دخل رجل أمريكي متجرا وكان مصطحبا معه غلاما، وبعد لحظات قفل راجعا لأنه لم يعثر على السلعة التي كان يود شراءها، وهو يهم بالانصراف لاحظ أن ملامح صاحبة المتجر قد تغيرت من النقيض إلى النقيض، من ابتسامة طفولية بريئة عند الاستقبال إلى تكشيرة ذئب شرس عند التوديع، والسبب معروف، نظر إليها ساخرا وقال لها: '' ابتسمي للغلام كما فعلت حينما دخلنا ''..اللقطة هذه مأخوذة من فيلم ''عالم مثالي '' والرجل المذكور هو النجم السنيمائي الأمريكي كيفن كوستنر. ومعرف عن هذا الأخير عدم انصياعه لشريعة '' رعاة البقر '' وإظهاره للإنسان الأمريكي والغربي عموما في صورته الحقيقية، حتى أنه اتهم في أوساط هوليوود بأنه يساري متطرف وفي زمن سابق بأنه يشتغل وفق أجندة يبرمجها السوفيات. سردت هذا المشهد القصير، بعدما لفت انتباهي ما كتبه سلفا الزميل عبد الرحمان طيبي حول مطالبة الغربيين رجال الأمن الصينيين بملازمة الابتسامة وإلا فإنهم سوداويون وغيرها من الألفاظ البسيكولوجية المملة... الغرب الذي يتبجّح ويزعم بتأصل فكرة '' الحرية '' وتجسيده لها ميدانيا سرعان ما ينقلب بمقدار 180 درجة، فتراه يحشر أنفه فيما لا يعنيه ويطلب بل يرغم غيره باتخاذه نموذجا حتى لا نقول '' ربا '' ، وهكذا ينبري لتعليم ''حثالة '' الشرق - كما يتوهم - أبجديات العيش وفنون الحياة، مع أنه كان ومايزال يطالب بترك الناس تعيش وفق سليقتها أو كما هيّئتها الطبيعة على حد أفكار بعض فلاسفته، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل حتى ما يدعو إليه من شاكلة '' درس الابتسامة '' هو أول جدير بتفقه كنهه، ذلك لأن الرجل الغربي تربى ودأب على نمط معين من التفكير والسلوك، فهو لا يبتسم إلا بمقابل نفعي وضيع، أو حينما يدرك أن ما سيعود عليه عظيم النفع - المادي طبعا - من خلال تحريك بسيط لشفتيه، وقس على ذلك مع خصال من طينة المساعدة أو الإيثار أو الكرم، تصوّروا أن البرلمان الفرنسي ناقش أهله منذ ما يقارب 4 سنوات خلت أمرا هيّنا يثير تهكم أجدادنا العرب حتى وهم في قبورهم! تجادل برلمانيو بلاد - حقوق الإنسان والديموقراطية كما يزعمون - أمر كوب الماء الذي برفقه النادل في صينيته مع فنجان القهوة، هل يحتسب صاحب المقهى أو النادي ثمنه ويقبضه أم لا؟ وهل بقي الآن بعد هذا ''التحضر '' الفرنسي كلام!