طاقات متجددة: ياسع يشارك بالصين في أشغال الجمعية العامة للهيئة الأممية للتغيرات المناخية    المجلس الوطني الفلسطيني: استخدام الاحتلال للدبابات في "جنين" يهدف لتدمير حياة الفلسطينيين    صحراء ماراطون : مناسبة متجددة للتضامن مع الشعب الصحراوي ونضاله من أجل حريته واستقلاله    كرة القدم (داخل القاعة): المنتخب الوطني يشرع في تربص اعدادي بفوكة (تيبازة)    مدير البريد والمواصلات لولاية الجزائر    كرة القدم/ الرابطة الأولى موبيليس (الجولة ال 17): مولودية الجزائر تفوز على نادي بارادو (3-1) وتعمق الفارق في الصدارة    السيد قوجيل يعزي عائلات العسكريين شهداء الواجب الوطني في فيضانات عين تموشنت    إحياء الذكرى المزدوجة يعد محطة تاريخية هامة لاستلهام العبر    ارتفاع حصيلة المراقبين الدوليين الذين طردهم المغرب    مجلس الوزراء: رئيس الجمهورية يوجه باعتماد وسائل رقابية جديدة لحماية الموانئ    رئيس الجمهورية يعزّي في وفاة 3 عسكريين بعين تموشنت    لهذه الأسباب استحق الرئيس تبون لقب النقابي الأول    رؤية شاملة لمواصلة لعب الأدوار الأولى    ترقية التعاون جنوب-جنوب في مجال الطوارئ الكيميائية    رؤية استشرافية متبصرة لريادة طاقوية عالمية    إحياء الذكرى المزدوجة ل24 فيفري بحاسي مسعود    سعيدة : فتح ستة أسواق جوارية مغطاة تحسبا لرمضان    بونجاح وعبدلي يؤكدان جاهزيتهما لتصفيات المونديال    دورة تكوينية للنواب حول المالية والإصلاح الميزانياتي    "إسكوبار الصحراء" تهدّد مملكة المخدرات بالانهيار    "طيموشة" تعود لتواصل مغامرتها في "26 حلقة"    خارطة طريق جديدة للقضاء على النفايات    جانت : مناورة وطنية تطبيقية لفرق البحث والإنقاذ في الأماكن الصحراوية الوعرة    السيد بوغالي يترأس بالقاهرة أشغال الدورة ال37 الاستثنائية للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني العربي    هذه توضيحات الجمارك الجزائرية..    وزارة التربية تدرس مقترحات 28 نقابة    سعيود يبرز الجهود المتواصلة    توقيف لاعبَيْ مولودية الجزائر واتحاد بسكرة 6 مقابلات    الدخول المهني: استحداث تخصصات جديدة تواكب سوق العمل المحلي بولايات الوسط    هذه هي الجزائر التي نُحبّها..    نحو 5000 امرأة ريفية تستفيد من تكوين    سيطرة مطلقة للمنتخب الجزائري    تتويج زينب عايش بالمرتبة الأولى    قِطاف من بساتين الشعر العربي    الشوق لرمضان    صدور المرسوم التنفيذي المتضمن رفع قيمة منح المجاهدين وذوي الحقوق    تقديم العرض الشرفي الأول لفيلم "من أجلك.. حسناء" للمخرج خالد كبيش بالجزائر العاصمة    مجلس الأمن يعتمد قرارا يدين الهجمات في جمهورية الكونغو الديمقراطية والاعتداء على المدنيين    الطارف : انطلاق التربص التكويني لمدربي كرة القدم FAF1 بالمركب الرياضي تحري الطاهر    هناك جرائد ستختفي قريبا ..؟!    هذا جديد مشروع فيلم الأمير    شبكة وطنية لمنتجي قطع غيار السيارات    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    رئيس مجلس الشيوخ المكسيكي يجدّد دعمه للجمهورية الصحراوية    عشرات الأسرى من ذوي المحكوميات العالية يرون النّور    مستفيدون يُجرون تعديلات على سكنات تسلَّموها حديثاً    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    تراث مطرَّز بالذهب وسرديات مصوَّرة من الفنون والتقاليد    نادي ليل يراهن على بن طالب    مدرب مرسيليا الفرنسي يوجه رسالة قوية لأمين غويري    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    تسخير مراكز للتكوين و التدريب لفائدة المواطنين المعنيين بموسم حج 2025    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طيف على الجزيرة
نشر في الحوار يوم 25 - 03 - 2010

حينما يذوب الجليد من حول القلوب النابضة، وتتعرى الحقيقة من جلابيبها صارخة، يتحرر اللسان من قيود تلجم الكبار الخوض فيما يعنيهم، ما لا يعنيهم، تنطلق البراءة بكلمات وإن تعثرت، من شفاه طفل تعلن قوتها وتحديها، تعلن شموخ نفس أبية ترفض التسليم بالضعف، أو الاستسلام للإذلال.
