''غريب أمر السلطات المعنية ودواوين الترقية والتسيير العقاري، إذ يفضلون ترك السكنات أو المحال شاغرة عرضة للمتسكعين والسكارى وأصحاب النفوس الدنيئة على أن يمنحوها لأشخاص معوزين أجبرتهم ظروف المعيشة الصعبة على اتخاذها مأوى لهم يحميهم رفقة أولادهم بدل افتراش الشارع والتعرض للخطر''، هي عبارات تلفظت بها أفواه أرباب 10 عائلات تقطن بمحال سوق الفلاح سابقا بحي ''الونشريس'' المعروف ب''دي أن سي'' بالرغاية الواقعة شرق ولاية الجزائر العاصمة، والتي تبعد عن العاصمة بحوالي 30 كيلومترا، بعدما بلغها قرار بتنفيذ عملية الطرد في حقها من قبل ديوان الترقية والتسيير العقاري لبومرداس. هذا القرار الذي اعتبرته عائلة حشاش نورالدين، وميمي محمد، وعائلة إرتيني كمال رفقة العائلات الأخرى القاطنة بمحال ''سوق الفلاح سابقا'' بحي ''الونشريس'' ظلما في حقهم وحق أفراد عائلتهم بعد مرور فترة طويلة منذ اتخاذهم من هذا المكان مأوى لهم، ف7 سنوات عيش وسط محال غير مهيئة وغير صالحة للسكن، مهترئة تنبعث عبر أسقفها وجدرانها مياه قنوات الصرف الصحي وذات رطوبة عالية، كفيلة بجعل حياتهم تتحول إلى جحيم حقيقي ومعاناة لا تطاق. من وكر لتعاطي الكحول وممارسة الرذيلة إلى مأوى للعائلات توجهنا في حدود الساعة ال9.00 صباحا إلى حي ''الونشريس'' بالرغاية للبحث عن العائلات القاطنة ب ''سوق الفلاح سابقا'' في جو صباحي مليء بالغيوم ونسمات الهواء الباردة، وكأن السماء ستمطر بعد قليل، بعد أن وصلتنا مكالمة هاتفية من عائلة ''حشاش نور الدين'' ترجو الإسراع في التنقل نحوهم بعدما أخافها قرار مسؤولي ديوان الترقية والتسيير العقاري لبومرداس القاضي بطردهم إلى الشارع أو الزج بأزواج العائلات المقيمة هناك مباشرة إلى السجن، في حالة إصرارهم على البقاء والعيش وسط هذه المحال المهترئة والمتدهورة. وصولنا محل إقامة هاته العائلات لم يكن بالأمر الصعب بتاتا، حيث حاولنا أثناء دخولنا حي ''الونشريس'' المعروف باسم ''دي أن سي'' الاستفسار من شباب الحي وأصحاب المحال التجارية عن مكان تواجد عائلة ''حشاش'' رفقة الآخرين بمحال ''سوق الفلاح'' سابقا، وكان لنا ذلك فكل الاتجاهات دلت على طريق واحد، ''هناك بجوار هاتين العمارتين تجدون العائلات محل البحث''، الكل يعرفهم، كيف لا وهم من أبناء المنطقة أخذوا من هذه المحال مأوى لهم بعد الزلزال الذي ضرب ولايتي بومرداس والجزائر العاصمة سنة .2003 طرقنا باب عائلة ''حشاش نورالدين'' ففتحت لنا باب المسكن عفوا ''المحل''، زوجته التي رحبت بنا وفرحت بقدومنا، وكأننا ''حمامة السلام'' التي تحمل معها برقية الأمل والسلام بإعادة إسكانها في سكنات لائقة جديدة تحفظ ماء الوجه وتعوضهم عناء السنين التي قضوها وسط هذه الأوكار. بعد سؤال وجواب عن وضعيتهم المعيشية، أخبرتنا السيدة حشاش بأنها من ''الونشريس''، حيث تزوجت من أحد أبناء الحي الذي كان يقطن مع أبويه في إحدى عمارات الحي ونظرا لضيق شقق العمارة وحدوث المشاكل، اضطر هذا الأخير لترك بيت أهله والعيش رفقة زوجته وولديه بأحد محال السوق، وكان ذلك بعد زلزال ,2003 ليخبرنا زوجها بحقيقة أخرى، تتمثل في أن المحال الشاغرة منذ التسعينيات وبالضبط عام 1994 كانت وكرا لممارسة الرذيلة وتعاطي الكحول والمخدرات من قبل الشباب المنحرفين أمام أعين الجيران، لكن السيد ''حشاش'' أقدم رفقة آخرين على طردهم وتحويل المكان إلى مأوى محترم لإقامة عائلات رفقة أفراد أسرتها، وكلها تتفق في وضعية واحدة وهي أنها من أبناء الحي، لم تسمح لهم ظروف الحياة الصعبة