السيدة منصوري تترأس أشغال الدورة ال 38 لاجتماع لجنة نقاط الاتصال الوطنية للآلية على المستوى الأفريقي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    وزارة التضامن الوطني تحيي اليوم العالمي لحقوق الطفل    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    "صفعة قانونية وسياسية" للاحتلال المغربي وحلفائه    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    ..لا دفع لرسم المرور بالطريق السيار    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كواليس محرّمة على الإعلام ونزيلات سجن الحراش يكشفن المستور
نشر في الحوار يوم 16 - 12 - 2008

قيل لنا بعد تخطينا الأبواب المدرعة لسجن الحراش، إننا ربما من القلة القليلة التي دخلت المكان بهوية مستعارة لرصد الوضعية الحقيقية ونقل ما يحدث بداخله من خلال الاحتكاك الفعلي والملاحظة الدقيقة لأسلوب عيش جزء من المجتمع أقل ما يمكن وصفه به أنه يخضع لنمط تسيير لا يميز فيه بين الانتماءات والطبقات الاجتماعية، فالكل فيه سواسية داخل ''جمهورية السوپة'' (الحساء) كما تطلقه عليه نزيلاته اللواتي فتحن لنا قلوبهن ونقلن لنا كواليس حياتهن التي يخفينها حتى على أهاليهن بعدما ظنن أننا ننشط في الجمعية الوحيدة التي اقتحمت عالمهن لمساعدتهن على العلاج النفسي. ومن خلف ستار ثقتهن بنا وعلى أمل مدّهن بالمساعدة كشفت لنا كل من تمكّنا من تبادل الحديث معها عن مستور جمهوريتهن تلك، حيث كنا مجردين من سلاحنا (الورقة والقلم أو حتى أداة التسجيل) والتي لم تكن ضرورية فكل ما تراه العين هناك وتسمعه الأذن لا يمكن أن يمّحي بسهولة.
ونحن نتلقى دعوة من رئيسة إحدى الجمعيات الناشطة في ميدان تكوين المرأة ومساعدتها لزيارة جناح النساء بالمؤسسة العقابية للحراش، ظننا أن هذه مداعبة من قبلها جاءت بعد الخوض في نقاش حول كيفية عملها مع السجينات داخل السجن وعن مدى تقبلهن لتواجدها وباقي العضوات إلى جانبهن في عالم اختلفت أسباب ولوجهن له ومدة مكوثهن به، إلا أنها عادت وأكدت لنا أن الفرصة السانحة التي كنا ننتظرها لاستطلاع - بأنفسنا - خبايا مكان يقال عنه في مجتمعنا التقليدي إنه مخصص فقط للرجال بمعنى إن كان والجه رجلا فلا عار ولا عيب عليه بينما لو كانت امرأة حتى ولو كانت بريئة ومن باب الحبس الاحتياطي فإن العار يلحق بها وبأهلها. تقبلنا الدعوة وأعددنا الترتيبات الروتينية للقيام بمهمتنا الاستطلاعية وجاء الموعد المنتظر ثالث أيام عيد الضحى المبارك، حيث حصلت الجمعية على موافقة وزارة العدل وإدارة السجن بالاحتفال رفقة السجينات بهذه المناسبة على غرار ما كانت قد قامت به في عيد الفطر أيضا بتنظيم جلسة مسائية لصالح النزيلات أخرجتهن من رتابة يومياتهن التي صارت نسخة عن بعضها البعض ولا يكسرها سوى بعض المناوشات والشجارات التي تحدث بينهن من حين لآخر، لهذا السبب أو ذاك فهناك الأعصاب كلها متوترة ويكفي أن يثيرها أبسط الأمور. لكن ونحن نصل أمام المدخل الرئيسي تفاجأنا بتلقي تعليمات من رئيسة الجمعية بأن نخفي هويتنا كصحافة ونصرح أمام الاستقبال أننا أعضاء من الجمعية بما أن اسمنا قد دون ضمن قائمة الأعضاء، وأنها