وشهد شاهد من أهلها أخيرا، وانفكت العقدة وزالت على ما يبدو، وصار بإمكاننا القول أن عقدة '' التعالي والتكبر'' وأكذوبة ''الشقيقة الكبرى'' قد بدأت تتلاشى، فبعد قيل وقال وطول سنين من'' الزوخ'' و''التفشاش'' شهد شاهد من أهلها فقال: ''على المصريين تجاوز فكرة أن القاهرة مركز الثقافة الوحيد''، هو ليس كلامي، بل كلام الصحفي المصري صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة، أكد وألح على تكرارها أمام حشد من المهتمين بشؤون الثقافة العربية، وعدد كبير من الصحفيين، في ندوة حملت عنون '' إمكانيات تحقيق تعاون ثقافي عربي''، نشطها منذ أيام قليلة، بالكويت رفقة الصحفي سليمان جودة رئيس تحرير جريدة الوفد، تناقلتها مختلف وسائل الإعلام العربي. ما قاله صلاح عيسى كان واضحا والمغزى من وراءه أكثر وضوحا، والغاية بينة، إذ صار من الأجدر بما كان على شلة المتحفظين من أبناء مصر والمتشبثين بقشة ''مصر أم الدنيا'' و''ذات الحضارة'' و''التاريخ'' و''الثقافة'' بأن يشفوا أنفسهم بأنفسهم، ويرقوا لأرواحهم رقية شرعية، وأن يتوبوا توبة لا رجعة فيها، حتى يتمكنوا من تجاوز التصور الشائع لديهم الذي يعتقد بأن هناك مركزا عربيا واحدا للثقافة في القاهرة، كونه تصور مبني على حقيقة تاريخية قد ولت وتلاشت، بحكم الظروف، فلا الزمان هو الزمان ولا المكان هو المكان، ولا الإنسان العربي هو ذاته، بل تغيرت اهتماماته وطموحاته وحتى همومه قد زادت وتدهور وضعه.. لا يعقل اليوم أن نبقى رهائن الفكرة السائدة لدى ''أشقاءنا'' في مصر والمبنية على أن مصر هي الدولة العربية الوحيدة السباقة إلى الانفتاح على ثقافة العالم المعاصر فصارت كمركز تجمع النخب الثقافية العربية، على من صدقوا هذا الأمر وتعلقوا به أن يتبينوا فكرة أن تعددية المراكز الثقافية العربية صارت أمرا مسلما، وصرنا في الوقت الراهن لا نثق كل الثقة بما يأتينا من ثقافة النيل، التي لم نعد ننهل منها سوى الفتات، ولكم أن تتصوروا البقية الباقية....فلا الأدب المصري صار مرجعا للثقافة العربية عموما ولا الأعمال السينمائية هي كذلك، على الرغم من أننا لا ننكر أن مصر كونت وصنعت عظماء ورجال شهد لهم العالم العربي، لكن هذا لا ينفي أن للوطن العربي من مشرقه إلى مغربه رجالا ونساء صنعوا الفارق .. كذلك. لن نقف عند هذا الحد، وللتأكد من تصريحات المصري صلاح عيسى، تصوروا معي ماذا فعلت مصر ''أم الدنيا'' للمواطن العربي أينما كان؟؟، بربكم ماذا فعلت مصر التي لازالت تتعالى وترفض الاعتراف بالواقع المفروض على الجميع في زمن صار الواجب علينا فيه أن نبحث عن كيفية بناء نظام عربي موحد وتعاون مشترك لنواجه الغرب .. أفلام سينمائية كلها خراب ودمار لا تزيد المواطن العربي سوى حسرة ولا تزيد المجتمع العربي سوى انفكاكا، وماذا استفدنا من دراما ''عبيطة'' عدا إتقاننا للهجة المصرية من ''الألف إلى الياء''، ماذا صنعت لنا الدراما المصرية ''مفخرتهم'' وهي التي يعاب عليها أنها لم تقدم وعلى قدمها وتاريخها ''العتيق'' أي خدمة للقضية العربية المحورية '' فلسطين''، فماذا فعلت الثقافة العربية لنا ولمجتمعاتنا، إذا كانت الدراما التركية اليوم تنافس وبقوة كل عمل مصري وحتى سوري، وكذب من قال أنها أعمال ستزول بزوال مفعولها، مثلها مثل الأفلام المدبلجة البرازيلية والمكسيكية، وهو الخطأ الذي وقع فيه عدد من المخرجين والمنتجين وحتى الممثلين العرب من سوريا ومصر ، فالفارق كبير، وما تركيا بغريبة على مجتمعاتنا، خصوصا وقد صار كل شيء مرتبط ب'' الطيب أردوغان'' تعبير عن مفخرة وعزة، لا يدركها سوى من تابع إذلالات '' ''الشيخ أردوغان'' لنظيره '' بيريز'' في إحدى القمم الدولية. ماذا فعلت مصر ''أم الدنيا '' بربكم، في الوقت الذي يصح فيه القول أن الثقافة العربية عموما لم تقدم الكثير للإنسانية جمعاء، فما بالك بما فعلته مصر وحدها .. ماذا قدمت لنا الروايات المصرية، وإلى أي مدى صنعت الفكر العربي أو هل لا تزال تفعل حتى .. ، وإذا كانت لبنان وسوريا وفلسطين وباقي بلدان الخليج العربي قاطبة لا تزال تتعلق بمركزية الثقافة العربية وقطبها الموحد ممثلا في ''القاهرة'' فقد آن الأوان فعلا أن تتغير النظرة، وقد آن الأوان أن نطلق بالثلاث فكرة كاذبة سرنا خلفها لسنوات، على الجميع أن ينفتح فعلا على الثقافة العربية باختلافاتها، وما المغرب العربي إلا خير دليل على تنوعها، وما لهجاتنا المتعددة إلا عبرة عن ذلك .. وحتى إن كان هناك نمن يتهمنا بأننا ''مفرنسين'' ونعشق الضفة الأخرى من البحر المتوسط، فإننا ''فصحاء'' ولغتنا بليغة وعقليتنا ''الصريحة'' تجعلنا ربما غرباء لكننا نعرف ل ''العروبة '' طريقها، وروح الأخوة كذلك، ولا نخجل أبدا بأننا هكذا، علينا أن نجابه لنقاوم المد الغربي، بالتعاون الفعلي وهو الأمر الذي تجهل فعله ''القاهرة''، ولا تدرك له طريقا، على عكسنا نحن، فرغم اختلافنا ك ''مغاربة وأمازيغ'' مثلما '' نوصف'' فإننا نقدر الغير ونفهم طبيعته ولا يهمنا اختلافه عنا، وصدق المصري صلاح عيسى عندما قال: ''ثمة أعراض سيئة للتنافس بين الدول العربية التي لا تعرف كيف تتعاون فيما بينها لخلق نظام ثقافي مشترك''، وما هي عليه ''مصر'' اليوم إلا خير دليل على ما قاله المختص، كونها تسعى لإبراز دورها أكثر من اللازم، بدل التكامل الثقافي .. لذلك يصح لنا القول: ''انساو تبراو ''، بلهجتنا تعني وهي موجهة للأشقاء '' كلما زالت عندكم عقدة التعالي، كلما كان شفاؤكم أسرع بكثير، وكلما كان بالإمكان خلق جو من التعاون المشترك لصد المد الغربي''.