تحت قذائف الدبابات وخطر الانفجارات ووسط موت وشيك في كلّ لحظة يخرج المسرحي العراقي مثله مثل كلّ مواطن عراقي من بيته بعد أن يودّع عائلته ويتلو الشهادة فهو لا يدري إن كان الموت سيصيبه اليوم أو غدا أو يتركه إلى حين ورغبة منها في التعرّف على ظروف عيش وعمل المسرحي العراقي الذي اختار أن يخدم فنه في داخل البلد وكذا عن المسرحي العراقي الذي قدّم هو الآخر نصيبا وافرا من الخدمات لأب الفنون العراقي وهو خارج العراق، اقتربت "المساء" في إطار فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف التي انتهت مؤخرا من المسرحيين الذين قدموا من العراق على غرار عزيز خيون، وعواطف نعيم، ورئيسة دائرة المسرح بوزارة الثقافة إقبال نعيم ومن خارج العراق قاسم مطرود مدير "مسرحيون"، وطرحت عليهم تساؤلاتها فكان هذا الموضوع. عزيز خيون: المسرحي العراقي يشاكس الواقع وينبّه حركة أيّ مثقف عراقي في الداخل ليست سهلة ولمن لديه مشروع بالتأكيد سيعاني كثيرا في أرض ملغمة وعليك أن ترقص فكيف سيكون شكل هذا الرقص؟ لا أدري حقيقة، إلاّ أنّني وبشكل يومي كعادتي أتناول في الصباح ما رزقني به الله وأغادر بيتي بعد التوكّل عليه سبحانه وتعالى في أن ينجيني ويعيدني سالما إلى بيتي، أدخل المسرح الوطني وألتقي بمن أحب من أصدقائي ومن يشاركني العمل، وأحاول أن أجعل الجلسة غير بريئة أي أنّها لا تذهب في الطريق الاستهلاكي وإنّما نحاول من خلال هذه الجلسة التي يجود بها علينا الزمن أن نجعلها مثمرة لأنّنا لا نلتقي بشكل يومي. الظرف الحالي لا يمنحنا ما نحبّ ولا ما نطمح إليه ولا ما نحلم به، الضغوطات مباشرة فقد تحوّلت بغداد من امرأة جميلة مثيرة بجمالها إلى عجوز متعبة، مشاهد الخراب تأتيك من كلّ جانب بالإضافة إلى الشركات الأمنية التي تقتل بلا رادع.. نريد مغادرة المحتل بلدنا اليوم قبل الغد لكي نجد الصورة لنا نبتكرها كعراقيين، نصفي كلّ الخلافات لكي نفكّر بعراق واحد، مادام هناك طرف آخر له مصلحة في خراب هذا الوطن وبقاء المشكلة على حالها لكي ينفذ سياسيته ستبقى المشكلة عالقة. ومع ذلك، فإنّنا نعاند هذا الواقع ونشاكسه في الكثير من الأحيان في سبيل أن نكون حاضرين وأن نكون شهودا على هذا الزمن لأنّنا اخترنا الداخل والأرض، فأنا شخصيا أؤمن إيمانا كاملا أنّ المسرح العراقي لا ينبت إلاّ على تراب عراقيّ ولا يمكن أن يتنفّس إلاّ هواء عراقيا، لأنّ المسرح كائن بيئي أي يتحدّث بالبيئة سواء عن مشكلاتها، أحلامها طموحها ومعوقاتها، فإذا كنت مسرحيا عراقيا أسأل نفسي: "لمن أتحدّث، ما هي المشكلة التي تشغلني؟" وأجيب: "أنا أحتاج أن أخاطب من يعيش هذه المشكلة وهو الجمهور العراقي، ولأنّني أنتمي إلى مشروع ويشغلني لذلك اخترت الفضاء العراقي بالرغم من وضعه الخاص لأنّ إيماني كامل بأنّ الموت سيأتيني في أيّ لحظة وفي أيّ ظرف وفي أيّ مكان، فعليّ أن أتحرّك