ستدخل في إشكال مع الإدارة لو علمت أنها اصطحبتنا معها في نشاطها هذا دون موافقتها حتى وإن كنا قد حصلنا على الإذن من طرف وزارة العدل، مؤكدة لنا أن الأمر في صالحنا إن كنا نريد فعلا الاطلاع على الواقع دون تحريف أو تنميق ونكون بهذا قادرين على التحرك بين السجينات دون إثارة شكوك الحارسات حول أسئلتنا الكثيرة التي نوجهها لهن فكان ذلك، دخلنا المكان بعدما خضعنا لإجراءات التفتيش المتسلسلة لدى كل بوابة ابتداء من المدخل الرئيسي حيث تم تجريدنا من هواتفنا النقالة وأدوات التسجيل والتصوير وكل جهاز مماثل حتى ''مفتاح USB '' حسب ترتيب أسمائنا على القائمة التي سلمتها لهم إدارة السجن، لنمر في المدخل الثاني على نقطة تفتيش أخرى جردنا فيها من بطاقات هويتنا وتحصلنا مقابلها على بطاقات الزوار التي أجبرنا على ارتدائها وأن كل من لا ترتديها لن تتمكن من تجاوز نقطة التفتيش الثالثة وهي الأخيرة تمر فيها حقائب يدنا على جهاز السكانير للتأكد من خلوها من الأجهزة المذكورة سابقا، وخلال كل هذه المراحل كنا مرفوقات بالحضرات '' أ.ب'' إلى أن وصلنا إلى جناح النساء ودخلنا إلى مكتب رئيسة الجناح الحضرات ''ي.م'' التي أجبرتنا هي الأخرى على التخلي عن حقائب يدنا في مكتبها قبل مغادرته والتوجه لملاقاة السجينات، وفعلا نزلنا عند رغبتها التي ينص عليها النظام الداخلي للمؤسسة وبقينا نتجاذب أطراف الحديث معها رفقة مجموعة من الحارسات بانتظار وصول توقيت موعدنا، حيث كانت الساعة تشير إلى الواحدة إلا ربع زوالا وهو موعد توزيع ''السوبة''، كنا نجلس في مقعد مقابل مدخل المكتب يطل على الممر المؤدي إلى الزنزانات كان يوما ممطرا لم تتوقف فيه الأمطار عن التهاطل للحظة واحدة، دق جرس الإعلان عن موعد الغداء فرأينا حوالي عشرين سجينة تخرجن وتعبرن الممر للوصول إلى مدخل الجناح لحمل الأواني المعدنية التي تحوي ''السوبة'' كانت تبدو ثقيلة جدا نظرا لكبر حجمها تحمل كل واحدة إناء بمفردها، وكن تبدين أنهن تحملنها بصعوبة، وما زاد في صعوبة حملها تساقط الأمطار بغزارة وارتداء غالبيتهن أحذية منزلية. انتظرنا حوالي نصف ساعة أخرى حاولنا معرفة رأي الحارسات في تصرفات السجينات وما إذا كانت هناك سجينات عدائيات أو ما شابه وهذا بطريقة تبعد عنا الشبهات، فقد بادرت رئيسة الجمعية بسؤال رئيسة الجناح الحضرات''ي.م'' عن مدى تحسن السجينات المنخرطات في دروس الرسم والرسم على الحرير التي تقدمها لهن الجمعية وما مدى مساهمتها في التخفيف عنهن معنويا، فردت أنهن في تحسن مستمر، لتعلق بعدها إحدى الحارسات أن هذا لن يفيد إلا بتوفر الإرادة القوية لدى السجينات أنفسهن فهناك منهن من هي ''بنت فاميليا'' على حد تعبيرها تريد أن تتوب عن خطأ وقعت فيه من دون إرادتها فتثير شفقتنا وتعاطفنا معها أحيانا، وهناك - كما قالت - أخريات '' يالاطيف، لو كان نصيب ندريهم في قفص للعصافير، لكثرة عدائيتهن مع زميلاتهن أو في التعامل معنا''، فكان هذا تأكيدا صريحا على لسان العاملات في السجن بوجود سجينات جدّ عدائيات تتلذذن بتصرفاتهن تلك وبإيذاء الغير كنوع من الانتقام خاصة من اللواتي حكم عليهن لمدة تتجاوز 15 سنة أو بالمؤبد.
