يكتسي ملف الترقية العقارية محورا مهما في تنفيذ برامج السياسة السكنية في الجزائر، لاسيما أمام قرب انطلاق مشروع مليون سكن للخماسي القادم، لهذا ارتأينا أن نقوم بهذا الحوار مع رئيس اتحاد المرقيين العقاريين العربي شمام، الذي كشف لنا فيه العديد من العراقيل والنقائص التي تعيق نشاطهم لعلّ أبرزها صعوبة الحصول على عقارات بوثائق قانونية، فضلا عن تجاهل الوزارة الوصية استشارتهم في صياغة قانونهم الخاص المنتظر أن يفرض مزيدا من النظام والشفافية في التعامل، بالإضافة إلى غياب التهيئة القبلية للعقارات الذي ترهن غالبا بداية المشاريع وتقدّمها. أجرى الحوار: عبد الرحمان شماني طالبتم وزارة السكن والعمران بإشراككم في انجاز البرامج السكنية على غرار دواوين الترقية والتسيير العقاري، هل استجابة الوصاية لذلك؟ ** مما لا شك فيه أن حوالي 90 بالمائة من البرامج السكنية أنجزت من طرف القطاع الخاص وكان فيها كبار المقاولين والمرقيين العقاريين رقم واحد في تنفيذ وتجسيد انجاز هذه المشاريع، أما دواوين الترقية والتسيير العقاري فتجلى دورها في المتابعة الميدانية فقط وانجاز سكنات اجتماعية إيجارية وكذا برامج سكنية تساهمية، كما أن هذه الدواوين لا تملك سجلات تجارية وتحوز اعتماد فقط بخلاف نحن الذين ندفع الضرائب وننشط تحت مرأى إدارة السجل التجاري الوطني، ومن المفروض أن لا يكون هناك أي فرق إذا أرادت الوزارة الوصية تطوير ميدان الترقية العقارية وإعطائها الأهمية المطلوبة ولكن لا نفهم لغاية اليوم طبيعة العمل على تجاهلنا وتغييبنا بما لا يخدم تقدم برنامج السكن للخماسي القادم، كما نطالب بإلغاء القرار الساري المفعول حاليا، والقاضي بمنع الولايات عبر الوطن التعامل المباشر مع المرقيين العقاريين، ورفضهم التعامل معنا بحجة تلقيهم أوامر فوقية، وهو ما نعتبره محاولة تصفية مسبقا ولا تخدم تطور المهنة في المستقبل لاسيما من ناحية انضمام مرقيين جُدد في ظل غيب أية تحفيزات تذكر. +++ أبديتم رفضكم وتحفظكم على قانون الترقية العقارية الجديد الذي أكدت الوزارة الوصية قرب الإفراج عليه، بحجة تجاهل استشارتكم، ما هي مقترحاتكم؟ ** لا يُعقل تماما في كل دول العالم أن يتم تجاهل استشارة منتسبي أي مهنة في إعداد قانونهم الخاص مقارنة بما تقوم به الوصاية معنا، لهذا نحذر وزارة السكن من صعوبة تطبيق القانون التي تريد الإفراج عليه بحكم أنه وُلد على الأوراق وسيبقى حبيس أدراجها، ونقول أن قانون الترقية العقارية المؤرخ في سنة 1993 ليس فارغا بقدر ما يحتاج إلى بعض المراجعات والتعديلات في بعض مواده، مثل مناقشة الشكل التي يمكن أن تقوم عليه صيغة البيع على التصميم وكذا طرح صيغة السكنات المكتملة التي يتم بيعها، كما أن النقائص الموجودة ليست مرتبطة بالقانون ولكنها متعلقة بقطاعات أخرى مثل مديرية أملاك الدولة، المحافظات العقارية وصعوبة الحصول على العقود العقارية، فضلا عن طول فترة الحصول على القروض البنكية، فهذه هي الأسباب الجوهرية التي تعيق نشاط المرقي بالدرجة الأولى، فلماذا لا يتم فتح النقاش حول العوائق والصعوبات التي تتحيّن المهنة، والبحث عن الحلول الممكنة القادرة على تذليل هذه الصعوبات. نحن مع أن يكون المواطن محمي وتمكينه من حقوقه بقوة القانون بالنظر إلى تورّط بعض المرقيين العقاريين الدخلاء وتنصلهم من مسؤولياتهم، ومحاولتهم اختلاس أموال الغير بطرق تحايلية يمكن ضبطها والتصدي لها في بنصوص قانونية مضبوطة التفاصيل، كما لا يكون ذلك بمبدأ الطريقة الردعية القائمة على الحبس فقط باعتباره ليس حلا يصب في صالح القضاء على مشكل السكن، ولكن مثلا