نقاط التشاؤم واليأس التي يبديها العراقيون والخوف من وصول عناصر سياسية غيرنظفية الأيدي إلى السلطة لتقود العراق من محنته الحالية وتدخله (قسراً) إلى الظلام الأبدي موضوع له أهمية.فعالم الحضارة والتقدم العلمي للمواطن العراقي يطغي عليه الكثير من (الإرباك والفوضى المتعمدة) ويشوبه الكثير من الخوف والأمل، الخطأ والصواب، ويزداد فيه الاصطفاف الطبقي والقومي والصراع المذهبي بدرجات تتفق مع مدى الثقافة السياسية والأجتماعية والدينية في البلاد. وتزداد القناعة العراقية الذاتية بفشل وصول طبقة ذات قدرة ومهارة في ادارة شؤون البلاد السياسية بسبب ممارسة السياسيين للعمل السياسي المعاصر بطرق تقليدية فطرية وعشوائية ليست مفهومة في عالم السياسة المعاصرة، ويدخل فيها، تآمر السياسيين على بعضهم واتهاماتهم العلنية والمبطنة للآخرين من، حلفاء الأمس أعداء اليوم، في عمل مشوه للعملية السياسية للأنتخابات. فالذي جعل حلفاء الأمس أعداء اليوم تتداخل فيه ضعف الأرادة العراقية التي قامرت ببناء قوتها المالية والسياسية على دول محيطة بالعراق (السنية منها والشيعية ). وأصبح الترجيح بتحسن الوضع الأمني والاستقرار في المدن العراقية بعد الانتخابات المرتقبة أمل ذو بصيص ضئيل مادامت الأدارة الحكومية والقوى السياسية الشعبية (تستند وتتلهف) في ربط أرادتها السياسية بأرادة الدول المحيطة بها والخضوع لاستراتيجيتها وألتماس تدخلها.ورغم أن بعض ساسة العراق فهموا ( لعبة الجغرافية السياسية والضغوط الأقليمية إلى حد ما) إلا أن أرادة الكثير منهم مازالت واهية وضعيفة، وتتجه الى الدعم والتعاطف والتأييد الخارجي، بضمنه إدخال أيديولوجيات هذه الدول (المثقلة بالمشاكل السياسية والأجتماعية والتبعية الأجنبية) وإدخال المال والسلاح ومذاهب المخربين الشاذة الى العراق تحت شعارات وتبريرات مختلفة، الأمر الذي يدعونا للقول بأن وضع مؤشرات استقرار العراق مفقود بالمرة رغم أرتداء الجميع ثوب الوطنية والحديث عن الاجهزة العسكرية وعناصرها التي ترتبط بالأرادة الخارجية وتحتضنها. في حديث لصحيفة ''العرب'' القطرية صرح الناطق الرسمي لفصائل من تُطلق على نفسها (الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية ''جامع''، أن الجبهة في العراق لن تستهدف المقار الانتخابية، واصفا الدم العراقي بأنه خط أحمر لا يجوز تجاوزه''. وهي في رأيي نقطة جديرة بالأنتباه والتحليل لما يدور في عقول البعض وفهمهم لسير العمل الأنتخابي. والنقطة الثانية كشفه عن وجود اتصالات لهم مع دول عربية، مؤكدا أن ''هناك مشروعا متكاملا تم عرضه على بعض الدول العربية وهو يشمل نظرة الفصائل العراقية المقاومة لعراق ما بعد الاحتلال''. هل ينطبق هذا المنطق مع الوعي السياسي الجديد؟ ومن هي الجهة العراقية التي تحتضن هذه الفصائل الأجيرة وطابعها التخريبي المقصود والمُصرح به؟ فقدان قوة الإرادة السياسية انحرافُ العراق عن مساره الدستوري والقانوني جاء نتيجة استمرار الضغوط الداخلية والخارجية الساعية إلى لي الإرادة العراقية ومنعها من انتهاج سياسة وطنية والشروع في بناء دولة قوية يسودها النظام والاستقرار، ومازالت تلعب هذه الضغوط دوراً مقبولاً في نهج الدولة وإطارها السياسي العام. فأذا كان لبعض الساسة والقادة المرشحين للأنتخابات حظ في النجاح، فإن عليهم الالتزام ببديهيات النجاح الضرورية وابداء الرغبة بتطوير إمكانياتهم وطاقاتهم الفكرية. وذلك يتمثل في أتخاذ بعض الخطوات الجريئة:وتكمن الخطوة الأولى في حماية مؤسسات الدولة من أعمال الفساد والتخريب التي يهدد بها المشمولون بقرار هيئة المساءلة والعدالة لاجتثاث البعث وشمولها لأشخاص ذوي ماض أجرامي باختبائهم تحت مظلة قوائم عراقية انتخابية مختلفة للترشيح. وتتمثل الخطوة الثانية في تدريب الموظفين المدنيين والعسكريين على أعمالهم المهنية وتقديم الخدمات التي تخص صميم ما تنص عليه واجباتهم والتاكيد عليها بطرق التفتيش المستقلة، بعد انسحاب القوات الأمريكية المقرر سحبها في شهر أوت أغسطس هذا العام. والخطوة الأساسية الثالثة هي إعادة النظر في استقلالية القضاء العراقي، مع إدراك