بما يمنحني الله سبحانه وتعالى من طاقة ومن حيوية وعمر وحلم وإمكانية في التفكير والانجاز . نحن نعمل في ظروف صعبة جدا ومع ذلك أنجزنا هذه السنة مسرحية "نساء لوركا" كتابة وإخراج الدكتورة عواطف نعيم، وتمثيل نساء رائعات تجاوزن الظرف وكلّ واجباتهن في البيت والأسرة والأولاد فالعراقية المسرحية تعارك ظرفا ولديها واجب فني وجمالي في أن تقطع مسافات كبيرة وتتجاوز الحواجز والدبابات الأمريكية والمعيقات لكي تحضر إلى المسرح، وتهدأ في البداية وتتخلّص من عناء الخارج ومن ثم تهيئ نفسها للعمل المسرحي، إذن أنجزنا "نساء لوركا" وقدّمناها ببغداد في ظروف صعبة، وكذا في مدن عالمية كبرلين، أمستردام، قرطاج والعاصمة الجزائر، وأنجزنا "دائرة العشق البغدادية" كتابة وإخراج عواطف نعيم وهو قراءة مغايرة لنص الألماني برشت تحت عنوان "دائرة الطباشير القوقازية"، وأعطينا فكرة أبعد أنّ الوطن لمن يحافظ عليه ويسهر عليه لا لمن يتركه ويغادر، أيضا هذه الفكرة حاولنا أن نعمّقها من خلال هذا العمل وأن نقول أنّ العراق واحد موحّد، وطن الجميع بعيدا عن كلّ الحروب المفتعلة والسيناريوهات التي جاء بها الأمريكي. هناك تجربة أخرى من إخراجي وتقديم وإنتاج الفرقة القومية للتمثيل في دائرة السينما والمسرح اسمها "حقل الأحلام" كتابة فاروق محمد، أنجزتها في ظروف صعبة جدا وقدّمتها قبل أيام من حضوري إلى الجزائر أي أنّه عمل حديث جدا، بنفس الوقت كنت أتدرّب على عملين في اليوم الواحد وهو ما لم أقم به يوما ولكن الظرف يرغمني على أن أتحرّك أكثر فكنت أنهي بروفة "حقل أحلام" وأدخل في نفس الوقت إلى بروفة عمل "الشهد" كتابة فاروق محمد وإخراجي . أحاول أيضا أن أشاكس هذا الواقع من خلال "محترف بغداد المسرحي" الذي يعدّ هاجسا لي منذ أن أسّسته سنة 1998 إلى اللحظة وهو منظمة من منظمات المجتمع المدني المستقلة وانبثقت عنه بعض الأعمال وهي لهذه السنة" نساء لوركا" و"الشهد" وعمل جديد اسمه "هوى عراقي" كتابة عواطف نعيم وإخراجي وهناك أكثر من مشروع لأنّني أشعر أنّه من دون مشروع أنا ميت. بالمقابل المسرح الذي أتمناه وأحلم به كنا نناضل لوجوده في الفترة الماضية قبل 2003 وقدّمنا أعمالا مشاكسة ومهمة ومعاندة للنظام، قسم منه منع والقسم الآخر شوهد على المسارح المحلية وقسم آخر شوهد في قرطاج، مصر وعمان، وهناك مسرح مناهض أحيانا يقمع وأحيانا يرفض وأحيانا ينجح في أن يقدّم نفسه، أمّا في الفترة الحالية فلنقدّم ما نشاء ولكن لمن نقدمه؟ الجمهور غائب، لا يستطيع أن يأتي للمسرح والمسرح احتفال ليلي ونحن نقدّم المسرح في النهار من يأتيك في النهار؟ يأتيك النخبة وطلاب الجامعات والمختصون والمثقفون والفنانون ولكن خسرنا الكفة الثانية والمهمة من التجربة المسرحية وهو الجمهور المتلقي للمسرح العراقي سيأتون نعم ولكنهم قلة، وفي هذا السياق نتمنى أن تعود الحياة لكي يعود الليل، فالآن لا ليل في بغداد هناك عتمة والحياة تنتهي في الساعة الخامسة مساء، باستثناء بعض الأحياء المنغلقة عن نفسها التي استطاعت أن تؤمّن حياتها ومع ذلك حتى في هذا الانغلاق والأمان هناك بين الفترة والأخرى تفجير وقتلى وشهداء وضحايا بدون سبب . عواطف نعيم: العراق إرثنا لا يمكن التخلي عنه أنا أعشق العراق فلم أستطع مغادرته ولن أتركه، في كلّ الظروف هو إرثنا الذي توارثناه عن أجدادنا، فالواجب يلزمنا، وهذا ليس تبجّحا واستعراضا، أن نمنحه لأولادنا من بعدنا كما منحه لنا آباؤنا حرا مستقلا بسيادة كاملة، لذلك فضّلت البقاء في العراق لأنّه كالأم بحاجة إلينا، العراق جزء منا، هو في دمنا فلا يمكن أن نغادره في وقت محنته وشدّته وفي وقت أحوج ما يكون فيه إلى أبنائه لكي يحموه ويصونوه ويحفظوا تربته ووحدته. وفي رأيي، المسرح العراقي لكي يكون مسرحا عراقيا حقيقيا خالصا عليه أن ينبع من الجذر العراقي، أن يعاني معاناة العراقيين، أن يكتوي بنيران خوفهم أن يحتمي ويحتموا به، أن يكون معهم وأن يكون صوتهم أن يكون ضميرهم، فكيف لي أن أبدع عملا مسرحيا وأنا بعيدة عن أرض تكتوي يوميا بمحنة ونيران وإرهاب وخوف، وعن وهجه وسخونة جرحه، لم أغادر وفضّلت البقاء، العراق عراقي هو مملكتي وحاضنتي ورحمي الأول عليّ أن أبقيه دافئا وحيا. وفي هذا السياق لا بدّ للمسرحي العراقي أن يبدع وإن كان يعيش حالات من الخوف، فإن لم تقتل خوفك قتلك، وإن لم تقاتل من أجل حياتك مت، وعلى المسرحي والمثقف العراقي وهو الآن تحت ظلّ الاحتلال، أن يناضل ويقاتل من أجل أن يبقي جذوة المسرح العراقي ووجه الثقافة العراقية مضيئة كي يعلن أنّ العراقي ما زال كيانا قادرا وواعيا يعي مأساته وقادرا على أن يجد الحلول وقادرا على أن يفرّج كربة العراق بعون الله تعالى. أمّا عن المرأة العراقية بما فيها الفنانة المسرحية فهي متواصلة وهي الشهيدة والمناضلة لأنّها المضحّية دائما، لقد عانت حربين كونيتين قدّمت فيها الأخ والابن والزوج والأب شهداء، ثم في الأرض العراقية زرعت وحصدت وربّت واشتغلت في المصانع والمدارس والمستشفيات وتواصلت على المسرح والفنون التشكيلية من أجل أن تبقي العراق حيا ومن أجل أن تبقي العائلة العراقية متماسكة فهي امرأة ضحّت في كلّ الاضطرابات وكانت موجودة، ففي زمن الاحتلال وفي هذا الزمن خوف وإرهاب ومحاولة قمع صوته، أن المرأة تترك ساحتها خالية وتنكص إلى بيتها ؟ ليثق الجميع أنّ البيت يموج بفعل المرأة العراقية وأن الشارع يموج بفعلها المبارك وأنّ الحياة تتنفّس من خلال وجود المرأة العراقية بالرغم المشقّة والمعاناة تعمل وتتواصل وهي تعي أنّه قد لا تعود إلى منزلها بفعل من الأفعال التي قد تغتالها في الشارع أو تواجهها في مكان عملها ولكنها ومع ذلك تتسلّح بإيمانها العراقي الصابر والأصيل وتذهب وأنا أعشق المرأة العراقية وأؤمن بها وأنّ العراق لا بدّ أن