العصا لمن عصا
انتهت فترة الغداء وحان موعد الاحتفال الذي قررت إدارة السجن إجراءه بقاعة الرياضات بجناح الرجال لأن الجو كان ممطرا ويتعذر إقامته في ساحة جناح النساء ولذا يتوجب علينا قطع مسافة طويلة نحو المكان، نمر خلالها بجناح الرجال الذين كانوا يرجعون بدورهم أواني ''السوبة'' ويجب أن يصطحبنا خلال تنقلنا الحضرات ''أ.ب'' والذي طلب منا أن ننتظر برهة أمام المدخل إلى غاية عودة هؤلاء المساجين إلى زنزاناتهم، فكما قال'' أنا لا أتحمل عاقبة ما قد تتعرضن له من تعليقات أو حتى محاولات اقترابهم منكن، فهناك من المساجين من لم يشاهد امرأة أمامه منذ 20 سنة''، وفعلا خبر وجودنا بالمكان انتشر بسرعة بين النزلاء حيث كنا نراقبهم عن بعد وهم يمرون بالساحة للذهاب نحو الزنزانات وهم ينظرون إلينا غير محولين أنظارهم متماطلين في مشيتهم بالرغم من تهاطل الأمطار فوق رؤوسهم وهم يرتدون لباسا خاصا لا يتناسب مع الفصل. دخلنا قاعة الرياضات حيث أقيمت الحفلة، كنا ننتظر رفقة بقية العضوات قدوم السجينات اللواتي أقيم الاحتفال على شرفهن في الوقت الذي كانت فيه ''الدي جي'' تهيؤ نفسها فضلنا الجلوس رفقة الآنسة سعاد معلمة الرسم بحكم أنها على اتصال دائم بالسجينات وتعرف نوعا ما ما هي الحالات التي يمكننا التحدث إليها دون التعرض للوقوع في المشاكل، فكانت دليلتنا ومرشدتنا في إنجاز هذا الاستطلاع، وحان وقت العمل، فتح باب القاعة وبدأت السجينات تدخلن في صف منتظم مطأطئات رؤوسهن وتجلس في الأماكن التي ترشدهن إليها الحارسات وكأنهن تحاولن التفرقة بين البعض منهن، فاقتربت منا سعاد وهمست ''لاحظي أعين الكثيرات حمراء من فرط البكاء يبدو أنهن كنّ معاقبات'' فسعاد صارت تعرف حال السجينات بعد العمل في المكان لفترة سنة تقريبا تلقنهن الرسم، فحاولت معرفة ما بهن عن طريق إبداء إشارة إلى إحداهن فردت هي الأخرى بالإشارة أيضا ففهمنا أن هناك خطبا ما وأنها لن تتمكن من إخبارنا بما حدث معهن فلم تفلتهن أعين الحارسات من المراقبة. رحبت رئيسة الجمعية بالسجينات وهنأتهن بالعيد لتنطلق بعدها الموسيقى فلم تتجاوبن معها، فقالت لهن ''الدي جي'' إنها لن تستمر إن لم تغنين معها أو ترقصن فهي اليوم هنا من أجلهن، إلا أنهن بدين مقيدات في تصرفاتهن فحتى وإن رغبن في الرقص والغناء فهن لسن في مزاج يسمح لهن سوى القليلات اللواتي كن يرقصن في أماكنهن. وفيما لاحظت رئيسة الحارسات استغرابنا للأمر طلبت منهن بنفسها فعل ما تشأن وما إن أنهت كلامها حتى امتلأت ساحة الرقص عن آخرها وعلت الزغاريد القاعة، فعادت سعاد لتؤكد لنا'' إنهن تخفن من الحارسات لدرجة لا توصف، وتنصعن لأوامرهن وعلى ما يبدو أنهن قد تسببن فيما أغضبهن لذا كن يبكين، ولن نعرف السبب إلا إذا اختلطن بهن فسوف يخبرننا حتما فهن يبحثن عن وسيلة لإفراغ المكبوتات وهذا يبدو من طريقة رقصهن لاحظي أنهن يتحركن عشوائيا في طريقة لا تتماشى مع الإيقاع وكأنهن مجنونات''. جلسنا نلاحظ ونتأمل وجوههن ونحن نحاول معرفة سبب تواجدها هناك، فهناك الكثيرات ممن تبدين من سيدات المجتمع الراقي وأخريات من ذوات الوجوه المشوهة كعلامة على اعتيادهن الإجرام، وبعد 10 دقائق من الرقص بدأت تلميذات سعاد تقتربن منها الواحدة تلو الأخرى لتهنئنها بالعيد فتجلس إلينا وتحكي لنا سبب حالها لدى دخول القاعة، فعلمنا أنهن كنا معاقبات لدخولهن في شجار جماعي في فترة الاستراحة بالساحة أما عن نوع العقاب الذي تحفظن عن توضيحه لنا فيبقى علامة استفهام ولكن كما قالت سعاد ''ما قد يبكيهن سوى الضرب؟.'' وكانت السجينات كلما اقتربن من سعاد تحاولن معرفة ما إذا كنا نحن أيضا من عضوات الجمعية أو كما كنّ تطرحنه علينا بالعامية ''أنتي صحبتها؟'' أخبرتهن سعاد أنني أخصائية نفسانية وعضوة بالجمعية ما فتح لي المجال لتبادل الحديث معهن بكل حرية، حيث شعرن براحة واطمئنان لمعرفة أنني أخصائية نفسانية وراحت كل واحدة منهن تسرد علي مشاكلها ورغباتها طمعا في تلقي الدعم والمساعدة المعنوية.