بالعيشة الهنية. الرطوبة وتسربات المياه القذرة والحيوانات تشارك العائلة حياتها حقيقة أخرى وقفنا عليها هناك، حيث لم تتوقف معاناة العائلات العشرة عند حدود انعدام متطلبات وضروريات الحياة الكريمة كالتهوية والإنارة الداخلية وقنوات الصرف الصحي والمياه الصالحة للشرب وشبكة غاز المدينة فقط، بل تعدت ذلك إلى وجود حيوانات أخرى تقاسمها المعيشة وتشترك معها في أركان البيت المحل وتعبث بأغراضها وأثاثها وطعامها كالجرذان، والفئران، والحشرات الضارة كالعناكب والبعوض الذي ينتشر بكثرة داخل المحال الرثة القديمة لانعدام التهيئة وللروائح الكريهة المنبعثة من قنوات الصرف الصحي، ولنا أن نتصور ما يمكن أن تحدثه هذه الحيوانات من تخريب وأضرار صحية بليغة في حق العائلات القاطنة هناك، وفي حق الممتلكات كالأغطية والأفرشة، والمواد الاستهلاكية، حيث ''تأتي على الأخضر واليابس ولا تدع شيئا حتى تحدث فيه خرابا ودمارا'' يقول أحدهم، الوضع الذي استاءت له العائلات ال10 دون استثناء، حيث أكدت أنها تقوم بعمليات تنظيف بشكل يومي، غير أن ذلك لم يشفع لها لدى هذه الحيوانات المخربة، لا سيما وأن الرطوبة عالية وتزداد حدتها يوما بعد يوم، مما أدى إلى إصابة أفراد العائلة بأمراض الحساسية والأمراض الصدرية والتنفسية كالربو. الإهمال يطالهم.. والإحصاء يتنكر لهم! أكدت عائلة ''حشاش نور الدين'' أن الإهمال يطالهم، حيث لم يستفيدوا من أي إحصاء لغاية اليوم، فلا إحصاء 2007 الخاص بالبنايات الهشة والقصديرية شملهم ولا أي إحصاء آخر، ليجدوا أنفسهم في دائرة التهميش والإقصاء الممارس ضدهم من قبل السلطات المعنية، وحملوا مسؤولية ذلك لمصالح بلدية الرغاية، هذه الأخيرة التي لا تعلم بوجودهم حتى وإن كان لها علم بذلك حسبهم فإنها لا تكلف نفسها عناء التنقل إلى مقابلتهم من أجل إحصائهم، بغية تمكينهم من الاستفادة من سكنات لائقة في إطار برنامج رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة. حال هذه العائلات المقيمة بمحال ''سوق الفلاح'' سابقا، صعب للغاية فاليوم يمر عليهم وكأنه شهر والشهر وكأنه سنة، معاناة تزداد حدتها يوما بعد آخر، واليوم التهديد بالطرد يطاردها كل يوم من قبل ديوان الترقية والتسير العقاري لبومرداس. ديوان الترقية لبومرداس يهددهم بالطرد وإخلاء المكان! أقدم ديوان الترقية والتسير العقاري لبومرداس بحر الأسبوع الفارط رفقة القوات الخاصة، على محاولة طرد العائلات ال10 لاسترجاع الوعاء العقاري، غير أن هذه الأخيرة رفضت الانصياع لأوامره والخروج من منازلها، ما لم تتم تسوية وضعيتهم والتكفل بحالتهم في القريب العاجل، فالشارع الذي ينتظرهم رفقة أطفالهم كفيل بأن يحول حياتهم إلى جحيم أكثر مما هي عليه اليوم، وبالأخص أطفالهم الذي يجدون أنفسهم مجبرين على مواجهة مستقبل مجهول يشوبه الكثير من المخاطر. العائلات تستنجد بالسلطات قبل تنفيذ الطرد فضلت العائلات ال10 القاطنة بمحال ''سوق الفلاح'' سابقا بحي ''الونشريس '' بالرغاية، توجيه رسالة استغاثة إلى السلطات الولائية بعد تجاهلها من قبل سلطات بلدية الرغاية ودائرة الرويبة، وذلك من خلال منبرنا الإعلامي ''الحوار'' قبل حدوث ما لا يحمد عقباه في حالة إصرار ديوان الترقية والتسيير العقاري على محاولات الطرد، إذ أكد أرباب العائلات ال10 أن تطبيق القرار، سيكلف العائلات وأطفالها غاليا وأنه يصعب الانصياع له ما لم يتم التكفل بوضعيته، مهددين باحتجاجات واسعة النطاق وحرق قارورات الغاز والعجلات المطاطية، وهو الذي يعد انتحارا حقيقيا. ن. سلموني