من ادعاءات وإشاعات في الشارع المصري بشأن الجزائر ، فهو أكبر من ذلك بكثير . ولمن أعماه الغل والحقد نقول أن الجزائر هي دولة وليست ''حبة أسبرين '' أو وصفة طبية لدواء يستعمل لتسكين الآلام أو لتبريد الاحتقان الشعبي في مصر أو لتغطية سيناريو توريث الحكم . بعد كل هذا الذي ألصق بالجزائر زورا وبهتانا أليس من المفروض بل من الواجب على الحكومة المصرية أن تشكر الجزائر و''تبوس '' يدها صباح مساء لما قدمته لها من خدمة جليلة في منع فيضان كأس الغضب لدى المصريين ضد حكومة بلادهم . كيف لا وكل المعطيات تقول أن الحياة في القاهرة لم تعد تطاق من دون ذكر اسم الجزائر وإدخاله حتى في تفريق أصغر ''خناقة '' بين المواطنين في الشارع. فهل وصلت درجة الملل في مصر إلى حدود ومستويات لا تطاق ، بدليل تخصيص ساعات لتتبع كل كبيرة وصغيرة حول تنقل الأنصار الجزائريين إلى أنغولا ، بينما كان من المفروض الاهتمام بأوضاع المصريين الذين جرفتهم مياه السيول في العريش وسيناء. عندما تتحول الجزائر إلى مشروع مجتمع في مصر يعلق عليه فشل المسؤولين لمهامهم وتبرر بها الإخفاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فهو أمر لا يترك أي مجال للشك في أن النظام المصري برمته يعيش سكرات الموت بفعل كابوس أنتجه بنفسها اسمه الجزائر.