إنها امرأة ليست كباقي النساء ممن يعتمد على مساعدات الأسرة في إعالة أبنائها بعد وفاة زوجها، بل هي امرأة بمائة رجل كما يقال وأي وصف في حقها لن يوفيها. فقد شمرت على ساعديها واقتحمت عالم الشغل في زمن كان اقتحام المرأة هذا الميدان من المحرمات وكانت مثالا للتحدي والمثابرة. رغم مرور الأيام والسنوات إلا أن محياها لازال ينبض بالحياة والتفاؤل والمثابرة فهي مثال حقيقي وصورة واقعية لامرأة أثبتت قدرتها الخارقة وتحملها وصبرها الشديد في تخطي الصعاب والأزمات، إنها السيدة ''حشفنة سعيدة'' 58 سنة المعروفة والمحبوبة عند الكل، فقد شاءت الأقدار أن تتوقف عن الدراسة في الثالثة نهائي لترتبط برجل أنجبت منه ولدين لتصطدم في سن 23 بموت زوجها المفاجئ الذي ترك لها مسؤولية ولدين بلا مال أو معيل يستطيع تربية ولديها الصغيرين اللذين لم يشبعا من حنان ووجه والدهما المتوفي. التفصيل وخياطة الملابس أول انطلاقتي في مواجهة الصعاب ولأن الظروف آنذاك كانت مغايرة على التي هي الآن ونظرة المجتمع تغيرت من حيث حكمها على المرأة العاملة وخاصة الأرملة أو المطلقة، فقد واجهت السيدة سعيدة صعوبات جمة لكي تقتحم عالم الشغل وتعيل والديها حيث تقول: ''حين توفي زوجي تركني دون مال ولا عمل ولا معيل ياسعدني، هذا لا ينفي أني تلقيت مساعدات من أهلي وأقاربي وأحبابي وجيراني لكن هذا المعيل سوف يأتي اليوم الذي يتعب فيه فمسؤولية عائلتي كبيرة على أي كان، لذا قررت أن أشمر على ساعديّ وأعمل خيرا لي لأكبر أبنائي، فقمت ببيع صيغتي واشتريت ماكنة خياطة وبدأت أفصل وأخيط الملابس ثم أعرضها على المحيطين بي وحتى المحلات التجارية والأسواق قصد بيعها وجني المال لإعالة أسرتي، وهكذا خطوة فخطوة ذاع صيتي بين الناس وأصبحوا يعرفون أعمالي وكنت أتلقى الكثير من المديح نتيجة الاتقان والتفاني في العمل. وأخذت الطلبات تتوافد علي الواحد تلو الآخر ولكن لا يمكن أن أنكر المرحلة الصعبة التي سبقتها والتي عشتها من قبل، حيث تواصل سعيدة سرد تفاصيل حياتها المكافحة ''فقد لجأت في العديد من المرات إلى التوسل إلى التجار للقبول بأعمالي حتى أنني عرضت بيعها بنصف الثمن ولذا لم أستطع أن ألبي جميع متطلبات ولدي، فكنت لا أوفر لهم سوى الضروريات من الأكل والملبس''. تحقيق الحلم وفتح ورشة خياطة بعد طول انتظار ومع مرور الأيام تواصل هذه الأم رفع التحدي وتحقيق طموحاتها وأحلامها حيث تقول: ''بالرغم من أنني عانيت كثيرا طيلة مراحلة حياتي إلا أنني وجدت دعما من زوج أختي الذي ساعدني كثيرا في تحقيق مشروع وحلم حياتي، وهو فتح ورشة خياطة لإعداد أجمل التصاميم والأفكار التي كنت أريد أن أجسدها على أرض الواقع، حيث واصلت، رغم كل شيء، العمل بشرف لتربية أبنائي، فقد فتحت ورشة خياطة رغم المدة الطويلة التي قضيتها وأنا أحضر لهذا المشروع وذلك لنقص الإمكانيات، واستطعت في الأخير أن أجسده على أرض الواقع. ولدي الآن 15 فتاة عاملة أشرف على تعليمهن وتوجيههن في هذا الميدان نظرا لخبرتي الطويلة فيه وأصبح لدينا زبائننا الدائمون من داخل الولاية وخارجها. والحمد لله فصناعتنا وجدت صداها في السوق وأنا اليوم أحمد الله وفخورة بنفسي لأنني استطعت إثبات نفسي بجدارة، حيث اعتنيت بأسرتي، أري ولداي يتخرجان من الجامعات ويكملان مسارهما الدراسي كل واحد منهما حسب التخصص الذي كان يحلم به، والآن وبعد مرور السنوات صار ولداي يساعدانني ويحملان الثقل عني. إن قصة ''سعيدة'' مع كل ما فيها من تشويق وروعة، إلا أن الأجمل فيها هو الاستفادة وأخذ العبرة من حكايتها مع الزمن الذي قهرته بعزيمتها، وتحدت كل سلبيات ونظرات المجتمع لتثبت وجودها دون الاعتماد على الغير وتعيل ولديها بكل صبر ومثابرة.