يكون كما نحلم أن نكون . المسرح العراقي نما ونضج في أحضان حركة وطنية مسؤولة وواعية وهو حتى هذه اللحظة يناضل من أجل حفظ هوية العراق ومن أجل حفظ اسم العراق تراثا وحضارة ووجودا واستقلالا وسيادة من شماله حتى جنوبه، وما عروضه هذه إلاّ نبرات احتجاج تتّخذ من الجمال ومن الفكر ومن القدرات الفنية العالية وسيلتها لكي تعلم الآخر وتشير وتؤشّر وتعلن أنّ العراق حي عبر إنسانه لن يموت، الفنان يعمل إذن هو موجود، لم يترك ساحته ما زالت اللوحة جميلة ومازالت الألوان طرية ومازال المسرح يعمل وألوانه مضاءة وما زالت المطابع تطلع والصحف تكتب والمثقف العراقي صوته عال لن يسكته أي خوف. إقبال نعيم: بدأنا بالطفل والمسرح سلاحنا هناك أكثر من مسرح احترق ومسارح احتلتها قوات الاحتلال واتّخذتها ثكنات لها، لكن مازلنا نحاول من خلال المسرح الوطني ومن خلال "مسرح الرشيد" الذي أعيد إعماره وسيعاد فتحه شهر نوفمبر لهذا العام إن شاء الله أن نواجه هذا الوضع، وفي هذي السياق وبدأ اهتمامنا بمسرح الطفل حيث أعدنا مهرجان مسرح الطفل للعاصمة بغداد وفي المحافظات ونحلم بمهرجان عراقي أوّلا ومهرجان عربي ثانيا، وتعود بغداد كما كانت تقدّم مهرجانها للمسرح، فنحن المسرحيون نحاول جاهدين أن نحقّق أحلامنا، لأنّه جزء من نشاطنا ومهمتنا لا تقتصر في أن نكون مسرحيين فقط ولكن مهمتنا كمواطنين أوّلا تحتّم علينا أن نعيد بناء بلدنا بأيدينا، ومسرحنا هو الواجهة الحقيقية لإعادة هذا البناء، لأنّ ما خرّب ليست البنايات وإنّما النفوس وهذا أصعب وأخطر، لذلك بدأنا بالطفل أوّلا لأنّنا نؤمن بأنّ الأطفال الآن هم رجال المستقبل، سيكون منهم الممثلون والمخرجون والمتفرّج المتذوّق العارف والعالم بالمسرح سواء يكون الطبيب أو المهندس لكننا نريد منه أن يتذوّق الجمال وليس العنف وأن يتشبّع بالثقافة والحضارة وليس المفخّخات والتفجيرات والقتل العشوائي في الشوارع، نريد منه أن يعرف معنى أن يكون مسلما أو مسيحيا ومعنى أن يكون إنسانا، لأنّه أن تكون إنسانا أولا هو الأهم قبل أن تكون من أي مذهب ومن أي طائفة ومن أي عشيرة، فالإنسان هو الإنسان في أي زمان وفي أي مكان هذا ما نريد منه أي يكون فبدأنا بمسرح الطفل. الخوف هو واحد من المعوقات الكبيرة للمسرح العراقي ولكنّنا نتغلّب على الخوف بعشقنا للخشبة وبصلاتنا على هذه الخشبة، كلّ يوم عندما أخرج إلى المسرح أقول: "ربي أسلمتك روحي ونفسي فإن وصلت سالما إلي بيتي فشكرا لك أولا وأخيرا"، لأنّ القضية ليست قضية شخص بل قضية وطن وكلّ الأشياء الخاصة تلغي لأنّها ليست مثالية وإنّما خلقنا هكذا، فالعراق أعطانا الكثير حتى نحن مدينون له في وجودنا في الجزائر فهذا جزء يسير مما نقدمه، نحن لا نستطيع حمل السلاح وإنّما نستطيع أن نحارب من أجل عقل نظيف وصاف ومجتهد فالكلمة، الضوء، الحب والسلام سلاحنا والمسرح هو أيضا سلاحنا. بالمقابل، أعتبر