حقيقة أن الدول (عربية، أعجمية أو غربية) لن ترى بهجة الشرق فينا ونحن في أوضاعنا الحالية إلا أن ساسة الفكر والسياسة والصحافة الإعلامية الحاقدة مستمرون في الترويج الكاذب، الذي لاشأن للعراق فيه. ضف إليه التحالفات التي قد تضر ضرراً بالغاً بمستقبل بعض المرشحين السياسين كتحالف رئيس الوزراء الاسبق علاوي ودفاعه عن بعض المرشحين وتصريحه عن (حظر خوض مرشحين للانتخابات بتهمة الصلة بحزب البعث المحظور يهدد بجر العراق الى حرب اهلية). وذلك بحد ذاته العمل السياسي القديم المستورث من سلسلة نظام فكري بائد ولهجة البعثيين في التشكيك بكل ماهو عراقي أصيل للتمييز بين اليد النظيفة واليد الاجرامية، والذي يبين جزء من ضعف الإرادة وسوء التقييم المقصود للعملية الديقراطية الحقيقية التي (تَجمع ) أهل العراق(ولاتجرهم الى حرب أهلية). وهو ما يعدنا بها مشاركيه، وبنفس الاسلوب والطريقة القديمة للتخويف والتهديد، بمشاركة فعلية من أعضاء في نفس القائمة وتحذيراتهم الهوجاء بعودة الهجمات الطائفية وتهيئة العصابات للتغلغل التكفيري التخديري بفتح جبهات عدائية للعراقيين والتجني على الآخرين في حملات انتخابية يفترض فيها خدمة الوطن والمواطن واللحاق بالأمم والشعوب الحرة. لقد كانت الفترة الماضية 2003 - 2009 حافلة بالمؤتمرات والحوارات واللقاءات والخطابات التي لم يجن العراقيون من ثمارها إلا مزيدا من الدماء وذروة الأعمال التخريبية لمصالحهم، وذلك لضعف إرادة السياسيين في الاختيار العراقي الوطني وتفضيلهم الاختيار المذهبي والحزبي الأناني والتخاذل لدول المنطقة العربية والإسلامية التي شملت تبادل الرسائل والشفرات السرية مع أعداء العراق لضرب مواقعه الحساسة والإضرار بمصالحه. والحقيقة التي تخفى على ساسة العراق الجدد أن معتقداتهم السياسية الفكرية وتبنى أساليب العداء لبعضهم البعض لايُشم منها إلا رائحة التراجع. فالتخويف والبطش والشك ببعضهم البعض (والإيحاء المُعلن ) بأن خصومهم يحملون أفكاراً شريرة، ليس عملاً انتخابياً خُلقياً، ولكن '' لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ''. ولعل الأدهى والأخطر هو رغبة البعض منهم بالانكفاء والأنحناء الى الروح العسكرية القديمة وبناء قوة عسكرية جبارة للجيش العراقي وزيادة تعداد أفراده (من جديد) . هذه التخيلات وعقدة السجين السياسي وحمله الأفكار المشؤمة التي يتم بثها بنفس الوسائل الأعلامية التي ضحى الشعب المضحي للتخلص منها وكانت قد باءت بالفشل مع قادة الدول الدكتاتورية الأخرى في العالم، مازالت تطغى على تصرفات البعض، ولم يتعض منها أعضاء الحزب القدامى. فالعراق فيه 135 ألف جندي أجنبي ويتم تدريب وتسليح أكثر من 120 ألف عراقي وبناء ألوية وفرق عسكرية لحماية الوطن، بالاضافة إلى تواجد (مانأمل التخلص منه ) مليشيات وعصابات ومرتزقة بلاك ووتر وقوات مخولة وغير مخولة بحمل السلاح، وتحمله بتخويل من مؤسسات داخل مؤسسات الدولة، دون التفكير بأن التقدم الحضاري للدولة لايتم فقط بتخصيص الميزانيات العسكرية الضخمة في بلد تطغى عليه البطالة والأمية بنسبة 42 أو بالتلويح ببناء القوة العسكرية قبل بناء الإنسان ثقافياً وأجتماعياً ووطنياً ليصبح غيوراً على وطنه ومنشأت أرضه. فرعاية حاجاته الأساسية ورعاية المصلحة الشعبية العامة بتركيز الجهود ينبغي أن تكون من الأولويات القيادية التي تمنح القائد السياسي الثقة والتركيز على البناء الحضاري والتقدم العلمي والتكنولوجي المبدئي، لا التهديد والتحذير والايحاء العقائدي بأن (حظر خوض مرشحين للانتخابات بتهمة الصلة بحزب البعث المحظور يهدد بجر العراق إلى حرب أهلية).أن العراق بحاجة الى من يفهم توجهات أبناءه وأجياله القادمة وعطشه للتخالط مع حضارات الشعوب الأخرى وبناء علاقات ودية متبادلة مع الدول على أساس المصالح والتنافس الحر في الحقول التجارية والمالية والتعليمية والفنون والرياضة والسياحة وغيرها، وترك جنين البعث المعاق للموت في الرحم وسيبقى اختبار الأرادة العراقية أرادة تفاعل مع الأحداث والتطورات، كما ستبقى موضع المراقبة والتحليل، وبأمل كبير، للنجاح. أستاذ جامعي وباحث سياسي