يرى مراقبون على اطلاع بالملف الأمني أن موقف موريتانيا من مالي أملته فرنسا القوة الاستعمارية السابقة والتي لها تأثيرها الكبير في المنطقة. وكانت فرنسا تود السماح لها بالقيام بعملية عسكرية لإنقاذ المواطن الفرنسي المخطوف كامات وهو ما رفضته مالي مفضلة الخضوع لمطلب القاعدة بإطلاق سراحه مقابل تحرير نشطائها . وتدرك حكومة مالي هشاشة منظومتها الأمنية والعسكرية أمام تنظيم القاعدة الذي يحظى بمساعدة بين قبائل الطوارق والعرب التي تسيطر على شمال مالي والتي لها جذورها الممتدة هنا وهناك داخل العصابات المسلحة المتنقلة في المناطق الحدودية بين مالي وموريتانيا والجزائر. ورغم أن الرئيس ولد عبد العزيز يواجه مالي حاليا بتشدد وعتب، فإن حكومة باماكو تملك أوراق ضغط كثيرة يمكن أن توجه ضد نواكشوط بينها علاقاتها الجيدة مع القبائل المسلحة التي يمكن أن تضر بالمصالح الموريتانية، وكذلك تحكم مالي الكبير في تأمين موريتانيا الذي لا يمكن أن يستتب أمنها دون تنسيق وتفاهم بين الدولتين المتجاورتين. وحسب ما أفادت به مصادر إعلامية موريتانية فإن نواقشط استقبلت ببرود واضح وزير الخارجية المالي مختار وان الذي وصلها الأحد في زيارة رسمية. وتجسد البرود الذي يوحي باحتمال فشل الزيارة في تأخر الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز عن استقباله وكذلك غياب وزيرة الخارجية الناها منت المكناس التي توجهت في اليوم نفسه إلى الجزائر في زيارة عمل، وكذلك تعامل الإعلام الرسمي الموريتاني مع الزيارة بفتور واضح. وتحاول نواكشوط إبلاغ باماكو رسالة مضمونها أنها غاضبة من إفراج الأخيرة عن معتقلين محسوبين على 'القاعدة'، بضغط من باريس، مقابل الإفراج عن الرهينة الفرنسي بيير كامات الذي كان التنظيم يحتجزه. وتتعلق زيارة وزير الخارجية المالي، حسب مصادر بالخارجية الموريتانية، بمسعى باماكو لتطبيع العلاقات مع نواكشوط التي تأثرت بعد استدعاء السفير الموريتاني في مالي يوم 22 الماضي للتشاور احتجاجا على خضوع السلطات المالية لاشتراطات تنظيم القاعدة وإطلاقها لأشخاص، بينهم موريتاني. والذين أطلقت مالي سراحهم هم جزائريان وموريتاني وبوركينابي وهم متهمون من طرف السلطات الأمنية الموريتانية والجزائرية بالمشاركة في عمليات إرهابية، وسبق لهذه السلطات أن طالبت بتسليمهم ضمن التعاون الأمني بين الدول الثلاث وهو ما لم تستجب له باماكو. ولم تنفع مزاعم الحكومة المالية بأن المفرج عنهم أتموا محكوميتهم التي حكمت بها العدالة. وقد قضى وزير الخارجية المالي ليلة كاملة ونهارا تاما قبل أن يستقبله الرئيس ولد عبد العزيز، وهو ما فسره المراقبون بأنه تعبير موريتاني عن عدم الارتياح للخطوة المالية. كما تجسدت هذه البرودة في صمت وسائل الإعلام الرسمية عن نشر وصول الوزير المالي وتجاهلها غير المعهود لاستقباله من طرف الرئيس ولد عبد العزيز. وبينما كان الوزير المالي يزور نواكشوط كانت نظيرته الموريتانية منت المكناس. واعتبرت هذه التفاصيل مؤشرا على فشل مهمة الوزير المالي في نواكشوط.