تقديرا للفعل الثقافي وخدمة للثقافة والمثقفين جرينا وقفة حوارية مع الناقد الروائي الكبير السيد عبد اللطيف محفوظ فكان موعدا امتزج فيه سحر الكلام بنظر النقد البناء للرواية العربية وراح ابن الدارالبيضاء المغربية يطرح لجريدة الحوار أوراقا من الشروحات والتحاليل التي تلتف حولها الرواية مستنبطا كلماته من الأحكام التي توصل اليها عندما وضع جملة من الروايات فوق طاولة العمليات النقدية معطيا آماله وطموحاته في ابراز الرواية المغاربية والعربية عامة. بداية نرحب بك في الجزائر ونسعد باجراء هذا الحوار معك - أنا بدوري مسرور بتواجدي بين أحضان الشقيقة الجزائر لتبادل المعارف والخبرات وأصدقك القول بأني أرتاح حينما تقودني الزيارات لهذا البلد الجميل والذي تزيدني بطولاته وتاريخ أمجاده وسحر ولاياته إلهاما في بث الابداع والنشاط. وأشكر جريدة الحوار التي أبدت التفافها لمعرفة جوانب من عالم الرواية والثقافة عامة وأنا مرتاح لالتفاف الصحافة بما يحدث في الحقل الثقافي لأن الرواية وإن نقلت لك الواقع فالصحافة هي من تكشف النقاب عنه. بالأمس القريب كانت الرواية الجزائرية تحت مجهر النقاد المغاربة واليوم تنتقل الرواية المغربية لتلقى الدراسة والتحليل من طرف الجزائريين ما تعليقك؟ - في الواقع نحن كنقاد وروائيين وبالتنسيق مع مختلف الجمعيات الثقافية ومخبر السرديات بالمملكة المغربية أردنا من خلال تنظيم ملتقى الرواية المغاربية لدراسة الرهانات والواقع الذي يتطلبه الروائي لابراز أعماله لما يساير العصر وبالخطوات التي لابد أن يسير عليها لبلوغ الأهداف المنشودة وكبرمجة معهودة نقوم بدراسة رواية دولة مغاربية بالتحليل والنقاش والنقد لابراز السلبيات والايجابيات المتطلبات والنقائص، وهي كلها أوراق نعتمد عليها لصياغة الرواية كما يريدها القارئ، ففي الطبعة الماضية تشرفت المغرب باستضافة الرواية الجزائرية التي طرحت عدة مواضيع على مر الفترات، وقامت اللجنة المنظمة ببرمجة مساحات كبيرة للنقاش وابداء الملاحظات واليوم ستوضع الرواية المغربية كنموذج لابراز ما يمكن إبرازه على مدار دراسة غير محدودة المدة وقد تستمر إلى غاية الطبعة القادمة رغم ان الملتقى سيدوم 03 أيام فقط. وكيف وجدتم حال الرواية الجزائرية بعد تحليلها؟ - الحقيقة التي لابد من ذكرها هو أن الروائي الجزائري أصبح يقترب من الواقع ويؤمن من أن الاقتراب من كافة طبقات المجتمع في الكتابات الروائية يعد بمثابة الورقة الرابحة والصفقة التي ستزيد من نجاح أي عمل يهدف اليه الروائي وبالتالي فالرواية الجزائرية، وإن تأثرت ببعض المعطيات والأحداث الا أنها استطاعت الحفاظ على هويتها والخروج في آخر المطاف بالعزيمة الكبيرة لمواصلة المشوار، ولعل الأسماء البارزة في الرواية الجزائرية لخير مؤشر على خير قادم في فن الرواية وما فعلته أحلام مستغانمي بكتاباتها في المشرق العربي لخير دليل على ما قلت ويكفي أن نشير الى أن الرواية الجزائرية كمثيلتها في المغرب تعرف تطورا ملحوظا وتقترب دائما الى دائرة الأحسن والأجود. وفي ربط للعلاقة بين واقع الثقافة والرواية في المغرب العربي فكيف يراها الأستاذ عبد اللطيف؟ - الواقع الثقافي في المغرب والوطن العربي عامة متشابه الى حد كبير رغم بعض المفارقات التي تستند لواقع الدول والأوضاع التي تعيشها ولا يمكن أن نصدر أحكاما قد تكون قاسية لكن نقول إن الأوضاع عادية رغم جفافها في بعض الدول، ويمكن أن يتطور مع مرور الوقت خاصة اذا تواصلت مثل هذه الفعاليات في تنظيم الدورات والملتقيات التي تعد روح الفعل الروائي رغم بعض الصعوبات التي تعترضها، وأنا كناقد أرى أن أوضاعا كبيرة يجب أن تعود الى سكتها قبل مواصلة المشوار في الرواية وترقيتها. الواضح من كلامك كناقد أنك تنتقد بعض الأوضاع بالدول العربية؟ - الأكيد أن نشجع أي فعل ثقافي يرتكز أساسا الى مدى اهتمام الدولة به والصحيح أن الحكومات العربية لا تقوم بواجبها، ولا تعرف وظائفها الأساسية في بعض الجوانب الثقافية سيما ما تعلق بالابداع الفردي والنشاط المتصل بالأفكار وترقيتها لأنها تغلب الجانب الآخر للثقافة والمرتبط بالصورة والصوت مثل السينما والمهرجانات التي تحظى بتنظيمات محكمة ومسبقة وتصرف عليها مبالغ ضخمة مهملة نوعا ما الفنون الشعبية والتراثية والتي تراها بنظرة ضيقة وجب تعميقها، متناسية أن مثل هذه الفنون هي التي تعبر عن الذهنية الاجتماعية وتحافظ عن التراث القومي وتوطد العلاقات بين الشعوب، لكن رغم كل ذلك نقولها بأن الأوضاع بالمغرب والجزائر تثير نوعا من الارتياح بفعل الحركية المشهودة في تنظيم الدورات والملتقيات، وهو ما يعكس الرغبة الملحة للروائيين في صناعة الرواية الجديدة والمواكبة للتطلعات، فأنا مثلا في الجزائر حضرت 03 ملتقيات تتحدث عن الرواية، الاول حول السرديات بجامعة بشار والثاني حول أساسيات الرواية بجامعة سعيدة إضافة الى ملتقى الرواية المغاربية هنا بسطيف. اذا أنت راض عن الرواية ولست راضيا عما يحوم حولها؟ - الرواية بالأساس هي إنتاج فردي وإبداع شخصي وباعتبارها نشاط فردي وابداعي في آن واحد فلا يمكن إصدار حكم نهائي ومنطقي يتجاوب واقناع القارئ بما يدور حول هذا وذاك، لأن الفكر فكر الكاتب، ويريد إيصالها الى المتلقى بوسائل شتى لأنها في النهاية إنتاج فردي ولكل نظرته للتحليل المنصب حول قضية معينة، والقدرة على الكتابة وكذا الموهبة الغريزية والفطرية التي تأتي كوجبة دسمة لكل القراء لذا فلا مجال للحكم الصارم في مثل هذه الفنون، لكن في المقابل يكون الواقع المحيط بالرواية الأولى بالتغيير خاصة بأصحاب القرار. إذا كان الأمر بهذه الصورة، فكيف تستطيعون دراسة وتحليل رواية ما؟ - نحن كنقاد عند دراستنا لرواية ما، فلا نتناقش حول فكر الروائي أو انتمائه، بل نحاول اعطاء مسح لما تتوفر عليه هذه الكتابة حول ضمها للعناصر المعروفة وبنائها المنتظم وعدم وقوعها في المتناقضات، فأنا كناقد للرواية والقصة القصيرة أحلل هذه النصوص من خلال خلفية واضحة يعتمد على إصدار أحكام توجيهية وارشادية محاولة للوصول الى الأحسن، فهناك خلفيات سيميائية اعتمدها فلاسفة أمريكيون خلال القرن ال19 في عقر دار الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي الفلسفة التي عادت بقوة نهاية القرن ال20 لأنها تعتمد على دراسة الجوانب السيميائية لأي فرد حتى الروائيين لفرض نظرة على الكتابات المقيد بها ومتابعتها وهي فكرة صائبة ارتقت عند الغرب وافتقدها العرب، اللهم اذا استثنينا بعض المحاولات على غرار الكاتب الروائي المغربي سعيد بن تراب الذي أراد توظيف الفكر السيميائي في كتاباته. وقضية التجريب الذي جاء الملتقى لتكريسها فكيف يقيمها عبد اللطيف ؟ - التجريب عامة جعل الرواية المغاربية تتميز بتحليلها للواقع والخروج من قوقعة التقليد المستمر، ونحن كنقاد نرى ذلك نعمة على الرواية العربية لأن التجريب يعالج القضايا، ويعطي أحكاما، أي بعبارة أخرى يشخص الداء، ويعطي الدواء، كما أنه يسعى للاقتراب أكثر من مختلف شرائح المجتمع، ما جعل الروايات التي تعتمد عليه في الكتابات تستقطب عددا اضافيا من القراء وهو الحكم الذي أدلى به روائيون ونقاد من المشرق العربي والذين أكدوا أن التجريب جعل الرواية المغاربية تزداد بروزا، وأصبحت تكتسب مقروئية واسعة في الوطن العربي عامة لذا نحن ندعو للمواصلة في العمل به وترقيته لما يخدم ترقية الرواية. هناك روائيون مشارقة يرون أن هناك تكتلا بين الروائيين المغاربة ما تعليقك؟ - الروائيون لا يشكلون حزبا سياسيا أو مؤسسة انتاجية محضة حتى يكون بينها تكتل بالمفهوم الوارد، وحتى مفهوم التعاون بين الروائيين غير وارد، لأنه وكما أسلفنا القول فإن للروائي نظرته التحليلية وتشخيصه للفكرة المنتقاة وله موقف خاص فيما يدور حوله، وانطلاقا من هذه النقاط يكون قادرا على تشخيص هويته وهوية مجتمعه وأمته من خلال التكفل بالوضع العام والانشغالات الواردة، الا أن الفرق بين كلا الروائيين يختصر في كون المغاربة يتباحثون من خلال الملتقيات والندوات مثل هذه وأرادوا تطبيق منهج التجريب الذي رقى أفكارهم ومع الاحتكاك الوارد بيننا نتمنى أن تكون هناك ملتقيات على المستوى العربي لدراسة واقع الرواية وفاقها. وماذا عن مشاريعك المستقبلية كناقد في الرواية؟ - أنا أطمح في البحث لايجاد آليات جديدة في النقد الروائي ولي مشروع في دراسة وتحليل مجموعة من الروايات من منطلق المعطيات المتحصل عليها من خلال دراستي لبعض أعمال العرب والغربيين، وتعتمد على التنظيمات الكتابية والدراسات الدقيقة يمكن للقراء الاطلاع على كتاباتي وأهمها كتاب (آليات إنتاج الوسط الروائي نحو الفصل السيميائي) وهو منشور بالجزائر بالتعاون مع دار العلوم اللبنانية والثاني (المعنى والصديق) وهو منشور بالجزائر كذلك. كلمة نختم بها هذا الحوار الشيق مع حضرتك؟ - كلمتي الختامية هي دعوى للحكومات العربية للالتفاف حول الأعمال الثقافية الهادفة واعطائها الأهمية القصوى، لأنها الحافظ لمقومات الدول والأمم، وأشكر كل فاعل في إنجاح مثل هذه الملتقيات بما فيهم جريدتكم التي أتمنى لها التوفيق والنجاح وتحية لكل قرائها.