نظرت إليه، وهو يقف فوق الركام وبقايا الدور، بقامته النحيفة ونظراته المتوهجة قوة وعنادا، نظراته اللامعة تلف المكان بسرعة الخبير المحنك، يحسن الربط بين الحركة والكلمة، ترتفع يداه الصغيرتان حين الضغط على مواطن القوة في كلامه، ويرخيهما كلما سلم بأنه واقف على أشلاء إخوة له مزقت أجسادهم قذائف الموت، لكن ذلك لم يعقه عن التعبير.
سأله أحدهم: ما رأيك فيما يحدث؟
فرد بكل عفوية: هم منعوا عنا لحوم البقر، أحرقوها حتى لا تصيب عدواها الإنسان، ولكن يبدو لي أنهم حرمونا من أكلها وآثروا أنفسهم بها، فجن جنونهم وراحوا يضربون كل شيء لا فرق عندهم بين البشر وبين الحجر.
تخيلته واقفا أمامي، يجلس ليستعرض قصته، ينتظر مني سؤالا ربما أفتح به باب الذكريات. فهمت ما كانت توحي به إليّ نظراته، فمددت يدي ورحت افتح كتاب الذكريات معه.
أولى الصفحات
كان البيت عامرا بالنساء وهن يحطن بالأم، ويهنئنها بهذا المولود الصبي، يتطلعن فيه، بهي الطلعة.. يعلن عن حضوره بتلك الصرخات البريئة. لم يكن الأول فالأم قد تدرّبت على تربية الصبية قبله ولن يكون الأخير لان ذلك ما تعارفت عليه نساء وطنه، فلا حد للإنجاب ولا تحديد، فالمرأة لا بد أن تجهِّز هذا الوطن بما استطاعت من عدة المواجهة ربما كان يدرك انه لا ينبغي عليه أن يطيل المكوث في المهد وما إن بلغ العتبة حتى وقف ليلقي بأولى خطواته خارج البيت، وهناك سيتعلم كيف ينحني وكيف يحمل الحجارة وما ينبغي عليه العودة إلى السرير مساء لأن مكانه قد حضر لاحتضان صبي آخر، وما عليه سوى أن يواجه الغد بكلمات يتقن نطقها دون لحن وهو يجلس على كرسيه في المدرسة، أو وهو يردد الأدعية حين عودته مساء إلى البيت.
ثاني الصفحات
قال لأمه وهو يحاورها في لحظة أرادها القدر أن تكون الصفاء الذي يسبق العاصفة ''ما سر هذه العجلة يا أماه؟ تتحدثين بسرعة، وتعملين بسرعة؟ وتحبلين بسرعة؟ قالت: أرى أنك فهمت ذلك بسرعة وهذا هو الهدف والفائدة الكبرى يا بني، سأقول لك يا ولدي أن سر كل هذه السرعة هو أن تموت أنت بسرعة'' فتح فاه من الدهشة وقبل أن ينطق أول حرف قالت ''لا تعجب فأنت الشهيد الموالي'' قال ولم العجلة ؟ قالت : ليحدو حدوك من سيأتي بعدك من إخوتك فكلما عبدتم الطريق بأجسادكم وسقيتموها بدمائكم سهل الوصول إلى المبتغى؛ ومبتغانا يا بني هي حريتنا وهويتنا التي سجنها ذاك الغاصب خلف المدرسة، وخلف المسجد، وخلف الحدود...
قال ولكننا سنموت قالت ''لا بل سنحيى وستبقى الأرض لمن يأتي بعدنا ليتحرك عليها حرا طليقا، فلا تنسى ما تجهزت به :كلمات ربك هي مفتاح الطريق.
