ترافق استقدام الأيدي العاملة الأجنبية إلى الجزائر مع اتساع ظاهرة الزواج المختلط. وسجل الخبراء انتهاء غالبية هذه الزيجات بالفشل، خصوصا حالات الزواج من رجال ذوي أصول غير مسلمة وجنسيات ليست عربية، والتي قدر عددها بالمئات في العامين الأخيرين. مع استفحال ظاهرة العنوسة التي باتت تقض مضجع العائلات في الجزائر، تنازل الكثير من الأولياء عن الشروط التعجيزية وحتى الأساسية مقابل تزويج بناتهم، ولم يعد العريس الأجنبي المسلم طبعا يشكل أي عائق أو استفهام بالنسبة للعائلات التي ترحب اليوم بالقادمين من مختلف البلاد العربية وحتى الأجنبية شرط أن يشهروا إسلامهم، حتى وإن كان هذا الأخير رمزيا كما يحدث في الغالب أي بمجرد نطق الشهادتين. كما برزت في السنوات القليلة الماضية ظاهرة إقبال الجزائريات على الزواج من عمال صينيين مقيمين بالجزائر، الأمر الذي كان متوقعا بعد الاحتكاك الكبير الذي وقع بين هؤلاء وبين الجزائريات، خاصة في قطاع التجارة. وإن كانت هذه الزيجات تنتهي بالفشل في أحيان كثيرة، إلا أن هذا لم يكن رادعا للمقبلات عليه، قالت آسيا: ''الطلاق مكتوب أيضا كالزواج، حتى ولو تزوجت جزائريا ما عليك إلا أن ترى ما يجري في المحاكم، بعضهم لا يستمر في علاقته أكثر من شهرين أو ثلاثة والبعض الآخر يطلق بعد سنة فقط من الزواج''. وتابعت: ''لقد تزوجت شقيقتي بجزائري من دمنا ولحمنا، ابن خالتي ومع ذلك لم يستمر زواجها أكثر من سنة ونصف ثم طلقها وهي حامل، وأعتقد أن ذلك كان كافيا حتى لا يناقشني أهلي في اختياري ولا يعارضوا زواجي من صيني، طالما أنه مسلم يصلي ويصوم''. رجال الدين يطالبون بتقنين الزيجات المختلطة يقول الشيخ جلول قسوس، إمام ورئيس مكتب النشاط المسجدي بوزارة الشؤون الدينية، إن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في أعداد الجزائريات اللاتي تزوجن من أجانب، خاصة من جنسيات لم يألفها المجتمع الجزائري مثل تايلاند والصين ودول الجنوب الأفريقية. وأوضح الشيخ جلول في حديث للجزيرة نت، أن هذه الظاهرة ارتبطت بقدوم الشركات الأجنبية إلى الجزائر منذ نحو عشر سنوات. وعاب مدير النشاط المسجدي على الاختيارات التي لمسها بنفسه في هذه الزيجات المختلطة، ووصفها بأنها انطلقت من نظرة حالمة لا تستند إلى الواقع. واستعرض الشيخ جلول صعوبات ذلك الزواج نظرا لاختلاف المجتمعات والثقافات والعادات. واستدل على ذلك بمثال لم يراع في حالته تفاوت البيئات، حيث تزوجت فتاة جزائرية من رجل صيني وفوجئت به يذبح قطتها ويأكلها أثناء غيابها عن البيت لأن لحم القطة يؤكل عند الصينيين. وشدد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على مستقبل الجزائر مع ارتفاع عدد الزيجات المختلطة التي قد تصيب هوية المجتمع بالخلل على المدى البعيد. وطالب بتقنين هذه الزيجات لضمان كرامة وحقوق المرأة، على حد تعبيره. الزواج المختلط من تداعيات العولمة حسب الأخصائيين النفسانيين علماء الاجتماع، من جهتهم ينظرون إلى تلك المسألة بوصفها جزءا من الحراك البنيوي العام على الصعيدين الوطني والعالمي. ويقول أحمد رميتة، أستاذ علم الاجتماع الثقافي بجامعة الجزائر، إن الجديد في الظاهرة هو اتساعها على نحو يعكس الحراك الاجتماعي الذي أفرزته العولمة لتظهر لنا حالات الزواج ''عابرة الحدود''. ويضيف أن تلك الحالات ارتفعت نسبتها فجأة، فاكتشف المجتمع الجزائري ارتفاع أعداد المتزوجات من جنسيات أجنبية، خصوصا من قارتي آسيا وأفريقيا، وهي حالة لم يعتدها الجزائريون من قبل. وبرر رميتة هذه الظاهرة باختلاف المعايير في اختيار الزوج لدى الأجيال الجديدة. وقال إن معايير السكن والأرصدة المصرفية صارت توضع جنبا إلى جنب مع التدين والوسامة. ويوضح رميتة أن ذلك قاد إلى اختيار زوج أجنبي قد يتحايل باعتناق الإسلام من أجل إتمام زيجة لا تمثل له سوى محطة عابرة أثناء وجوده مؤقتا في الجزائر.