نعيش هنا ونحاول حماية أنفسنا
تلميذات سعاد هن من الفتيات أو السيدات اللواتي تحاولن الاستفادة من فترة محكوميتهن وفي نفس الوقت التخلص من الأفكار السوداوية التي تراودهن والتي أدخلنها معهن الزنزانات منذ أول يوم وطأت فيه أقدماهن المكان، الانتقام لدى الخروج أو سلك طريق منحرفة بعدما تخلى عنهن وتبرأ منهن أهلهن فدخول الحمام ليس كخروجه كما قالت إحداهن، كن يتكلمن معنا بلغة الشارع التي لا ينفع في هذا المكان التحدث بسواها، فغالبية المقيمات فيه من بنات الشوارع ومحترفات الجريمة تحاولن فرض سيطرتهن وقوانينهن هنا غير آبهات للنظام الداخلي، فكما وصفتهن إحدى السجينات التي ندمت عن سبب تواجدها بالسجن ''هن متمردات ولا يخفن من العقاب كأن يوضعن في الحبس الانفرادي أو يضربن أو حتى يقفن في الساحة يوما كاملا''. وأضافت محدثتنا التي سنتطرق لحالتها الخاصة بالمؤسسة فيما بعد ''نحن المحكوم علينا لمدة طويلة نعيش هنا ونحاول حماية أنفسنا من العدائيات والابتعاد عنهن قدر المستطاع بتجنب الاحتكاك بهن، فهن ليس لديهن ما تخسرنه أو تخفن أن تفقدنه من وراء تصرفاتهن هذه فغالبيتهن لو تسأليهن تقلن لك إنهن كنا من دون مأوى أو طردن من قبل الأهل فاحتضنهن الشارع الذي يهربن منه بحثا عن مكان يأويهن وتتوفر لهن فيه حماية القانون فترتكبن ما يحلو لهن للحصول على ما ترغبن به من الممتلكات المتواضعة للسجينات الأخريات أو ما تحصلن عليه من أطعمة أو ألبسة لدى زيارة الأهل''. ومن بين السجينات اللواتي تبدو عدائيتهن على وجوههن كما لاحظناه بأنفسنا، نجد الإفريقيات فهن لا تتكلمن سوى الفرنسية بطريقة رديئة يصعب التحاور معهن من خلالها، تحاولن التحرك داخل السجن في جماعات وتتخذن من الهجوم سياسة للدفاع، ما يجبر بقية السجينات على معاملتهن بنفس الطريقة ما يتسبب في حدوث مشاجرات متكررة كما أوضحت لنا سعاد التي تعرف هذا جيدا مثلما أخبرتها به تلميذاتها.