ثالث الصفحات
حمم النار تصهر فولاذ الحياة تحرق الأجساد، تدمر المباني، أزيز الطائرات ودوي المدافع وإن عجزت أو توقفت لتستريح، تنطلق أصوات البوارج والصفارات لترعب الصغار والكبار. مشهد الرعب يتسع يوما بعد يوم حتى ذاك المذياع أو تلك الشاشة التي يمكن متابعة الأخبار من خلالها، أخبار العالم، أو أخبارنا من العالم قد أخذت نصيبها من القصف بقذيفة تطاير شظاها فأصاب زجاج الشاشة.
كم كان أسفي كبيرا لأنها نافذتنا على العالم، لا يهم أن نرى الأخبار، المهم أن العالم صار يعرف الكثير عنا، الكثير الذي لم نحلم يوما أنه سيصل إلى ما بعد البحار. ورغم هذا الأسف الكبير أقول لا يهم فنحن لم نعد في بلاد الواق واق التي كانت جدتي تحكي لنا عنها كلما جمعتنا الليالي في غفلة القصف وحملة التفتيش كانت تقول يا ولدي بلاد الواق واق هي بلاد بلا مكان ولا زمان.
أما شاشتي فهي إشارة الموعد والمكان، فقد رأيت من خلالها علم وطني وهو يرفرف، واسم بلدي وهو يخرج صادحا من الخناجر.
حال شاشتي كحال جوالي الذي تناثرت أجزاءه رغم صغره وتناثرت معه تلك الشريحة الصغيرة. التي كانت تجمعني بأصوات من كل مكان تسأل عني وعن أهلي وعن قومي وتؤكد لي جميعها بأن كل الإخوان وكل الأشقاء قلوبهم معنا ونحن تحت القصف وحمم النار.
كم كانت الشريحة صغيرة، وكم كانت قوية حتى بطارية الشحن كانت في كل لحظة تشحن بعواطف لا زلت حية لتعرف حكاياتها التي تناسينا معها مرارة الواقع ووحشة الحصار، صارت اليوم حقيقة، كانت تقول ''عِزّة الموت حير من دل الحياة.
رابع الصفحات
أصوات التكبير تنشر هيبتها على كل الربوع، فتغطي على أنين الجرحى وصارخات الصغار، فالكل ينزف دما أو يذرف دمعا، والكل يضمد جرحه أو جرح غيره ويبتلع ألمه بالتكبير والحسبنة.
أبحث في وجوههم عن وجه أمي وأبي، عن صورة أختي وأخي فتتداخل صورهم جميعا في جسد مقطوع الأطراف أو رأسا أفقدته إحدى القذائف نصفه الآخر.
اختلطت الألوان وتداخلت، وامتزج الأحمر بالبني، والأسود بالأبيض وصارت جميعها تشكل الألوان الذي يغشى البصر فيصبح البصر زائغا والفهم والإدراك ملغى والرؤيا ضبابية.
انقشع الغيم وتبدد الضباب. فتحت عيناي بعد فركهما على الردم والركام وبقايا هياكل الديار، ما الذي حدث؟ هل هذه هي البداية؟ أم هي النهاية؟
تحطمت الأساسات جميعها، وتساقطت السقوف لتغطي المسافات وتجثم على صدر الأرض بما كانت تحمله من ذكريات إنسانية، ومن أجساد بشرية...
قال وقد أثقلت الأحداث والأوجاع لسانه :ربما أكون جالسا الآن على يد أخي، وربما هو قدم أبي، وقد يكون كراس التاريخ الذي طار من يدي وقت القصف، حينما كنت مستلقي على بطني أحملق فيما دون فيه من دروس، وأحداث وٌّعها أجدادنا بدمائهم.''
صمتُّ وصمتَ، ربما من فرط ألمه وتزاحم الصور في رأسه، وربما كان ينتظر مني سؤالا آخر من الأسئلة التي لا تنتهي، والتي أجاب عنها قبل أن تقال أو تطرح.
ضغطت على الكلمات لتخرج من حلقي، وحين فتحت فمي اختفت صورته من أمامي على وقع صوت يقول: سيؤدي الرئيس أوباما اليمين الدستوري في احتفالية كبيرة، أمام مليوني أمريكي...كان الصوت صوت قناة الجزيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.