التمثيل بالنسبة لي الرئة التي أتنفّس منها، أعشق التمثيل إلى درجة أنّني أبذل ذاتي وروحي فيه وهذا ما جعل مسؤولي وزارة الثقافة يؤمنون بفعلي وثقافتي في تنشيط المسرح في العراق وهذه مسؤولية كبيرة تجعلني أعمل عن شقين، أوّلا أن لا أتوقف عن التمثيل وأنا لم أتوقّف حتى بعد الحرب فبعد الاحتلال مباشرة هيئت مسرحية مونودراما كتبتها عواطف نعيم وأخرجها هيثم عبد الرزاق كانت لورشة "فضاء التمدين المستمر" وهي فرقة صغيرة غير حكومية ، وكانت عبارة عن صرخة للعراق بعد الاحتلال وذهبنا إلى مهرجان الإمارات حول المونودراما وإلى القاهرة في مهرجان المسرح العربي، وأعمل أنا في المسرح مع زملاء يؤمنون بي وهم مثلي وعلاقتي بهم فيها الكثير من المحبة ويربطنا هم حقيقي في أن يكون المسرح كما نريده وكما نحلم به، فلذلك أنا لا أجد صعوبة في إدارة المسارح قد أتماطل في المشاريع الخاصة لكن عندما يحتاجني المشروع العام ومشروع البناء الوطني للثقافة المسرحية العراقية سأكون معه قلبا وقالبا ومشاريعي سوف أحققّها من خلال اسهامي العام لتحقيق الخاص. من جهة أخرى نأمل أن تكون بغداد سنة 2009 فاتحة ذراعيها لكلّ العرب حتى يأتوا ويعملوا، لقد وعدني الأخوة الجزائريون مثلما وعدني الأخوة في مهرجان قرطاج بالحضور إلى العراق في حال تأسيسنا لمهرجان عربي وأنا أعلم أنّ الجزائريين ثوّار وأنّ مسرحهم مسرح قضية كما هو المسرح العراقي والتونسي وأنا أثق بهذا الوعد. قاسم مطرود : "مسرحيون" تربط العراقي بالعالم يمكنني القول بأنّني قدّمت للمسرح العراقي والمسرح العربي الكثير وهذا ليس بفضلي الشخصي وإنّما لاستغلالي لثروة المعلومات المتوفّرة لدى الجميع، ويمكنني القول أنّني محظوظ بعد أن وضعت يدي على المفتاح الحقيقي، انجزت مجلة "مسرحيون" على الإنترنيت التي استطاعت وبشكل سريع ربط العلاقات بين كلّ الدول العربية وجميع المسرحيين إن كانوا في الوطن العربي أو خارجه، فيوم كان العراقيون يسكنون العراق تحت نظام دكتاتوري وحصار جائر ضمنت لهم المعلومة، ما أن يدخل الكتاب إلى العراق تتلقّفه الأيدي، إلاّ أنّ "مسرحيون" كسرت هذا الطوق واستطاعت أن تصل إلى الكثير من أحبتي وأصدقائي فكانوا يعلمون ويقرؤون ويعرفون بآخر الأحداث هنا وهناك، كنت أكتب لهم عن المسرح في أوروبا وأخبرهم بما يجري في المسرح من عروض، كنت أفتح روابط كثيرة أسميتها مهرجانات مسرحية كانوا يسألونني عن آخر مهرجان لأنّهم يشتغلون بشكل دائم كخلايا النحل ويحبون أن تكون لهم بصمة في المسرح العربي، ويسألونني دائما ما هي آخر المهرجانات ومواعيدها ففتحت لهم رابط اسمه مهرجانات وبإمكانهم الآن بزر واحد أن يعرفوا الكثير عن المهرجان الوطني في الجزائر، من هم المكرّمون؟، من هم المدعوون؟، ماهي الجلسات النقدية وما هي المحاور؟ ماهو عرض الافتتاح؟ ماهي العروض الأساسية ؟