"أنتوما أسباب المحنة" .. هي عبارة نطق بها مؤخرا أحد الرجال بمحطة 2 ماي للحافلات بالقرب من مجموعة من الفتيات عندما تعذّر عليه صعود الحافلة.. وتجد هذه العبارة تفسيرها في الانهزام النفسي الذي يصيب بعض الرجال لما يلمحون مشهد نسوة يتوجهن نحو الجامعات أو مقرات العمل، حيث أن لديهم طقوس قراءة خاصة تجعلهم في خصام طويل مع المرأة بدليل شهادات عدة تأتي على ألسن بعضهم، مفادها أن فرص العمل المتاحة للنساء أكبر بكثير من تلك التي تتاح للرجل.. وأن"البلد أصبح ملكا للنساء" ! .. وما إلى ذلك من التهم التي تواجه المرأة في الوقت الراهن، وذنبها أن بعض الرجال عمي أمام حقيقة أن عمل المرأة اليوم يسند عائلة لم تعد قادرة على الاكتفاء بمعيل واحد، فبعض النساء موظفات وبعضهن يعملن على تأسيس مشاريعهن الخاصة، وأخريات سقطن من سلم اجتماعي ليمارسن مهنا لا تتوافق والشهادة الجامعية التي يحملنها، وهو التنازل الذي يرفضه بعض الرجال الذين يتعالون على كثير من المهن. الأكيد أن عمل المرأة اليوم لم يعد مجرد تحقيق حلم بممارسة مهنة تستجيب لقدراتها وميولاتها، ولم يعد قضية مطالبة بالحقوق أو المساواة، إنما حكم نطقت به الظروف المعيشية الصعبة.. وفي هذا الحكم كثير من التعب والمعاناة اليومية الذي لا تحسد عليه أبدا، لكن الظاهر هو أن كثيرين ينظرون إليها على أنها سبب إقصائهم من الحياة الاقتصادية، وأن تغيبها عن المنزل سبب جنوح الأحداث! إن بعض الرجال في مجتمعنا أصبحوا يصبون جام غضبهم على المرأة ويقذفونها بتعاليق في كل مكان.. بل ويحملونها تبعة المشاكل التي يتخبط فيها الوسط الحضري بدءا ببطالة الشبان وانتهاء بأزمة حركة المرور واكتظاظ وسائل النقل!! وما ذلك سوى إسقاط للتركيبة الذهنية لبعض الرجال في المجتمعات العربية، والتي تجعلهم بحاجة إلى الشعور بالتفوق، وعندما يشعرون بأنهم يخسرون من هالة تفوقهم يفقدون الكثير من كبريائهم ويحاسبون الآخرين، أو بالأحرى المرأة التي تحولت بموجب ذلك إلى مشجب يعلق عليه بعض الرجال ممن سئموا تكاليف الحياة فشلهم في مواجهة المشاكل قياسا على المثل القائل: "محقورتي يا جارتي" !! .