تعوّد العرب من زمن ليس بقريب على جلد الذات وعلى اتهام الآخر وعلى البحث على مشجبة لتعليق الغسيل، كملاذ وحيد للخلاص من الواقع، بمرارته وكبواته، وبمرور الوقت أصبح هذا التصرف سلوكنا اليومي في مواجهة محن الحياة، ولكن أن نجلس مع بعضنا البعض ونقيم جلسات وحوارات وملتقيات نناقش فيها أسباب الفشل وأسباب الخسارة فهو تصرف حضاري لا يزال بعيدا عنا على الأقل في الوقت الراهن على أمل اكتساب هذا المنهج- الذي تميز به الغرب عنا- في المستقبل القريب .. قبل أيام قليلة وعقب خروج منتخبنا الوطني من المونديال الإفريقي، هبت رياح الحسرة والألم والحزن على كل ربوع وطننا الحبيب وكأن حلما جميلا انقضى وكان الاستيقاظ على كابوس مرعب نهايته كانت بلقاء أمريكا، رياح الساحرة المستديرة القادمة من بلاد مانديلا، البطل المكافح الذي تكبد الشدائد جعلت كل العرب والجزائريين يتساءلون لماذا لا نصل؟ ولما لا نفوز؟ وهل الخسارة أصبحت مرادفا لكرة القدم الجزائرية والعربية؟ وبالمقابل جعلتنا نتساءل، لماذا يفوزون ويتألقون؟ أليسوا بشرا مثلنا؟. هي تساؤلات نابعة من فيض الخاطر تبحث عن إجابات، وتبحث عن سر انهزامنا في بطولة كأس العالم، نصل التصفيات الأولى، نقترب من التأهل ثم نخرج صفر اليدين وإن حاول البعض تجميل الصورة وتقديمها بإيجابية .. مونديال منديلا سينقضي بعد أيام معدودة، وسيخلد في الذاكرة الجماعية للجزائريين أن رايتنا فعلا كانت من بين 32 راية حلت بالجزء الجنوبي من القارة السمراء، ولكن بعد حضورها في ثلاث مقابلات غابت، وسيخلد التاريخ أن فرقتنا عادت من حيث أتت، وأن المستطيل الأخضر خلا من رائحتهم وعرقهم بعد 180 دقيقة فقط، وسيخلد التاريخ أيضا أن الجزائر خرجت من السباق وعدنا إلى صفوف المتفرجين بعدما كنا مشجعين ومناصرين لدرجة الغليان، وعاد الأمل ليقبع تحت نير الخيبة .. صحيح أن معايير الريادة والتقدم لا تأخذ كرة القدم ضمن حساباتها، لكن تبقى كرة القدم هي أشهر لعبة شعبية في العالم، وتبقى الشعوب العربية، هروبا من المعاناة اليومية راغبة في الدخول إلى العالم من بوابة الكرة، لدرجة جعلت البعض يعلنها صراحة إذا لم تقم لنا قائمة في أي مجال على المستوى العلمي والعالمي، فليكن ذلك على الأقل في كرة القدم .. ولأن نبض الشارع لا يكذب والهدوء والسكون الذي خيّم عقب الهزيمة والخروج من المونديال في ثالث مقابلة، يؤكد بأن الجزائريين وكل الشعوب العربية تريد مكانة كروية بين دول العالم، لتتحول الكرة إلى حلم عربي بعدما كان تحرير الأراضي وتنقيتها من دنس الاحتلال هو أم الأحلام وأكبرها على الإطلاق ..