بتمكين الزبائن من عقود الضمان التي تسمح له بأخذ مسكن في كل الحالات أو التعويض، فلماذا يتم التضييق على المرقي العقاري ومحاولة التحكم في أسعاره، عوض التركيز على توفير العدد والنوعية في إنجاز السكنات بشكل عصري يمكن مقارنته بما ينجز في الدول المتقدمة. شركة الترقية العقارية تملك أسهما تباع وتشترى في السوق الوطنية وقابلة للتوارث، وبمجرد اشتراط اعتماد لهذه الشركات من أجل مباشرة النشاط هو بمثابة تضييق على المرقي العقاري وحصر عمله، فلماذا ذلك خاصة أنه في كثير من الأحيان يوجد شركاء داخل الشركة الواحدة وتحتم الظروف بيع أسهمه للآخر، لهذا نقترح اعتماد للمشروع في حد ذاته، بدل الأول للمرقي، كما نرفض أن يكون الاعتماد شخصي، وهذه نظرة خاطئة عن المرقي كانسان بقدر ما هو يسيّر الشركة فقط، والمؤسسة الترقوية قابلة للوارثة لتحقيق مشوار عريق في ميدان الترقية، فكفانا شرّ الشركات الهزيلة التي تأتي لتذهب كل عام على الأكثر، ولماذا لا نقارن أنفسنا بما تعمل به الدول الشقيقة والصديقة التي قطعت أشواط معتبرة، تحتم علينا الاستفادة من تجربتها . +++ توعد نور الدين موسى المخالفين لقانون الترقية العقارية الجديد بعقوبات تصل السجن، هل هو بداية العد التنازلي للتضييق على النشاط الترقوي؟ *** هذا ليس بالشيء الجديد فمن يُخالف القانون يُعاقب، وقانون الترقية العقارية منذ إصداره في 1993 كان ينص على عقوبة السجن في حق المخالفين وللذين يتحايلون على أموال المواطنين، أما قضية منع استلام تسبيقات مالية من طرف الزبائن واعتباره من المخالفات فهذا ليس واضحا ويعد أكثر من غامض، والذي فهمناه هو الاستلام من غير جدول الدفع المتفق عليه في بداية الأمر، وهنا نقع في مشكل أن هناك بعض الزبائن يقومون بدفع أموالهم في حسابات المرقين حتى دون علم المرقي نفسه ودون طلب منه أحيانا، وهذا في حد ذاته يُعد مخالفة حسب الوصاية، مما يتطلب منا المراقبة اليومية لحسابات شركاتنا لأن هذا سيجرنا للسجن، مما يتيح لأفراد معينين أن يتهددوا بنا ويفتح مجال المساومات والابتزاز، فكيف تتعامل الوزارة مع هذا الثغرة القانونية الفادحة. كما أن هناك بعض الزبائن من يريدون تسديد قيمة السكن دفعة واحدة، فما الذي يمنعه من ذلك، بل بالعكس الذي يدفع أقساط كبيرة برغبته يغطي على الذين لم يدفعوا بعد، خاصة أصحاب القروض البنكية، بما يطرح تكامل ويساهم في انجاز المشروع السكني، وهذا ليس مشكلا بقدر ما أنه يساهم في تسريع انجاز البرامج السكنية. +++ طالبتم الوصاية بتحرير ممارسة نشاط الترقية العقارية من خلال تقديم تحفيزات، وهو ما تحقق عن طريق توسيع العمل بصيغة القروض مخفضة الفوائد، ما هي العوائق التي تعرقل عملكم حاليا؟ *** لا نُنكر أن الإجراءات الأخيرة لاسيما منها صيغة القروض المخفضة ستساهم في دفع وتيرة انجاز المشاريع الترقوية العقارية، ولكن تبقى الفترة التي نتحصل بها على القرض هي الشغل الشاغل ولا تفي بالغرض باعتبارها تأتي متأخرة، وتسريع فترة استلامه هو ما على السلطات الوصية تداركه من خلال وضع الآليات الممكنة لدى البنوك الكفيلة بتذليل أكبر عائق والمتسبب الرئيسي في التذبذب الحاصل في ميدان انجاز السكنات. كما أننا لا ننكر وجود شكاوي للمواطنين تجاه المرقين بسبب تأخر استلام مشاريعهم، ولكن المرقي العقاري مُستعجل أكثر من المواطن للاستفادة من مشاريع أخرى وليس له أية مصلحة في التأخير، كما أن المرقي يعاني في صمت وكل العراقيل تحول دون السير بوتيرة حسنة للمشاريع، فضلا عن استمرار تجاهله من طرف الوصاية حتما سيعفن الوضع ويخلق مزيدا من الفوضى التي لا تصب في