حاملات لفيروس الإيدز وبراءة وراء القضبان
بينما كنا نلاحظ ونستجوب السجينات لفت انتباهنا طفلان صغيران يرقصان وسط الجمع فتاة جميلة جدا وفتى وسيم بشعره الطويل، نظرنا فسألنا سعاد عما إذا كانا أبناء السجينات فردت مستغربة ''أولا تعلمين أن هناك من الأطفال من يولد هنا؟''، وراحت تشير بيدها إلى والدة الطفل ووالدة الطفلة مؤكدة لنا أنها ستفتح لنا المجال لمكالمتهما. وأضافت سعاد ''ما يجب أن تستغربي له ليس وجود الأطفال وراء القضبان، وإنما وجود من تحملن فيروس فقدان المناعة المكتسبة''، فكانت دهشتنا كبيرة لسماع الخبر خاصة وأننا نعلم جيدا طريقة انتقال الفيروس فماذا لو تسببن في نقله لبقية السجينات حيث يكفي أن تجرح المصابة لتلامس دمائها الأخريات فتتنقل العدوى. وعلمنا فيما بعد أن عدد المصابات هو حالة واحدة فقط وهي فتاة إفريقية تبلغ 20 سنة من العمر تم إلقاء القبض عليها بتهمة المتاجرة بالمخدرات والهجرة غير الشرعية رفقة مجموعة كبيرة من شركائها بمنطقة الشراقة بالعاصمة في فيلا استأجروها لتكون مخزنا لسلعتهم. ولدى توقف الموسيقى لتوزيع المشروبات الغازية والحلويات قمنا بالتوجه نحو الفتاة الصغيرة التي كانت ترقص وحملنها فجاءت والدتها مسرعة لتأخذها منا وكأنها خائفة من أن نؤذيها لم نفهم السبب، ولكن بعدما جلسنا رفقة سعاد نناقش تصرفات هذه الفتاة فهي مازالت مراهقة عذرناها فلقد وضعت ابنتها في السجن منذ سنة ونصف بعدما حكم عليها ب 20 سنة لارتكابها جريمة قتل في حق مغتصبها والد ابنتها، الشابة ترددت في الحديث معي إلى أن أقنعتها سعاد أنني أخصائية نفسانية فقالت ''أنا لا أحتاج لمساعدة الطبيب فلست مريضة ولا مجنونة ولكنني نادمة عما ارتكبته وأتمنى أن يسامحني الله على فعلتي، وأفضل لو بقيت ضحية اغتصاب على أن أكون مجرمة وقاتلة، وأما في السجن فلن أتمكن من رؤية ابنتي إلا بعد 17 سنة فهم سيبعدونها عني لدى بلوغها 3 سنوات وتأخذ إلى دار الطفولة المسعفة وربما تبنتها عائلة ما فأهلي لم يسامحوني على فعلتي حتى وهم مدركون أنني ضحية، وكيف لي أن أنظر في عينيها مستقبلا وتسألني عن والدها فماذا سأقول لها والدك اغتصبني وقتلته؟ لن تفيدني مشورة أخصائية نفسانية في الوقت الحالي فأنا مدركة تماما لواقعي''، قالتها هذه الشابة التي ارتأيت أن أسميها ''فلة'' في هذا الموضوع لأن جمالها فعلا لا يوصف حيث تبدو كالأميرات في الرسوم المتحركة، وهي تذرف دموعا كانت تمسحها بسرعة خوفا من ملاحظة الحارسات بكاءها. أما الطفل ذو الشعر الطويل والذي كان يبدو أكبر من الفتاة فعمره سنتان ونصف ولم يبق له سوى 5 أشهر على مغادرة أسوار السجن للذهاب والعيش في كنف خالته التي وافقت على تربيته، لم نجد اسما جميلا آخر نطلقه عليه في موضوعنا بدل اسمه الحقيقي وفضلنا ألاّ نسميه، فهو على كل حال بريء شاء قدره أن يولد في السجن بعدما دخله والداه أيضا بتهمة المشاركة في جريمة قتل فحكم على كليهما ب 20 سنة سجنا حسب ما قالته لنا سعاد.
ومنهن من تفقدن عقلهن هناك
من طريقة رقصها كانت تبدو وكأنها مجنونة أو مختلة عقليا، سيدة في عقدها الخامس تدور في ساحة الرقص وتهز جسدها يمينا وشمالا دون انتظام، فقالت سعاد إنها على وشك أن تفقد صوابها حيث أمضت هنا 21 سنة ومازال متبقيا لها 4 سنوات أخرى.. عمر بأكمله أمضته هنا داخل السجن حتى صارت من عميدات نزيلاته. وليست هذه السيدة الوحيدة التي تبدو عليها علامات الاختلال العقلي فلقد كن حوالي 6 نساء تتصرفن بغرابة، علمنا أن إحداهن مديرة بنك خرجت أول أيام العيد من إضرابها عن الطعام الذي تجاوز الأسبوع نتيجة صدور الحكم النهائي ضدها في قضية اختلاس أموال عمومية ب 20 سنة وهاهي اليوم تبدو كالمجنونة. أما الحالة الثالثة فكانت تجلس مباشرة خلفنا لم تتوقف عن الضحك بشكل هستيري من دون سبب فقط لمجرد سماعها الموسيقى، وعندما استدرنا نحوها توقفت عن الضحك وراحت تسألنا إن كنا من عمال إدارة السجن، فعادت للضحك بمعرفتها عكس ذلك وقالت لنا ''خفت لأنني لم أشرب الدواء اليوم'' سألناه أي دواء فقالت ''تاع الراس'' يعطونه لي حتى أنسى المخدرات''، ففهمنا أنها مدمنة مخدرات، طلبت منها سعاد أن تحكي لي قصتها فبإمكاني مساعدتها فوافقت دون تردد وقالت '' قبل الزواج كنت أخرج مع زوجي كان تاجر مخدرات ولكن لم يتعاطاها يوما وحتى يستغلني في تجارته جعلني مدمنة ولا أستغني عن الجرعات التي يقدمها لي فأوافق على كل طلباته مقابل الحصول على القليل منها ثم تزوجنا وأنجبت فتاتين، وجاء يوم ألقي علي القبض وأنا أوزع السلعة فتخلى عني وطلقني بحجة أنه لا يعلم بالأمر وأنها ملكي لوحدي بما أنني مدمنة وهو لم يتعاطاها أبدا وها أنا اليوم أقضى 15 سنة من حياتي بعيدا عن بناتي اللتين حرمني من رؤيتهما بعدما أعاد الزواج من فتاة أنا متيقنة أنه أوقعها في الفخ بنفس الطريقة.