، بمعنى أو بآخر أدخلت المعلومة للمسرحي العراقي وهو جالس في بيته. لدي مشروعان، عام وهو ربط العلاقة بين المسرح العراقي والعربي وبالعكس ، وخاص أشتغل فيه لذاتي أنا، فأنا كاتب مسرحي قدّمت للمسرح العراقي أكثر من 25 نصا مسرحيا قدّم أغلبها على المسرح العراقي ومسارح عربية وعالمية، وترجمت أعمالي إلى لغات كثيرة من بينها الفرنسية، السويدية، العبرية، الانجليزية والهولندية، أنا الكاتب العراقي الأول الذي تأخذ عنه ثلاثة دكتوراه وأربعة شهادات ماجستير وهناك دكتوراة في الطريق تحت عنوان "المرأة في مسرح قاسم مطرود" بالعبرية في جامعة القدس بفلسطين، ونصوصي وتجربتي مدار بحث دائم في العديد من دول العالم وأعتقد أنّني ابن حقيقي للمسرح والمسرح العراقي هو الأب والحاضنة الكبرى التي خرجت منها. رغم أنّني لم أر المسرح العراقي منذ عشر سنوات أي من داخل العراق منذ عشر سنوات، إلاّ أنّني قريب من المشهد المسرحي وبشكل دائم عبر تواصل الأخبار والرسائل الالكترونية وعبر تواجد المسرح العراقي في المهرجانات العربية، فأنا دائم الحضور في المهرجانات العربية والملتقيات الدولية وفي جميع هذه الملتقيات للمسرح العراقي حصة، فعندما أشاهد عرضا مسرحيا عراقيا أو متدخّلا عراقيا في محور وأرى طروحاته أشعر أنّ المسرح العراقي بخير، حقا أنا لم أر عروضا من الداخل إلاّ أنّني أقول المسرح العراقي بخير وسينهض كما هو الشعب العراقي نهوضا سيفاجئ الجميع، فالشعب العراقي شعب ثري برجاله وفنانيه، مبدعيه، نجّاريه، حدّاديه وباعته، ستفاجؤون بعد سنوات بثورة مسرحية تجتاح كلّ من حولها وسيكون المسرح العراقي كما هو حال المسرح في أوروبا وبالتحديد في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية بعد أن صارت باريس مدار الحداثة والتجديد والتحديث. لأنّهم تيقّنوا وعرفوا أنّ الإنسان ليس كما كانوا يتصوّرونه وأنّ الحرب شيء بشع ولكن بالإمكان الاستفادة مما تعطيه من دروس في المجازر، فخرج شعبنا ومسرحيونا بجملة كبيرة من الوعي والثقافة وبصدمة كهربائية أهلتهم لأن يكونوا مدركين لما هو يحدث من حولهم وداخل بلدهم. لست الوحيد من المسرحيين خارج العراق هناك العدد الكبير، هذا السؤال يعودني إلى سنة 2007 عندما قرّر المركز العراقي ودائرة السينما والمسرح تكريم الفنانين العراقيين في يوم المسرح العالمي كرّمت شرائح كبيرة من الروّاد والشباب المسرحيين داخل العراق، وكرّمت المغترب الوحيد من المسرحيين وهو أنا وهذا شرف كبير لي لأنّهم قالوا أنّ قاسم فعل الشيء الكثير للمسرح العراقي وأعطوا درعا كبيرا لأخي الأكبر وفيه شعار "مسرحيون" فأتيحت لي الفرصة وأنا في الخارج لتقديم الكثير وهناك من المسرحيين خارج الوطن قدّموا للمسرح العراقي لكن كل بطريقته الخاصة وحسب المتاح له هناك من قدّم نصا أو نقدا حسب المتاح، أنا والحمد لله أتيحت لي المساحة الأكبر في تقديم ما يجب تقديمه للمسرح العراقي.