يلخص الأستاذ الجامعيوالدكتور محمد لحسن زغيدي مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية في احترام كل طرف الأخر وعدم التدخل في شؤونه الداخلية،كما أنه يؤكد أن تصريح كوشنير الأخير حول بقاء جيل الثورة الجزائرية في الحكم و قانون تمجيد الإستعمار يلخصان أيضا العلاقات بين البلدين مستقبلا. ويوضح في حديثه مع ''الحوار'' بالتفسير والتحليل أسباب التوتر الحاصل في هذه العلاقات اليوم، كما يؤكد أن مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي أكبر مشروع يرهب فرنسا حتى لا تنكشف أمام جيلها والعالم، و يشير المتحدث إلى أن كتابة التاريخ لا يمكن أن تكون إلى عند الجيل الثالث أو الرابع للثورة الجزائرية. بين الشد والجذب الحاصل اليوم في العلاقات الجزائرية الفرنسية و بعد مرور سنة 48 من استقلال الجزائر، إلى أين وصلت هذه العلاقات في ظل ما يحيط بها من فتور وغيوم رمادية تميل في الغالب إلى السواد أكثر منها إلى البياض ؟ العلاقات السياسية الجزائرية الفرنسية اتسمت على مر السنين بالفتور والتذبذ حسب ما تقتضيه المصالح، خاصة من الجانب الفرنسي لا سيما وأن العلاقات تبقى دائما مرهونة بالإرث التاريخي، ولذلك فإنه ومن جانب الجزائر التي عانت من الاحتلال أكثر من قرن وربع وعاشت كل مظاهر الاضطهاد الإنساني الذي لا يمكن تصوره ومن ثم فإن استرجاع السيادة مازال لم يهضم من الذاكرة الكولونيالية الموروثة والتي مازالت تلقي بضلالها على السياسات الفرنسية فيما يتعلق بتعاملاتها السياسية خاصة. ولذلك نلاحظ أن هذه العلاقات ومهما حاولت القيادات إعطاؤها ألوان التقارب والتعايش الذي يمكن أن يضفي بعض الثقافة الجديدة فيما بين الأجيال يبقى دائما بروتوكوليا لأن الطرف الآخر لم يشفى بعد من عقدة التابع والمتبوع. فإذا كان الجيل الجديد يحكم فرنسا لا تزال أفكاره مرتبطة بالموروث الإستعماري والتي أضفى عليها قانون 23 فيفري الممجد للإستعمار الفرنسي الصبغة الرسمية لتجديد ثقافة مستقبلية وهي تمجد الاستعمار المدان من طرف كل فعاليات الموجود. يأتي هذا التوتر في وقت لا تزال فرنسا تبحث عن مبرر لهذا وهو ما تفسره الخرجة الأخيرة لوزير خارجيتها باتهام جيل الثورة وعلى رأسهم بوتفليقة بتحمل مسؤولية تدني العلاقات بين البلدين؟ التفسير أن فرنسا الرسمية متعمدة، لأنه في نظري من يمثل الشعب حقيقة هو الموقف الرسمي شرعا، وإذا كان البرلمان يصوت بالأغلبية من أجل تمجيد الاستعمار، معنى ذلك أن هناك من يحفز الأجيال المستقبلية من طرف هذه الدوائر لتشكيكها في ما ضيها وإدخال مغالطات على الذاكرة التاريخية لتلك البلدان، ولذلك فتصريح وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير كشف عن سر تشتم رائحته من تصريحه القاضي بأنه لا يمكن أن يحدث تقارب بين فرنسا وجيل الثورة الذي يعيش في الجزائر ومن يحكمها ومن يسيره كجيل ثاني أكثر التصاقا به، ولذلك على فرنسا أن تعد خططا مستقبلية ليحدث تقارب مع الأجيال اللاحقة وهذا ممكن جدا في الجيل الثالث أو الرابع. وفي خضم كل هذا فإننا نشتم رائحة تزوير تاريخي لتشكيك الأجيال في ماضي أجدادها ويبرئ فرنسا من جرائمها وتجعل منها ضحية التمدن والتحضر وترقية المجتمعات المستعمرة على حساب ما تظهره الحقائق. ونحن نتحدث عن ساركوزي وحكومته التي عرفت العلاقات بين البلدين في فترة حكمه بالأسوأ على الإطلاق، هل تعتقدون أن رحيل الرجل الأول في الإليزيه سيجعل هذه العلاقات أقل حدة وأكثر تفاعلا؟ من المعلوم أن العلاقات بين الدول لها عدة مجالات ويمكن أن نتحدث عن العلاقات فيما يتعلق بتقية الشعوب والتعاون في عدة مجالات، أما إذا حصرناها في الفترة الزمنية لحكم ساركوزي فيمكن تلخيصها في كلام رئيس الدبلوماسية الفرنسية والناطق الرسمي للسياسة الخارجية لها ، وأظن أنها نظرته وفرنسا كلها لمستقبل العلاقات مع الجزائر ، وأظن كذلك أن كوشنير هو المخول سياديا في تصور هذه العلاقات إلى جانب المشرع لها وهو البرلمان الفرنسي الذي أصدر قانون 23 فيفري الممجد لللإستعمار، فمستقبل العلاقات بين باريس والجزائر حتى بعد رحيل ساركوزي عن الحكم لا يخفى على أي شخص ذي بصيرة. في ظل هذا الفتور بين الجزائروفرنسا يشير محللون سياسيون إلى أن الولاياتالأمريكيةالمتحدة تقتنص مثل هذه الفرص من أجل إزاحة فرنسا وأخذ مكانتها في علاقتها مع الجزائر، هل توافقون هذه الرؤية؟ هذا كلام غير سياسي لأن الجزائر دولة ذات سيادة لها الحق في أن تعقد علاقات صداقة وتعاون مع كل الدول، وكانت العلاقات الجزائريةالأمريكية في القرن السادس عشر والسابع عشر من أحسن العلاقات، فالعالم مفتوح على بعضه البعض فأوروبا ليست فرنساوالجزائر ليست إفريقيا. هل تعتقدون أن العلاقات بين الجزائروفرنسا في يوم من الأيام يمكن أن '' تقطع''؟ لا أتصور لأن هناك جيل كامل يعيش في فرنسا من أصل جزائري يتبوأ فيها مراكز قيادية في جميع المجالات، وبالتالي محكوم على الشعبين أن يعيشا في جو الاحترام المتبادل. إذن كيف تتصورونها الآن في ظل التشاحن القائم بفعل الخرجات الفرنسية المتكررة؟ لا أتصور علاقة جيدة بين أي دولتين تكون خارج الإحترام والمساواة وعدم المساس بسيادة الآخر. وعلى ذكر قانون تمجيد الإستعمار الفرنسي ما تقولون في مشروع قانون تجريمه كفكرة مضادة لقانون 23 فيفري لكل شعب الحق في أن يعبر عن سيادته بطريقته الخاصة لأن قضية تجريم الإستعمار قضية تخص الشعب، لأن الاستعمار مجرم بكل اللوائح والقوانين والتشريعات الدولية، ومن ثم يحق لنا نحن من عانينا سنينا طوالا من احتلال لا يوجد له نظير في إجرام في التاريخ أن نقول له أنت مجرم ، فإذا أخذنا على سبيل المثال مجازر 8 ماي 1945 والملايين من الشهداء والمهجرين والمنفيين والمحارق والأسلحة المدمرة والمحرمة والتي لا زالت تعاني الأرض الجزائرية منها من إشعاعات وألغام مضادة للأفراد، فكل هذه الشواهد التي ما تزال دلالات حقيقية يلمسها الجيل الحاضر والمستقبل ، ففرنسا تخاف من هذا القانون لأنه يبرز حقائق ويكشف لأجيالها الحاضرة كل هذه الجرائم بل لجميع الدول وهي لا تريد أن تصبح مجرمة في نظر العالم. في نظركم هل من الممكن أن يجسد هذا القانون في ظل كل الملابسات التي تحيط به اليوم؟ تبقى هذه القضية جزائرية محضة، و ليس من يجرم يعني ضد من لا يجرم، وإنما تبقى قضية نقاش داخلي ويشترك الجميع في المفهوم الأساسي لأن الاستعمار جريمة ضد الإنسانية وهذا لا يمكن أن يختلف عليه عاقلان. ذكرتم ضحايا 8 ماي 1945 وفي كل مناسبة تاريخية تتعالى أصوات لجعل 45 ألف ضحية من الشهداء لكن دون جدوى، هل انتم مع ''شهداء المجزرة''، ولماذا لحد اليوم هذا التماطل أو التباطؤ في التعجيل بهذا الأمر رغم مرور 65 سنة؟ إذا قلت غير هذا فأنا لا أعرف التاريخ لأن شهداء 8 ماي 1945 هم في الأساس اللبنة الأساسية التي بنيت عليهما صرح الشهادة والانطلاقة الحقيقية للثورة التحريرية بعد ذلك في أول نوفمبر .1954 أما قضية عدم تصنيفهم كشهداء فترجع إلى أعلى المسؤولين عن هذا الملف وأظنها قضية لا تتعدى فقط الأطر القانونية فهم شهداء وضحايا استعمار بصفتكم أستاذ تاريخ بجامعة الجزائر وصاحب مؤلفات تاريخية كيف ترون قضية كتابة تاريخ الجزائر في ظل اللغط الكبير حول هذا الأمر؟ هناك شهود على أصعدة مختلفة تبذل في هذا الاتجاه فعلى الصعيد الرسمي هناك مادة في الدستور تنص على هذا الأمر ، وعلى صعيد البحث العلمي هناك الجامعة الجزائرية التي تقوم بهذا الدور لأن عبر دراسات عليا ومخابر في هذا المجال وعلى صعيد وزارة التعليم العالي هناك مشاريع البحث وعلى الصعيد الآخر هناك وزارة المجاهدين عبر مؤسساتها وهياكلها في جمع المادة التاريخية. عفوا متى نستطيع أن نقول أننا كتبنا أو اقتربنا من كتابة التاريخ الجزائري حقا؟ لا نستطيع قول أننا أنهينا كتابة تاريخنا فالتاريخ مهمة الأجيال اللاحقة خاصة وهناك عدة عوامل تتظافر في كتابته من جهود رسمية ، مدنية لتسهل للباحث والدارس العمل في هذا المجال، خاصة لأمة مثل الأمة الجزائرية التي قل نظيرها في تاريخ البشرية بحكم موقعها والتي تعتبر من الأمم الصانعة للحدث، فالأحداث المتراكمة عبر مسار تاريخي لا يمكن أن تدون في جيل واحد فالأجيال تتلاحق فهناك ثورات عالمية سبقت الثورة الجزائرية ولم تكتب من جميع جوانبها. فالجيل الثالث أو الرابع هي من ستكتب تاريخنا فهي مهمة استمرارية للجيل القادم. هل تعتقد أن الجامعة الجزائرية تؤدي دورها في هذا المجال؟ أنا مقتنع قناعة كاملة من مهمة جامعتنا فهي الأساس والركيزة وهي الآن بالاشتراك مع الهيئات المشرفة على البحث العلمي من اجل هذا الأمر فوجود جامعة في الجزائر متخصصة دليل على أن الدولة مصممة من الإيفاء بهذا الغرض .