حرب بين ربة عملهن وبينهن داخل السجن
ومن بين الأشخاص الذين لا يمكن أن تنتزع صورهم من البال صورة العجوز الطاعنة في السن والضخمة الجسد والتي كان يغطي الشيب شعرها بالكامل كانت ترقص على أنغام الشاب عبدو، حاولنا الاقتراب منها فنصحتنا سعاد بألا نفعل فهي جد عدائية وقد تشتمنا، وإن كنا نريد معرفة قصتها فما علينا سوى التوجه إلى واحدة من عدواتها الثلاثة، نعم عدواتها فقد كن يعملن لديها في تجارة الجسد ألقي عليهن القبض هن الأربعة بإحدى مناطق الغرب الجزائري متلبسات فحكم على العجوز بتهمة فتح بيت للدعارة أما الفتيات الثلاث فبممارسة الدعارة. لم نجرؤ على الاقتراب منهن ولحسن الحظ سعاد مرشدتنا في الاستطلاع تعرف تفاصيل حياتهن التي روينها لها، حيث طلبت مني أن ألاحظ خنصر أياديهن اليمنى فهي جميعها محروقة كعلامة على انتمائهن لنفس المجموعة مجموعة هذه العجوز، هن فتيات أعمارهن تتراوح بين 20 و23 سنة استغلتهن العجوز في كسب المال بعدما أوهمتهن أنها ستساعدهن وهن اللواتي راح أهاليهن ضحية الإرهاب خلال العشرية السوداء، فكانت تحرقهن وتعدهن لممارسة نشاط كانت تعمل هي فيه منذ شبابها ولما صارت عجوزا فضلت أن تكسب المال من وراء أجسادهن الجميلة وجمالهن الطبيعي، فحسبنا أن سعاد تروي لنا تفاصيل أحد الأفلام المصرية حيث كانت صاحبة بيت الدعارة تقوم بنفس الشيء.
سجينات تردن تكوين فريق كرة قدم
وسط الجمع الكبير من السجينات اللواتي لم تتوقفن للحظة عن الرقص شدت انتباهنا مجموعة من الفتيات علمنا فيما بعد أنهن من باب الوادي وميسوني والقليعة وبلكور ووهران، ترتدين ألبسة وأحذية رياضية وتبدو ملامحهن وتصرفاتهن ذكورية، طلبن من ''الدي جي'' أن تضع أغنية ''المولودية'' سألناهن هل تحببن المولودية فقالت إحداهن ''أعشقها فأنا من باب الوادي وكنت ألعب كرة القدم في الشارع'' لتنضم إليها رفيقتها وهي من القليعة قالت: ''أنا كنت ألعب في فريق الفتيات للقليعة لكرة القدم'' لكن الآن لن أتمكن من اللعب مجددا ويبقى حلمي أن أشكل فريقا لكرة القدم النسوية هنا داخل السجن. بلغت الساعة الخامسة وأشارت رئيسة الجناح بوقف الموسيقى، لم ترد السجينات أن تتوقفن عن الرقص ولا حتى أن نغادر المكان وأن نظل معهن هناك فكن يقلن لنا ''زيدوا شويا''، غادرنا سجن النساء بالحراش بعد نصف ساعة تحديدا ونحن نحمل معنا ذكريات مغامرة لا يمكن للكلمات أن تعبر حقا عن شعورنا خلالها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.