مصلحة أي طرف، ثم نسمع عن التحضير للإفراج عن قانون الترقية العقارية الجديد ودون استشارتنا، والذي يتضمن حبس المرقي جراء عدم احترام فترة الانجاز، فنقول قدموا البديل والتحفيزات ثم حاسبونا. وما نشهده عدم وجود اتصال فعلي بين الوصاية والمواطن، وبالرغم ما تم الاطلاع عليه في الجرائد بصيغته المبهمة، ولكن لا زال معظم المواطنين لم يفهموا ما معنى القروض بنسبة فوائد واحد بالمائة، مما انجر عنه امتناع العديد من الزبائن التوقيع على القروض للبرامج السكنية السارية بحجة انتظار القروض مخفضة الفوائد، بما يعني أن الوزارة تطرح مشاريع وقوانين وتتركها مبهمة وتنظر رد الفعل ثم تتحرك، وكل هذا يرهن تقدم البرامج ولا يخدم أي جهة. +++ ميدان الترقية العقارية يعرف نشاط العديد من الدخلاء والطفيليين، بصفتكم ممثلي اتحاد المرقيين أليس بوسعكم تحييد نشاط هذه الفئة والتبليغ عنها؟ ** بالرغم من كل ما نبذله لتصفية أشباه المرقين من مهنة الترقية العقارية، إلى أن ذلك يبقى غير كاف ولابد من تضافر الجهود مع الجهات الوصية لتحقيق الانضباط والامتثال للقانون، وتحييد أصحاب الحيل والتلاعبات، ولكن نقول بأن هذه الأرقام لا تتعدى خمسة في المائة حسب ما أفاد به صندوق ضمان الكفالة المتبادلة والترقية العقارية ولم تصل لمستوى كارثي مقارنة بمهن أخرى، وبلوغ مستوى الصفر من المستحيل والكمال لله. +++ تعرف السوق الوطنية ندرة وغلاء فاحشا في سعر مادة الاسمنت، كيف تتعاملون مع المشكل الذي يعرقل ورشاتكم؟ **حقيقة أن سعر الاسمنت بلغ أرقاما خيالية إلى حدود 1000 دج للكيس، ولكن بالرغم من ذلك لا يُهمنا بقدر ما نهتم بتوفير المادة لنا بالكميات المطلوبة في حد ذاتها والقضاء على مشكل الندرة، وبالتالي تفادي تعطيل وتيرة انجاز المشاريع الملتزمة باحترام آجال الانجاز المحددة سلفا،كما أننا كمرقيين لا نشتري هذه المادة من الأسواق، باعتبار أنها لا تستطيع أن تزوّدنا بالكميات المطلوبة بالإضافة إلى عجزها عن توفير فواتير نبرّر بها تكاليف تلك المادة، أما سعر الاسمنت فيتركز على العرض والطلب وتحييد فئة السماسرة التي بات السوق خاضعا لها، والمضاربة بأسعارها بلغ أرقاما مخيفة، ولابد من تفكير السلطات الوصية بحلول دائمة، وليس الاكتفاء بالترقيعية منها القائمة على منطق الاستيراد في كل مرة. +++ما تصوركم لمعالجة هذا المشكل؟ **نحن نعتبر أن الاستيراد ليس حلا، وبإمكان بعض المرقين أن ينشئوا مصانع اسمنت ذات أسهم إذا قدمت التحفيزات بمستوى التطلعات المطلوبة، على غرار مصانع الأجر والسراميك، والبلاط التي أنشئها المرقون وحققت مستوى الاكتفاء في بعض المواد، وساهمت في تخفيض قيمة الكميات المستوردة بالعملة لصعبة والتي كانت تكلف الخزينة العمومية، والجزائر تملك كل الثروات والمواد الأولية لتعزيز إنتاج مادة الاسمنت بالكميات الكافية فقط تبق وجود إرادة سياسية صارمة كفيلة بدافع مشاريع استثمارية من طرف رجال أعمال محليين. +++ينتظر منكم أن تكونوا على رأس المؤسسات التي ستقود مشروع رئيس الجمهورية لإنجاز مليون وحدة سكنية الخماسي المقبل، ألا تعتبرون أنه بات عليكم تحقيق النوعية بعد استنفادكم الكم؟ **نشاط سوق الترقية العقارية ينشط فيها حوالي 1500 مرقي عقاري بصفة فعلية و300 منهم منضوين تحت لواء اتحاد المرقين، وبمقدور المرقين الذين استطاعوا انجاز حوالي 280 ألف سكن تساهمي من برنامج المليون سكن الماضي، أن يكونوا أكثر من فاعلين في انجاز برنامج رئيس الجمهورية للخماسي القادم، وبنوعية تقارب ما ينجز في الدول المتقدمة باعتبار أن جل المرقين أصبح لهم خبرة كبيرة تم اكتسابها من خلال البرامج السكنية الماضية. +++ تم تسقيف أسعار السكنات التساهمية الترقوية ب 280 مليون سنتيم في قانون المالية 2010، كيف تتعاملون مع التكاليف الإضافية جراء تذبذب أسعار مواد البناء؟ **مباشرة بعد ارتفاع الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون لا حظنا تضاعف قيمة التكاليف، بدءا من الزيادة في أجور العمال على اختلاف حرفهم ودرجاتهم وزيادة قيمة تأمينات هذه الفئة، فضلا عن التذبذب الواضح في أسعار مواد البناء على رأسها مادتي الحديد والاسمنت، ولكن رغم ذلك نقول أن 280 مليون سنتيم تغطي تكاليف انجاز السكنات لأن فوائدنا متركزة أساسا على المحلات التجارية التي تكون مدمجة مع السكنات بصورة لائقة وتلبي احتياجات المواطنين، ولكن صدمنا مؤخرا بمنع بعض التصاميم الجديدة انجاز محلات من الأسفل بما ينجر عنه عجزا لا محالة في المستقبل مع التذبذب الواضح في أسعار مواد البناء وارتفاع أسعار الأوعية العقارية من منطقة لأخرى، ونؤكد أن وضع محلات تجارية أسفل العمارات يكون بصورة عصرية على شكل مكاتب تحترم فيه طبيعة السكن العمراني ونوعية الخدمات المقدمة فيها مثل ما هو جاري به في كثير من الدول. +++يُعاب عليكم بأنكم لم تبلغوا الاحترافية في ظل افتقادهم لوسائل وعتاد متطور لانجاز البرامج السكنية، ما تعليقك؟ **مؤسسات الترقية العقارية شركات ليس مطلوب منها أن تحوز الآلات ووسائل الانجاز، باعتبار أنها كذلك تربطها عقود مع شركات مقاولات مهمتها انجاز المشاريع السكنية ولكن تحت إشراف المرقي العقاري صاحب المشروع، لاسيما أن هذا الأخير يُباشر عدة مشاريع دفعة واحدة في مناطق عديدة عبر الوطن وهو ما يعجزه على تنفيذه، والحل دائما يكمن في الاستعانة بشركات المقاولات على طريقة تقسيم وتعميم الفائدة، وبالتالي نحن اليوم نتعامل مع مقاولين بصيغة المناولة، وهذا ما يدخلنا في صنف مؤسسات الترقية العقارية العالمية التي تمتلك مؤهلات التسيير من خلال اكتساب الكثير من الأسواق ومناولتها إلى شركات أخرى للانجاز وتأدية دور الإشراف فقط. +++ قانون المالية ل 2010، تضمن تخفيضات مهمة في أسعار الوعاء العقاري للمرقيين بنسبة 80 إلى 95 بالمائة، في حين تُطالبون بالإعفاء من الضرائب على المتر المربع الواحد، ما تفسير ذلك؟ **التخفيضات التي أتى بها قانون المالية2010، فيما تعلّق بسعر الوعاء العقاري للمرقين جد مُحفز ويُساعد في دفع البحث عن مشاريع جديدة، كما يفتح مجال المنافسة بين منتسبي المهنة، أما مطالبتنا بالإعفاء عن الضرائب على المتر المربع الواحد فبغرض تقليص مستوى التحايل التي يسعى بعض المرقين للعمل به من أجل التهّرب الضريبي، هذا بالرغم من أن قانون الإعفاء موجود ولكن فيه شروط، تتلخص في مساحة وسعر السكن، والمرقي لكي يتفادى دفعه للضرائب يخفض السعر والمساحة، وبالتالي التأثير على نوعية السكن المنجز الذي لا يستجيب لمقاييس السكن المتفق عليه عالميا. +++الجزائر تصنف تحت خط النشاط الزلزالي، ما هي معايير السلامة التي تضمنون بها سكنات بمقاييس عالمية؟ **طريقتنا في العمل عصرية تحترم مقاييس الانجاز العالمية وفقا لما ينص عليه قانون البناء والعمران، ونكون دائما تحت إشراف مصالح المراقبة المختصةCTC في قياس معايير الانجاز مرحلة بمرحلة، ويتم فيها دراسة كامل المشروع منذ بدايته إلى غاية نهايته بدءا من نوعية الأرضية التي تعرض على المخبر الوطني للفصل في مدى صلاحيتها، ثم وضع الأساس ومن ثم اتمام المشروع السكني إلى آخر مرحلة من الانجاز، وأقول أننا بلغنا مستوى مهم في مدى التقيد بالمعايير العالمية في ظل الرقابة القبلية والبعدية.